على عكس ما أعلن مسبقا من أن الحوار الوطني حول المجتمع المدني سيكون موسعا ويشمل أكبر تمثيلية ممكنة للجمعيات العاملة في الميدان، فإن انطلاقة الحوار عرفت بعض التعثر، من خلال إعلان مجموعة من الجمعيات والشخصيات التي تم اختيارها لعضوية اللجنة عن انسحابها، احتجاجا على ما قالت إنه استفراد بالقرار وغياب للمقاربة التشاركية في التعيينات، وهو الانسحاب الذي وصفه مصدر مقرب من قيادة اللجنة ب«اللاأخلاقي»، بعد أن أكدوا جميعهم موافقتهم على التعيين وساهموا في صياغة الأرضية الخاصة باللجنة، وسط اتهامات لطرف ثالث بالتدخل من أجل إفشال الحوار، باعتباره الأول من نوعه بين السلطة الحكومية وجمعيات المجتمع المدني في المغرب. هذا الانسحاب يجد بعضا من مبرراته في البيان الذي أصدره المنسحبون والمقاطعون عشية انعقاد الجلسة الافتتاحية للحوار، حيث تحدثوا عن محاولة استغلال حزب العدالة والتنمية للحوار من أجل وضع يده على المجتمع المدني المغربي، وهو ما يعكس إلى حد ما الصراع بين الإسلاميين الذين يقودون الحكومة الحالية، والحداثيين الذين طالما شكل المجتمع المدني مجالا محفوظا لهم، خاصة بعد تعيين عبد العالي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية مقررا للجنة، وهو ما اعتبرته باقي الجمعيات محاولة من الوزير المشرف على القطاع، الحبيب الشوباني، توجيه أعمال اللجنة، بحيث احتجت على هذا التعيين الذي قد يؤثر على استقلاليتها، في حين أكد مقربون من الشوباني أن تعيين حامي الدين مقررا للجنة، جاء بناء على اختيار رئيس اللجنة مولاي اسماعيل العلوي له نظرا لكفاءته وخبرته، وليس باقتراح منه هو شخصيا. ورغم أن المفترض أن الأحزاب غير معنية بحوار يجمع بين ممثلي المجتمع المدني والحكومة، غير أن مجموعة من الأحزاب قد عبرت عن مواقفها المساندة أو المنتقدة للحوار الذي أعلن عن انطلاقته، في إطار الصراع الدائر بين الأغلبية الحكومية والمعارضة، خاصة أن أغلب جمعيات المجتمع المدني مرتبطة بشكل أو بآخر بهذه الأحزاب، مما يجعلها في كثير من الأحيان أداة لتصفية الحسابات بين الطرفين، وهو ما تجلى في الاتهامات التي أطلقها بعض المحسوبين على حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، بكون خصمهم اللدود حزب الأصالة والمعاصرة قد تكون له يد في دفع بعض الجمعيات إلى الانسحاب، من أجل إفشال الحوار الذي يعتبر الأول من نوعه في المغرب. حزب الأصالة والمعاصرة لم يخف انتقاده العلني لكيفية اختيار أعضاء اللجنة وللحوار ككل، حيث خرج العديد من قيادييه بتصريحات ضد المشروع ووزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني التي كانت وراءه، حيث أكد القيادي بالحزب حكيم بنشماس، أن الحزب كان قد استحسن الفكرة حين عرضت لأول مرة خلال مناقشة ميزانية الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، «لكن وبعد أن اتضحت معالم هذا الحوار الآن، فقد تبين لنا أن هناك ما يستوجب المقاطعة، خاصة وأنه قد تم تعيين رئيس اللجنة ولم يتم انتخابه، في حين أننا نعرف أن منطق المجتمع المدني هو منطق الديمقراطية، ولا أحد يملك التحكم في هذا الجزء الحيوي من النسيج المجتمعي المغربي». وأضاف بنشماس في تصريحه ل«المساء»، أن الحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، يريد أن يصادر الإرادة الحرة للمجتمع المدني، وأن يفرض منطق الرأي الوحيد، وهو ما يعتبر حلقة ضمن مشروع لفرض الهيمنة والتحكم على المجتمع المغربي، خاصة المجتمع المدني المعروف بديناميته وحيويته، «وهو ما يتجلى خاصة في تعيين القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، مقررا للجنة، مما يضرب استقلاليتها في الصميم، ويعكس مطامع الحزب الحاكم في فرض الرأي الواحد وإقصاء المخالفين». هذه الاتهامات اعتبرها عبد الصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، لا تستند على أي أسس، بل إن مواقف حزب مثل حزب الأصالة والمعاصرة لا تعتبر في هذا المجال، لأن جمعيات المجتمع المدني ليست قاصرة ولا تحتاج لمن يتكلم باسمها، ثم إن الجمعيات التي أعلنت مقاطعتها للحوار ليست كثيرة، ولا توجد أسباب معقولة يمكن أن تبرر هذا الموقف، ولا يمكن تفسير هذا الموقف إلا بمحاولة التشويش على هذا الحوار، ومحاولة إفشاله قبل انطلاقه خدمة لأجندات معينة». ونفى الإدريسي وجود أي نية لدى الوزارة أو لدى حزب العدالة والتنمية من أجل السيطرة على المجتمع المدني، «لأنه لا توجد أي جهة يمكنها القيام بذلك، فضلا عن أن دور الوزارة يبقى هو الإعلان عن أعضاء لجنة الحوار وجمع المعطيات العلمية، أما التعيين فهو بيد رئيس اللجنة، وفيما يخص تعيين عبد العالي حامي الدين، فقد تم نظرا لكفاءته واشتغاله لمدة طويلة في المجتمع المدني، ومن يعترضون على ذلك بحجة انتمائه السياسي يفعلون ذلك بخلفيات سياسية أيضا، لأن معظمهم ينتمي إلى أحزاب معروفة، ومنها من يعلن صراحة عداءه لحزب العدالة والتنمية وللحكومة».