اختلطت الاحتجاجات على حلقات برنامج «مسرح الجريمة» بصراخ الباعة المتجولين، ووقف أغلب المصلين في مفترق الطرق بين التسوق والانضمام إلى الوقفة الاحتجاجية، التي نظمتها تنسيقية الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين احتجاجا على الخط التحريري لبرنامج تلفزيوني أصبح مختصا في تعقب جرائم السلفيين. أمام مسجد التقوى بالدارالبيضاء، ومباشرة بعد انتهاء صلاة الجمعة، انتشر رجال الأمن بزيهم المدني حول جنبات المسجد، وهم يتفحصون التقاسيم الغاضبة لمصلين بزيهم الأفغاني كانوا يستعدون للاحتجاج على قناة «ميدي1 تي في»، وبرنامجها «مسرح الجريمة». كان «مقدم» المنطقة يسجل العبارات الواردة في اللافتات وينقل بهاتفه المحمول تفاصيل الوقفة. لم يخطر ببال أحد أن يقوم «المقدم» بدوره الاستخباراتي لأنه يعفو كغيره من المحتجين عن لحيته ويرتدي لباس السلفيين. وحين شعر أحد باعة اللبن بأن بضاعته تضررت من الوقفة الاحتجاجية ظل يصيح «حشومة يحتجو أمام بيت الله»، قبل أن يصرخ بأعلى صوته بلكنة مصرية «صافية لبن». لكن القضية ليست «صافية لبن» بالنسبة للسلفيين، الذين اعتبروا إصرار برنامج «مسرح الجريمة» على التخصص في قضايا السلفية دون سواها من القضايا الجنائية المدنية، جريمة إعلامية مسرحها قناة طنجة، بل إن أحد قياديي الوقفة كان يقدم خطبة ثانية للمصلين حول المهنية والمصداقية في معالجة القضايا في التلفزيون، داعيا «الهاكا» إلى التدخل الفوري لوقف مذبحة المهنية، التي تخدم أجندة أصحاب القرار، كي لا تبقى «الهاكا» مجرد فزاعة في تعاملها مع المشهد الإعلامي المرئي والمسموع. وقال أحد السلفيين إن إرهاب التلفزيون أخطر من إرهاب المتفجرات، وكشف عن مغالطات سلسلة من الحلقات شرعت قناة «ميدي1 تي في» في بثها منذ فاتح مارس الماضي، خاصة حين عرضت حلقة تفجير أركانة قبل أن يحسم القضاء نهائيا في أمرها، أو أحداث 16 ماي بمدينة الدارالبيضاء، وتفجير «سيبير» سيدي مومن، وخلية القعقاع والتونسي، وقس على ذلك من الحلقات التي جعلت الرأي العام يعتبر السلفي مجرد رجل سوابق يستعير لحية وبذلة لممارسة الجريمة في أبشع تجلياتها، وهو إرهاب إعلامي يراد به الرقص على جراح لم تندمل بعد ومتاجرة مكشوفة بأحزان لا تنمحي، حسب مضامين اللافتات. أطرف ما حصل في هذه الوقفة الاحتجاجية هو ظهور شخص قيل إنه معد البرنامج، لكن تبين فيما بعد أنه مجرد مصل من بين مئات المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون بسبب الدعوة للوقفة، قبل أن يتذكروا وجبة كسكس في انتظارهم، فالكسكس المغربي هو مسرح الجريمة الحقيقي الذي يمارس فيه الناس هجوما بلا رحمة ولا شفقة، فيجهزون في دقائق على ما بنته السواعد النسوية في ساعات. صحيح هناك اختلالات مهنية لسنا مؤهلين، باسم أخلاقيات المهنة، للإفتاء فيها، لكن هناك وقائع أكدت أن تمثيل الجريمة واعترافات المدانين ليس بالضرورة إقرارا بالجرم، ففي شتنبر من سنة 2003 تم تمثيل جريمة قتل يهودي مغربي في مكناس، وبعد شهرين تم إلقاء القبض على شخصين فاجآ المحققين باعترافهما بقتل اليهودي، حينها قال مأمور السجن: إذا التقا شخصان اعترفا معا بارتكاب الجريمة فأفرج عما سبق، وهو ما حصل، حيث تمت تبرئة محمد روزيق وشقيقه رشيد روزيق، بعد أن توبعا بقانون الإرهاب، وبعد مرور ثلاث سنوات من إعادة تمثيل الجريمة على القناة الثانية، تبين أن الاعتراف قد انتزع منهما تحت التعذيب، فقيل لهما عذرا «الغلط كيوقع». لكن للأمانة، فالبرنامج يحقق نسبة مشاهدة كبيرة لدى المعتقلين، الذين يعتبرون الفئة الأكثر استهلاكا لبرامج الجريمة من «وقائع» إلى «مداولة» إلى «أخطر المجرمين» وأخطر النصابين، بل إن العديد من الأشخاص الذين قدمهم البرنامج بوصفهم مجرمين وقعوا في قبضة العدالة، وحدد لهم «جينيريك» النهاية مدة الحكم في عشر سنوات وما فوق، تابعوا الحلقات التي رصدت قضاياهم وهم في بيوتهم يستنشقون نسائم الحرية، وفي اليوم الموالي يكشفون لأصدقائهم قصة سل الشعرة من عجين القضية. لقد أصبح مجرمو «مسرح الجريمة» نجوما يلتقط معهم المواطنون الصور في الشارع العام: - خويا انت هو القعقاع ديال مسرح الجريمة، شي صورة معاك الله يخليك. - بكل فرح يهرب المصور كي لا يزج به في قضية انفجارات درب الفرح، أو في انفجار فندق الفرح، وكأن الإرهاب عدو أزلي للفرح والحبور. أغرب ما في القضية ربط الجريمة بالمسرح، وبأب الفنون حين يتعلق الأمر بإعادة تمثيل الجريمة، لذا من غير المستبعد أن يطالب المجرمون يوما ببطاقة الفنان.