أظهرت التغطية الإعلامية الأمريكية للحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين العزل في غزة، تعاطفا إعلاميا وشعبيا أمريكيا غير مسبوق مع الفلسطينيين. ولم تتردد قنوات إخبارية مثل CNN وMSNBC وNBC في توجيه انتقادات لاذعة إلى المسؤولين الإسرائيليين الذين يحلون ضيوفا على برامجها ونشراتها الإخبارية، كما عمدت إلى استضافة عدد غير مسبوق من المسؤولين الفلسطينيين والعرب للتعليق على مجريات الأحداث في غزة. «يا سيدي كيف يمكنك أن تقول ذلك؟ ألا ترى جثث الأطفال والنساء والمدنيين الذين يسقطون بصواريخ جيشكم؟»، هكذا رد «دان ليمان» مذيع شبكة CNN على «مارك ريغيف» المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت» والمتحدث السابق باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن، عندما قال إن «الجيش الإسرائيلي يستهدف أعضاء حركة حماس الإرهابيين في غزة ولا يستهدف المدنيين أبدا». رد المذيع الأمريكي كان محتدا وبنبرة عالية مليئة بالغضب، وهي نبرة جديدة تماما في التعاطي الإعلامي الأمريكي مع القضية الفلسطينية التي عانت لعقود طويلة من تحيز إعلامي أمريكي فاضح إلى الجانب الإسرائيلي. هذه النبرة دفعت الكثير من المراقبين إلى القول بأن إسرائيل تواجه لأول مرة ومنذ قيامها ما وصفوه ب«محاكمة أخلاقية» لسلوكها العسكري في المنطقة، بعدما خرجت المظاهرات الاحتجاجية الغاضبة من حربها في غزة في معظم العواصم العالمية. تألق CNN وتألقت شبكة CNN الأمريكية في تغطيتها للحرب الدائرة في غزة، وعمدت إلى إرسال أمهر صحفييها ومراسليها الدوليين وعلى رأسهم الصحفية المخضرمة «كريستيان أمانبور» الإيرانية الأصل التي عملت على تقريب المشاهد الأمريكي من المأساة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة هذه الأيام. كما أوفدت CNN نجم برامجها المسائية اللامع ذا الشعر الفضي «أندرسون كوبر» صاحب برنامج «AC360» الذي خصص ساعات برامجه المباشر لنقل معاناة الفلسطينيين داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على الفلسطينيين الحاملين للجنسية الأمريكية الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بالنيران الإسرائيلية، وذلك عبر ربط الاتصال المباشر مع عائلاتهم المقيمة في مختلف الولاياتالأمريكية وبث مكالماتهم الهاتفية المليئة بالأسى والحزن والغضب مباشرة على الهواء. كما نجحت شبكة CNN في اجتذاب مئات الآلاف من المشاهدين الذين روعتهم مشاهد الدمار في قطاع غزة، وذلك من خلال تغطيتها المباشرة وعلى مدار الساعة لتطورات الأحداث التي تخللتها استجوابات وحوارات ومقابلات مع عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين، لكنها عمدت وبشكل غير مسبوق إلى إعطاء الفرصة لمسؤولين من حركة حماس من أجل مواجهة المسؤولين الإسرائيليين والرد على افتراءاتهم بشكل مباشر وبلغة إنجليزية ممتازة. بل إن الشبكة الأمريكية عمدت إلى استضافة مسؤولين فلسطينيين مخضرمين أمثال حنان عشرواي التي كانت تحرج في كثير من الأحيان المسؤولين الإسرائيليين الذين يشاركونها حلقات البرامج المباشرة أو التغطيات الحية في نشرات الأخبار. ورغم اختيار شبكة «فوكس نيوز» الميل إلى الجانب الإسرائيلي في تغطيتها المباشرة للحرب في غزة، إلا أنها «سمحت» لعدد من المسؤولين الفلسطينيين والعرب الأمريكيين بإسماع صوتهم عبر برامجها واتهام إسرائيل بارتكاب مجزرة في حق المدنيين داخل قطاع غزة، رغم إصرار مذيعها «بيل أورايلي» صاحب برنامج «ذي أورايلي فاكتور» على تكرار جملة «لا أفهم سبب هذا الغضب الشعبي الأمريكي والعالمي من إسرائيل. ماذا يمكنها أن تفعل؟ أريد أن أسأل المشاهدين سؤالا، لنفترض أن أحدا تحرش بأطفالك واستهدف بيتك بالصواريخ، ماذا ستفعل؟ هل ستجري وراء المعتدي وتلاحقه وتلقنه درسا أم أنك ستستسلم لأصوات بعض الغاضبين وتغض الطرف عنه وتنسى الأمر مما سيشجعه على التمادي؟». لكن المسؤولة الفلسطينية السابقة حنان عشراوي ردت عليه ساخرة في إحدى المرات قائلة: «هذا هو السؤال الذي يطرحه الفلسطينيون كل يوم أيضا. عندما تقصف الطائرات الإسرائيلية بيوتهم فإنهم يطرحون نفس السؤال، لكن الفرق هو أن لا أحد يلتفت إلى سؤالهم هذا حتى تقع كارثة بالحجم الذي نراه في غزة الآن». غضب شعبي خرج الآلاف من الأمريكيين الغاضبين من الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة، ونظموا مظاهرات احتجاج في كبريات المدن الأمريكية مثل واشنطن ونيويورك ولوس أنجلس رددوا خلالها شعار «حرروا فلسطين»، ووضعوا الكوفيات الفلسطينية على رؤوسهم وأكتافهم وغنوا أشعارا تمجد الحرية والنضال. كما حمل هؤلاء المتظاهرون الأعلام الفلسطينيةوالأمريكية ووجهوا انتقادات لاذعة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما الذي فضل «الصوم» عن الكلام طوال الأيام الماضية، قبل أن «يفطر» يوم الثلاثاء ويقول إنه لم يتسلم المسؤولية بعد وأن للولايات المتحدة رئيس واحد في الفترة الحالية هو جورج بوش الابن. وانتقد الكثير من المعلقين والمحللين الأمريكيين صمت أوباما وطالبوه بإدانة «سقوط المدنيين العزل في غزة» والإدلاء بتصريحات صحفية حول الموضوع تماما كما فعل خلال الهجوم الدامي الذي شهدته مدينة «مومباي» الهندية قبل أسابيع. وكثيرا ما ردد هؤلاء المحللون جملا من قبيل: «أين أوباما؟ أين الرئيس المنتخب؟ لماذا ابتلع لسانه فجأة؟ هل يخاف من تحطيم صورته المثالية لدى الأمريكيين أم إنه لا يرغب في إغضاب أحد؟ عليه أن يسمعنا صوته وحالا».