على بعد أسابيع من اختتام مسلسل إصلاح العدالة، الذي انطلق قبل أشهر، اختارت وزارة العدل والحريات المشرفة على تنظيم الندوات الخاصة بهذا الحوار أنْ تجمع الصحافيين ورؤساء تحرير الجرائد الوطنية، جنبا إلى جنب مع مكونات جسم العدالة، من قضاة ووكلاء الملك ومحامين، في يوم دراسيّ خُصّص لمناقشة العلاقة المتوترة بين صاحبة الجلالة والجسم القضائيّ. وكان مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، أولَ المتدخلين في افتتاح اليوم الدراسي، حيث أكد أن «القضاء والإعلام هما عمودان أساسيان لبناء دولة الحق والقانون، لارتباطهما بقيميتين ثمينتين هما العدالة وحرية التعبير، لكن التحدي المطروح أمامنا اليوم هو كيفية حلّ المعادلة الصعبة، بالتوفيق بين هذين المرتكزين بما يحترم في الآن نفسِه الحق في الإخبار للجمهور، وأيضا احترام قرينة البراءة والحياة الخاصة للأفراد». وأضاف الرميد أن العلاقة المتوترة بين الطرفين ترجع إلى محاولة كل طرف ممارسة وظيفته المجتمعية، «حيث قد تترافق التغطية الإعلامية للشأن القضائيّ ببعض التجاوزات التي تحد من التداول القانونيّ للمعلومات، مما قد يمسّ بسير العدالة وقرينة العدالة لأفراد، وكذا ما قد تطرحه المعالجة القضائية للقضايا الإعلامية من تساؤلات بشأن مقومات المحاكمة العادلة للإعلاميين واحترام خصوصيتها وفق ما يقرّه القانون الوطني». من جهته، قال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن عمل هيأة إصلاح العدالة يتكامل بشكل كبير مع عمل الهيأة المشرفة على وضع مدونة جديدة للنشر والصحافة، «حيث لا يمكن لحرية الصحافة أن تتطور بدون منظومة قضائية متكاملة، تكرّس للمسؤولية الصحافية وتواكب المستجدات والاجتهادات القضائية وتحمي الحقوق الفردية والجماعية دون أن تمسّ بحرية الرأي والتعبير التي كرّسها الدستور». وأكد الخلفي أن «سنة 2012 شهدت نزوعا واضحا من طرف القضاة نحو استخدام قانون الصحافة بدل القانون الجنائيّ، مع العمل ما أمكن على تشجيع الصلح بين الأطراف، وهو ما يستدعي مستقبلا بلورة نظام للتعويضات لا يهدد بنية المقاولة الصحافية، علما أن العديد من القضايا التي عُرضت على القضاء في هذه السنة تم إبطال المتابعة فيها لفائدة الصحافيين لمجرد وجود عيوب شكلية».. وأكد نور الدين مفتاح، رئيس فدرالية الناشرين، من جهته، أنّ «المشكل القائم بين القضاء والصحافة في المغرب كان مشكلا سياسيا منذ الاستقلال، والصحافة كانت دائما هي الضحية، بحكم أن السلطة، وخاصة ما يعرف بالدولة العميقة، كانت تستعمل في غالب الأحيان القضاءَ من أجل «قمع» الصحافة، رغم أن كلا من الصحافة والقضاء يحملان مسؤوليات جساما تجاه المجتمع». وأضاف مفتاح أن «هناك مشكلا في الضمير المهنيّ، سواء بالنسبة إلى القضاة أو الصحافيين، وهو ما يعززه غياب التواصل بين الجانبين، ولذلك فأنا أقترح إنشاء هيأة مشترَكة يُمثَّل فيها كل من مهنيي الصحافة والقضاء، لتفادي سوء التفاهم الذي يخلقه في غالب الأحيان غياب التواصل بين الطرفين». يشار إلى أنّ اليوم الدراسي عرف، في كثير من أطواره، شنآنا بين بعض القضاة والصحافيين الحاضرين، بسبب الاختلاف حول تقدير ما يجب أن يشهده مجال القضاء المختصّ في الصحافة من تحولات، حيث اتهم مدير إحدى الجرائد القضاة ووكلاء الملك الحاضرين بأنهم «لم يستطيعوا التخلي عن أدوارهم ك»مغرّقين»، وعن عقلياتهم التي تكره الصحافيين حتى أثناء أشغال اليوم الدراسي».. في حين اعتبر المتدخلون من القضاة أنّ «بعض الصحافيين «دكتاتوريون» ويعتبرون أنفسَهم فوق القانون»..