تنطفئ سنة أخرى من عمرنا الخاص والعام وتغرب معها الكثير من أحلامنا والكثير من الوجوه التي أثثت حياة الأفراد والوطن. قد لا يهم استحضار كائنات الظل الأبدي التي عاشت في النسيان وانسحبت إلى الصمت لأنها من صميم العوالم الخاصة، لكن يهم جدا أن نشير إلى الأسماء الأخرى التي ملأت بعضا من زمننا الثقافي والفني بإسهامها وحضورها، وقد اختارها قدرها لتموت سنة 2008 بعد الكثير من العطاء، وأذكر هنا حسن المفتي وحسن العقلي وعمر شنبوط وعبد القادر لطفي. طبعا حياة الفن والثقافة ستستمر بعد هؤلاء، لكن لا أحد بإمكانه أن يملأ مكانهم بعد اليوم، ولا أحد بإمكانه أن يفعل لاحقا ما يقلص الكثير من الغبن الذي عاشوه أو عاشه البعض منهم. تنطفئ سنة أخرى من عمر الثقافة بالمغرب ولا شيء تحقق بالفعل من الآمال الكبرى لوحيش هذا الحقل، كإعادة الاعتبار إلى مهمشي المجال، وتكريس ثقافة الاعتراف بكل المبدعين وبكل الإبداع، وصيانة كرامة المثقف والفنان والمبدع، والقطع مع كل صيغ التسول والموت البطيء وكل أوجه المحنة التي تفرزها علاقات المجال وكل الوطن غير العادلة. كان يهمنا أن تكون 2008 سنة لبلورة آفاق أرحب لمسرحنا وسينمانا وكل الإبداع المغربي، وأن ننتقل من النظر إلى الثقافة كعبء ثقيل وإنتاج بدون معنى، إلى تكريسها ضرورة اجتماعية نحتاج إليها في السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام وكل ما تبقى. ربما حلمنا بأن تختلف 2008 عما سبق من سنوات فانتظرنا حركية حقيقية في الثقافة والفن وتصورات استراتيجية، وسياسة حقيقية تنعش الحقل وتفرز حساسيات إبداعية وفكرية وجمالية داخل كل الأجناس. حلمنا بأن يكون صوت الهامش كثيرا ومتعددا. حلمنا بلا حدود واستيقظنا لنودع سنة أخرى من عمرنا المفرغ مما هو جميل بسلطة الزمن الآثم الذي حكم بما ينقض الحلم والجمال. في 2008 راكمنا الكثير من الكلام في هذا العمود حول وقائع منسية ومهمشة وحول وجوه انشغلت بما هو مضاد، وكان ظننا أن التعبير يسعف في التمرد على النسق المتسلط في الثقافة وغيرها، استدنا الحاجة إلى الكلام لأننا نتوهم الانعتاق عبره من خراباتنا. وهمنا في الكتابة كان دوما أن نرى الوقائع، ثقافية كانت أم سياسية أو أخرى، من وجهة نظر وطنية، وأن نعمل من خلال ذلك على تعريف الثقافة كممارسة رمزية متمردة على الاضطهاد تكرس ما هو مضاد ونقيض، وتستدعي الحاجة إليه ليس لأنها نابعة من وهم رسولي ما، بل لأنها ابنة الواقع وتريد أن تنصهر فيه لتساوي، نظريا على الأقل، بين الناس بناء على صدق الإسهام وعمقه وفاعليته، لكن بعد كل هذا ومع تضخم ضعفنا، ندرك أننا نحتاج إلى تمجيد الصمت لأننا لم ننغسل بعد من الكثير من الأوهام. 2008 سنة أخرى لتكريس التلفيق وتجميل هشاشاتنا العامة. فالإذلال يستمر في التضخم بلا حدود، وأحوال المغلوبين أبأس مما كانت، والهزيمة تسكن أعماق الناس. أحيانا تحاول بلاغة الإبداع والكتابة أن تنطق ضد القهر فتغامر بالانسحاق أيضا. طبعا الصدق ينكشف أكثر مع عنف المحنة وازدياد البؤس، وفي كل الأحوال نقول إنه مازال هناك من يواجه من موقع الثقافة وحقول أخرى ضد الإفناء التدريجي لمعنى الوجود في هذا المغرب ولكل الأحلام الجميلة فيه، لكن مهما كان عدد هؤلاء فليس كثيرا، لهذا نستعير من الشاعر عبد اللطيف اللعبي كلماته لمخاطبة كل البقية في وداع 2008، فنقول: وعندما سيكشف الصباح عن أسمال جبننا /كيف سينظر بعضنا لبعض؟ آه يا ليل المغفلين / يا فجر الخيانة / لقد دخلتما تاريخنا / كشخصية عاصية / متجذرة في مركز الذاكرة/ شعبنا لن ينسى / أبدا لا ينسى. لهذا نقول وداعا 2008.