يسود الثأر المجتمع العربي؛ ففي حال عرّض قاتل قبيلته لسلسلة أعمال ثأر لا داعي إليها، يعلن زعماء القبيلة براءتهم منه ويتركونه لمصيره. ومن هنا وحسب القانون القبلي، ينبغي الانتقام فقط من القاتل ولا يجوز المس بأقربائه، وتتم البراءة من القاتل وتنقطع دائرة الانتقام. يعلو في الآونة الأخيرة صوت متحدثي الطائفة العلوية الذين يعلنون أن سلطة الأسد لا تمثل الطائفة، وأبرزهم علي ديوب الذي أعلن في مؤتمر المعارضة في القاهرة أن العلويين يرون أنفسهم جزءا من الدولة السورية، ويرفضون إطارا انفصاليا على صورة دولة علوية، ويُعرفون بشار بأنه زعيم مجرم يجب تنحيته. وهذه علامات شاهدة على أن العلويين الذين كانوا متمتعين بالسلطة إلى الآن ليسوا مستعدين لدفع الثمن المرتقب لانتقام الجماهير ويعدون مثل الأسد نفسه الدقائق لسقوطه. يمنح الروس الأسد أيام رحمة، وهم الذين يُثبطون تركيا وحلف شمال الأطلسي والعرب والولايات المتحدة عن مشاركة مباشرة في مواجهته. ويعززه أيضا الصينيون الذين يعارضون تدخلا خارجيا. وتُطيل حياة الطاغية السفن الحربية والطائرات الضخمة الروسية التي تُنزل أطنانا من معدات القتال المتطورة لجيش النظام، ومشاركة ناس حزب الله المدمرة في سوريا ومساعدة شركائه الإيرانيين والعراقيين من الشرق. في هذه الأثناء يُعوق الأمريكيون والأوربيون ويترددون في تسليح قوات المعارضة خشية أن ينشأ في سوريا نظام إسلامي متطرف. والاختلاف في المعارضة أيضا يمنح الأسد وقتا. ومع ذلك، تلاشى وهم إعادة الأسد بناء قوته. إن قواعد المتمردين في الحدود وفي القواعد العسكرية وفي المدن وفي المعابر الضرورية وفي مواقع الحكم تجعل النظام في سوريا جيوبا محاصرة. يزيد النظام المهدِّد في حدة طرق قتاله للمواطنين بهجوم من الجو وبصواريخ سكاد وبقنابل عنقودية وبالغاز. وتشير هذه الخطوات اليائسة إلى أزمة الأسد وتؤكد الحاجة المُلحة إلى تدخل الغرب. وفي هذه الأثناء، فإن مؤتمر دول الجامعة العربية في الأسبوع الماضي في الدوحة بمشاركة ممثلي المعارضة السورية قد ولد فأرا.. إن الفرنسيين والبريطانيين فقط يبحثون بجدية في نقل سلاح إلى المعارضة. يضيق الخناق حول عنق الأسد، وقد استقال ميقاتي رئيس حكومة لبنان الموالي لسوريا، وتهدد المعارك الجارية الآن بين السنيين والشيعة في طرابلس قواعد التأييد اللبناني للأسد، ويهدد أوباما إيران وينذر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حكومة العراق لتكف عن مساعدة الأسد، وترد إسرائيل على إطلاق النار على الحدود السورية وترتبط من جهة استراتيجية بتركيا بإشراف من أوباما. وكل ذلك ينذر محور طهرانودمشق والضاحية في بيروت بالشر. يشبه وضع الأسد مصير هتلر. في العشرين من يوليوز 1944 حاول ضباط من الجيش النازي اغتيال هتلر وإسقاط النظام النازي. ودفعت علامات الهزيمة والفظاعات وقرارات الفهرر المجنونة ضباطا كبارا من الدائرة المقربة إلى إدخال حقيبة متفجرة إلى غرفة اجتماعاته. ورغم التفجير، نجا هتلر وأُعدم قائد المؤامرة العقيد فون شتاوفنبرغ. وفي السنة الماضية في 18 يوليوز، قبل يومين من ذكرى تلك المؤامرة التاريخية، تمت محاولة تفجير موجهة إلى مؤيدي الأسد، لكنها تمت بنجاح هذه المرة، فقد قام أحد حراس الرئيس بتفجير ضخم في مركز الأمن الوطني في دمشق حيث اجتمعت «خلية علاج الأزمات» برئاسة وزير الدفاع السوري، وقُتل في العملية الانتحارية وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت (صهر الرئيس الأسد) والجنرال تركماني الذي أدار غرفة العمليات ومحمد الشاعر وزير الداخلية، وضربت هذه المحاولة المركز العصبي الحاكم الأشد ولاء للرئيس ضربة قوية، ومنذ كانت عملية التفجير قيد بشار نفسه بخطوات أمنية تضيِّق تحركاته. هل سيصر بشار على القتال إلى النهاية كما فعل حاكم ليبيا معمر القذافي؟ هل يتنحى بتسوية متفق عليها مع الروس؟ هل يحاول استعمال الغاز أو اختلاق مواجهة عسكرية مع إسرائيل؟ هل تهاجم تركيا سوريا بدعم من حلف شمال الأطلسي وإسرائيل والولايات المتحدة، أو ربما، في ضوء موقف الطائفة العلوية، يُغتال بشار بعملية سورية ينفذها أحد حراسه؟