بعد مضي 13 شهرا على وصول بنكيران إلى مربع الحكم، أصبحت الحكومة الحالية، بعد فشلها في حكم التلفزيون، أول شركة إنتاج وطني للدراما السياسية، وبنكيران كان ذكيا في الانتقام بطريقته الخاصة من قبضة الصقور على إدارة القنوات التلفزيونية بأن تحوَّل إلى أول منافس لها في خلق الفرجة ساحبا بذلك بساط نسب المشاهدة من تحت أقدامها، وكأنه يقول لحوارييه في الحزب: «قاللو الذيب في الغنم،.. قاللو تسنى حتى نربيو السلوكًي». والمغاربة، الذين أصبحوا يتابعون أخبار بنكيران على الشاشة وفي الأنترنيت أكثر من متابعة مباريات كرة القدم وبلاط السلطانة هيام، لم يفهموا بعد كيف سمحت وزارة الاتصال والهيئة العليا للسمعي البصري بإنشاء قناة جديدة بدون رخصة، متخصصة في انتقاء أقوى خرجات بنكيران وإعادة بثها على الأنترنيت وفي موقع حزب العدالة والتنمية، نقلا عن القناة الأولى بوضع «لوغو» المصباح بجانب شعار التلفزيون؟ وفي الدخول البرلماني القادم، سيكون مناسبا أن يضع السي عبد الإله بنكيران جهاز «سكانير» أمام قاعة جلسات البرلمان لتفتيش بطون النواب قبل الدخول إلى القبة، فعلى الأقل سيجنب نفسه ومعه المغاربة مشاهد تعرية البطون من قبل السادة البرلمانيين كما وقع له مع نائب المعارضة إدريس الراضي. وإذا كان الأجداد يقولون عن شهر فبراير إنه «يخلي شعر الماعز كايتطاير على كل ظهاير»، فإن ما أصبح يتطاير عندنا مع رئيس الحكومة هو البطون. لكن الغريب هو كيف هاجم بنكيران بشراسة النائب الراضي وأسكته بعد كلام مبطن وخشن يفيد بأن «كرشو عامرة» حين كانت الكاميرات «شاعلة»، ثم سرعان ما تبادل معه «البوسان» في «الكولوار» حين كانت الكاميرات «طافية»؟ وفي فاس حيث تخطى بنكيران بالجلباب الأبيض والطربوش الأحمر عتبة معبد اليهود، التقطت الكاميرات مرة أخرى صورة رئيس الحكومة على هيئة «سيد الفقيه اللي يدو في الدواية وعينيه تغمز»، فكأن شيئا لم يقع عانق بنكيران شباط بعد أن تبين له، بعد شهور من الفراق، أن بدونه «الحنة حرشة والحناية عمشة»، وفي حضرة اليهود طارت فجأة الخصومة وحلت محلها المحبة. والظاهر أيضا أن بركات أهل فاس كانت فأل خير على رئيس الحكومة الذي جرب أن «الخير عقبة والشر حدورة»، هو الذي يخاصم الناس أمام الكاميرا ويتصالح معهم في «الدورة». وحتى يبقى للبركة مفعولها، سيكون مفيدا لبنكيران لو أنه أكمل الحسنة وأشرك اليهود المغاربة في التعديل الحكومي الذي ينادي به شباط، فعلى الأقل ستكون معه بركة فاس وزلاغ وحي الملاح، وإذا «زلقت بيه رجليه ماغديش يطيح الباطل على البلغة». وقد اضطر بنكيران، الذي طبق مع شباط حتى اليوم «هزة الكتف»، في حضرة يهود حي الملاح، إلى معانقة شريكه الثاني في الأغلبية، مع أن الاثنين لا يلتقيان في الرباط ولا في البرلمان ويفضلان تبادل الرسائل السامة عبر وسائل الإعلام؛ وحتى اليوم، كان السي حميد شباط بارعا في فهم «اللغة الحيوانية» التي يفضل بنكيران استعمالها، ولهذا فإن الزعيم الاستقلالي الجديد تراجع إلى الخلف وقعد ينتظر بنكيران حتى أتاه بالجلباب الأبيض والطربوش الأحمر عند يهود فاس، آخذا بمضمون المثل الشعبي «الفار المقلق من سعد المش». ولفهم «الزهر» الذي يحالف بنكيران منذ تعيينه رئيسا للحكومة، يجب مشاهدة الفيديو الذي نقله «يوتوب» والذي يظهر سكان منطقة أغبالة في إقليمبني ملال وقد خرجوا عن بكرة أبيهم، بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم، يرقصون رقصا مغربيا عفويا جميلا، فرحا بشدة البرد والجفاف وارتفاع تكاليف العيش وانعدام البنيات التحتية... السياسة في المغرب تختبئ دوما في التفاصيل النفسية، والمغاربة شعب أفيونُه هو «البندير»، وقديما قالوا: «العيب ماشي على من حرث في السطح العيب على اللي فالموت وكايشطح».