سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زكي مبارك: الحسن الثاني قاد جيشا عامَلَ الرّيفيين بوحشية و«الاستقلال» متورّط في أحداث 1958-1959 قال إنّ الانتفاضة أدّت إلى إنشاء حزب جديد هو الحركة الشّعبية لمُحاصَرة الاستقلال
- أفردتَ فصلا كاملا في أحد كتبك للحديث عن أحداث الريف لسنة 1958-1959، نودّ أن نعرف ماذا جرى بالضبط؟ وما هي الحيثيات التي أدت إلى اندلاعه هذه الحرب؟ عرفت هذه المنطقة انتفاضة شعبية تزّعمَها القايد محمد سلام أمزيان. وبالعودة إلى الوراء، فإن الرّيف بصفة عامة لعب دورا مُهمّاً في حصول المغرب على الاستقلال، لكنْ في ما بعد أحسّوا أنّ هذا الاستقلال الذي ساهموا لم يجلب للمنطقة التنمية كما كانوا ينتظرون، حيث وظّف حزب الاستقلال عناصره في مواقع مُتعدّدة، وتم تهميش المنطقة من الناحية الاقتصادية والثقافية، وكان من نتائج هذه السياسة رفضُ سكان الرّيف هذه الوضعية، فقدّموا رسالة إلى الديوان الملكي يطالبون فيها بإنصاف الرّيف من الناحية الاقتصادية والإدارية بالنظر إلى الدور الذي اضطلعوا به في تحرير البلاد.. وبعدما قدموا هذه العريضة، انتظروا الجواب مدة طويلة، لكن لم تتم الاستجابة لمطالبهم، فقام محمد سلام أمزيان بتنظيم «انتفاضة» كان لها بالغُ الأثر على المجتمع السياسي المغربي، وهو ما زال في طور النشوء.. والملفت في هذه الانتفاضة هو أنها اتخذت أبعادا لم تكن مُتوقَّعة: البعد الأول أنّ الخطابي كان يُتابِع من القاهرة ما يجري هناك، أما من جهة أخرى فهناك الإسبان، الذين كان الحنينُ إلى السيطرة على الريف ما يزال يسكُنُهم.. ولا شكّ أنهم يبحثون عن وسائلَ ومنافذ للرجوع إلى الريف واحتلاله من جديد.. وهناك مصادر تتحدّث عن وجود دعم إسباني لهذه الثورة، لكنّ البعد الأهمَّ هو تدخُّل جمال عبد الناصر، الرئيس المصري، حسب ما أتوفر عليه من وثائق، بعد تحرير رسالة من الخطابي مُوجَّهة إليه. - تشير جلّ المصادر (القليلة) التي قاربت أحداث 1958 -1959 إلى تورّط حزب الاستقلال في هذه الأحداث.. إلى أيِّ مدى يمكن أن تكون هذه الفرضية وجيهة وصحيحة؟ يتحمّل حزب الاستقلال جزءا من المسؤولية في هذه الأحداث، وقد ارتكب أخطاء «كبيرة» بعد الاستقلال، خاصة عندما أقدم على تعيين موظفين وقواد وكبار موظفي الدولة من المُنتمين إلى الحزب، مما أثار غضب السكان المحليين.. وبحكم أنّ حزب الاستقلال كان يتحكم في دواليب السلطة في تلك الفترة فإنه أراد أن يَبسُط سيطرته على البلاد، الأمر الذي لم يستسغه الرّيفيون، فرفضوا الانصياع لتوجيهات حزب الاستقلال، بل حتى للسلطة المركزية.. وبيان ما أقول أنّ الملك الراحل الحسن الثاني، في كتابه «ذاكرة ملك»، كتب بالحرف أنّ «حزب الاستقلال أساء تدبير الشؤون الإدارية في الريف». - وجّه الملك الراحل الحسن الثاني خطابا شهيرا بعد أحداث 1984 متوعدا الريفيين وقائلا بالحرف: «من الأحسن ما تعرْفونيشْ ملكْ».. هل يمكن القول إنه كانت للمؤسسة الملكية يد في تلك الأحداث؟ الأمر الأساسيّ هو أنّ القمع الذي سلطه النظام على الرّيف رأيت أنه ينساق لسببين، السبب الأول هو أن الانتفاضة دخلت في تكوينها عوامل خارجية، تتمثل في كل مصر وإسبانيا، وبالتالي كان النظام متخوفا ممّا يجري، بل إنّ صورة الخطابي وصراعَه مع النخبة السياسية والقصر كانت حاضرة في ذهن السلطة، وأعتقد أنّ هذه العوامل التي ذكرتها هي التي جعلت الحسن الثاني يقود العسكر ويعامل الرّيفيين بوحشية كبيرة جدّا، ما زالت آثارها في النفوس إلى الآن.. - من جهة أخرى تتحدّث بعض الكتابات عن دور مُفترَض لكل من عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان في إذكاء شرارة الأحداث، كيف تنظر إلى هذه الكتابات؟ يجب أن نعلم أنّ كلا من المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب أعلنا نوعا من العصيان حينما رفضت السلطة نقلَ جثمان عباس المساعدي إلى أجدير في «اكزناية» وحُبس إثر ذلك شهرين في مدينة فاس، وبعد اعتقالها بدأ نوع من الاحتجاج في الرّيف، وبعد ذلك وقعا ميثاق الحركة الشعبية.. وهناك أيضا من يتحدّث عن دور للحسن اليوسي وأعضاء من جيش التحرير في هذه الأحداث، وهناك من يقول إن اندلاع هذه الأحداث جاء ل«مُحاصَرة» حزب الاستقلال، وهذا ما يتماشى مع توجّه الصراع الذي كان سائدا بين القصر وحزب الاستقلال بعد توقيع معاهدة «إيكس ليبان».. وكانت للثورة تفاعلات كبيرة، من بينها إنشاء حزب الحركة الشعبية وحدوث انشقاق في حزب الاستقلال. - تشير مصادر كثيرة إلى وجود قتلى بالمئات، وهناك من يتحدّث عن «الآلاف»، إضافة إلى اغتصاب النساء.. هل تتوفر على معلومات بهذا الشأن؟ طبعاً، هناك كتابات كثيرة تحدّثت عن الموضوع، لكنّ ما يجعلنا نتعامل بحذر مع هذه المعلومات هو ما ورد في مذكرات محمد سلام أمزيان، قائد انتفاضة الريف، فهو يتحدّث عن معامَلات وعن تجاوُزات قاسية وعن تعنيف وحشيّ.. ويتوقف عند كل محطات الانتفاضة.