احتضنت قاعة إدريس بنعلي، الاثنين الماضي، ضمن برنامج المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، ندوة تحت عنوان «بعد الربيع العربي، أي مستقبل لعلاقات التلاقح الثقافي في منطقة البحر الأبيض المتوسط». قدم اللقاء عبد القادر الرتناني (رئيس الجمعية المغربية لمحترفي الكتاب)، بعدما تمت قراءة رسالة أرسلها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، منوها بالجهود التي قام بها مشروع «ألدان للنشر والترجمة»، وما قدمته هذه المؤسسة من خدمات لصالح التواصل بين الشعوب، ومشيدا بالمغرب كأرض للتعايش والتسامح. افتتح الجلسة رشيد بنمختار (الوزير الأسبق للتربية الوطنية)، وتحدث عن أهمية الموضوع المطروح من حيث الموقع الجيوسياسي بالنسبة للبحر الأبيض المتوسط في علاقته بالتلاقح الثقافي، كمنطقة عرفت تحولات تاريخية متوغلة في القدم منذ العصر الروماني، ومدى تفاعلاتها مع الثقافات الأخرى كبناء متداخل بدون حدود، وتأثيرها بالخصوص على المغرب، مع الإشارة إلى وجود اليهود والأمازيغ قبل مجيء الإسلام، مضيفا أن منطقة البحر الأبيض المتوسط كانت ولا زالت تحتضن ثلاث ديانات كبرى. بعد ذلك تساءل بنمختار عن وضع الثورات الحالية بالمنطقة، وهل ستتطور أم ستزيد الوضع تعقيدا؟ وختم كلمته بأهمية ودور التعليم، خاصة بالنسبة للأطفال، كرهان مستقبلي على خلق قيم في اتجاه فكرة التعارف وتبادل الحوار كفكرة أساسية، وكمسألة لا ترتبط بالحكومات بقدر ما ترتبط بفكرة التعايش. أما جون موطابا (مدير المجموعة الروحانية الحية)، فقد تحدث عن مشروع ألدان وظهوره سنة 2009، أي قبل الربيع العربي، في فترة كان الوضع كارثيا بين العرب واليهود. كما أشار إلى تجربته في النشر بالمغرب والعالم العربي والإسلامي، بما فيه تركيا، باستثناء إيران، وإلى أهمية الكتب التي ترجمت في إطار هذا المشروع، وعبر عن سعادته بوجوده بالمغرب، كبلد عربي مسلم، بل أكثر من ذلك، نظرا للتراكم التاريخي الذي عرفه على مستوى التعايش بين الحضارات والأديان. ووجه موطابا دعوة إلى كل الكتاب العرب من أجل الكتابة عن تاريخهم وترميمه في وجه تحديات الواقع، لكي لا ينسى، وليعرف الجيل الجديد مدى أهمية تاريخه، مؤكدا على رغبته في خلق مجموعة من الإصدارات باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية من خلال مشروع ألدان. بعده تحدثت الكاتبة روزنمان (أستاذة بجامعة باريس 7) عن تجربتها الشخصية بعدما ولدت بالدار البيضاء وحصولها على الباكالوريا قبل مغادرتها المغرب، معتبرة أن رجوعها إليه يدخل في إطار مشروع خدمة للثقافة، وأن المحاضرة التي قامت بها حول كتابات لا شوا la shoah لم تتضمن إلا الطلبة اليهود، بينما الكتابة حول حرب الجزائر لم تتعامل إلا مع الطلبة الجزائريين، وانتهت إلى خلاصة هي أن العلاقة بين اليهود والمسلمين علاقة معقدة تاريخيا، رغم أنها عاشت مع مجاييلها مرحلة سلمية في إطار هذه العلاقة. بعدها تحدث الكاتب والاختصاصي في علم النفس، جليل بناني، عن الحرية عند الشباب من خلال إصداره، ومدى تأثير الرغبات المكبوتة بمستوياتها، وانعتاقها من الحصار المضروب عليها. أما عبد القادر الرتناني، فقد تناول، بصفته ناشرا، موضوع أهمية التواصل بالكلمة مع الآخر من طرف الكتاب والمبدعين، الذين حققوا إنجازا بجميع اللغات، لم يستطع السياسيون تحقيقه. بينما أشار جامع بيضا (مدير أرشيف المغرب) إلى ضرورة التعارف المتبادل على مستوى الضفتين في إطار الحوار الثقافي، والاشتغال على أنفسنا وتاريخنا باعتباره ذاكرة جماعية أكثر منه تاريخا، انطلاقا من التربية والتعليم عند الشباب، مشيرا إلى ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، التي اعتبرها المدخل الوحيد لحل كل النزاعات في منطقة البحر الأبيض المتوسط. من جهة أخرى، عرفت أنشطة مجلس الجالية أنشطة نوعية مهمة واستضافت العديد من الكتاب والأدباء المغاربة المقيمين بالمهجر.
غياب لانغ وشوفينمون اعتذر كل من جون بيير شوفينمون، الوزير السابق الفرنسي، وجاك لانغ، مدير معهد العالم العربي عن الحضور لندوة «بعد الربيع العربي، أي مستقبل لعلاقات التلاقح الثقافي في منطقة البحر الأبيض المتوسط?» لأسباب تتعلق بزيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاندا للمغرب، حيث يرافقانه في هذه الزيارة.