يقدم كتاب «لوي ماسينيون وفلسطين» للباحث الفرنسي البارز جون مونسلون، المتخصص في مجال التصوف الإسلامي، وصاحب الكتب العديدة عن الاستشراق الفرنسي وأعلامه، دراسة عن حياة أحد أهم المستشرقين الفرنسيين في القرن العشرين ممن حملوا على عاتقهم مهمة دراسة ثقافة العالم الإسلامي دراسة علمية وتقديمها للغرب. وجاء في مقدمة الكتاب الصادر حديثاً عن دار أزمنة بترجمة أحمد عثمان «لم تزل الحياة المغامرة للوي ماسينيون آخر المستشرقين الفرنسيين (1883 - 1962)، وكذا شخصيته المعقدة تلهم شباب الأجيال الجديدة في العالم العربي – الإسلامي». إذ يرى مونسلون أن رسالة ماسينيون لاتزال راهنة، لأنها التزمت بمهمة فتح أبواب التلاقي والتواصل والتفاهم بين الشعوب، ومهمة تعريف الغرب على العالم العربي الإسلامي وحضارته العظيمة وتاريخه الزاخر، لكي يسهل التفاهم، ويتقدم الحوار، إذ «تأسست رسالة ماسينيون على إعلاء شأن اللقاء والحوار بين الشرق والغرب». ويستعرض المؤلف تاريخ اللقاء بين ماسينيون المسيحي المتصوف وبين الإسلام بتعاليمه السمحة أثناء وجوده في مصر، وتعرفه في العمق على حقيقة الإسلام ونبل رسالته، وكذلك مواقفه السياسية المناصرة للعدالة والتحرر والمناهضة للاستعمار. وفي ما يخص فلسطين فإن ماسينيون كان صهيونياً مناصراً لقضايا اليهود، لكنه ابتداء من 1927 وبعد وعد بلفور وظهور المنظمات اليهودية العنصرية، وسعي الصهيونية إلى استئصال الفلسطينيين من وطنهم انقلب إلى أحد أكبر المعادين للصهيونية ثم لدولة “إسرائيل”، وظل ينادي بضرورة التعايش وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم. ويقدم الكتاب صورة ناصعة لأحد رموز الاستشراق، لكنّه لا يلتفت إلى الفلسفة التي قام عليها الاستشراق، والتي هي فلسفة استعمارية في الصميم تريد دراسة الشرق وفهمه والسيطرة عليه واستنزاف خيراته، وهي المهمة التي نفذها علماء الاستشراق باحتراف كبير تتضاءل دونه الحسنات التي قدموها للشرق، وليس ماسينيون سوى أحد أولئك.