شاه إيران.. دعوة هاتفية حولته للمغرب حين طردت ثورة الخميني شاه إيران رضا بهلوي من طهران خائبا، واختار التوجه إلى المغرب عبر مصر، بدأت شظايا الانفجار الشعبي في إيران تصيب المغرب بسبب وجود الشاه فيه، حيث هوجمت السفارة المغربية في طهران، لأن الثوار الإيرانيين غضبوا لهذا الاختيار الذي وضع المغرب في موقف حرج، قبل أن يصرح الملك الحسن الثاني لمحطة تلفزية أمريكية بأن وجود الشاه ضيفا عليه لا يمنع من وجود علاقات سياسية مع إيران. بل إن اجتماعا لعلماء المغرب في مدينة وجدة في ماي 1979 بحضور مستشار الملك أحمد بن سودة، أرسل برقية تنويه وإشادة للإمام الخميني، كما حيت رابطة علماء المغرب أية الله الخميني واعتبرت الثورة "حركة مباركة"، لكن بعد مرور عام على الثورة الإيرانية، أصدر هؤلاء العلماء فتوى شرعية ضد الإمام الخميني بسبب "أقواله وتصريحاته التي يعتبرونها مناقضة لعقيدة التوحيد". يروي الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك" كيف اتصل بشاه إيران لدى وصوله إلى القاهرة، حيث رحب به في المغرب إذا أراد قبول استضافته فيقول: "اتصلت بالشاه تلفونيا لما وصل إلى القاهرة وقلت له إنني يا رضا حزين لما أصابك، ومهما يكن فاعلم أنك إذا أردت المجيء إلى المغرب، فستجد أبوابه مشرعة لك، وسوف يسرنا غاية السرور أن نستقبلك، ويمكنك أن تمكث في المغرب ما شئت من الوقت". بعد أسبوع فقط على الدعوة الهاتفية، اختزل شاه إيران، المطاح به، إقامته في مصر وانتقل إلى المغرب، وهو ما أشار إليه في كتابه "جوابي للتاريخ"، حين أكد أنه كان ينوي التوجه إلى الولاياتالمتحدة بعد توقف قصير في المغرب، لكن الولاياتالمتحدة خذلته حين تماطلت في السماح له بالدخول إليها حتى استفحل به داء السرطان الذي كان ينخر جسده. ظل الملك يلتقي يوميا بشاه إيران في الأيام الأولى لوجوده بالرباط، وكانا يتحدثان عن مشاكل العالم الغربي، قبل أن يتسبب في الإحراج للحسن الثاني بسبب طول مقام الشاه في المغرب، لاسيما بعد التحاق أبناء رضا بوالدهم في المغرب، في فترة كان فيها المغرب يتأهب لتنظيم اجتماع مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في مدينة فاس.وكان الحسن الثاني يتخوف من أن ترفض الدول الإسلامية إرسال وزراء خارجياتها إلى المغرب لحضور المؤتمر كما جاء في كتاب "ذاكرة ملك" إذا استمرت ضيافة الشاه، بل إن منظمة التحرير الفلسطينية دخلت على الخط وهددت باختطاف الشاه من المغرب، كما ورد في كتاب "الشاه: منفى وموت شخصية مزعجة" للصحافي البريطاني وليام شاوكروز. مات رضا، لكن زوجته فرح ديبا ظلت تتردد على المغرب، خاصة مدينتي طنجة وآسفي، إذ ظلت الزوجة المكلومة تستقر بعد الثورة الإيرانية بين فرنسا والمغرب ومصر والولاياتالمتحدةالأمريكية ثم بريطانيا، حيث عاشت آخر مآسي حياتها عقب انتحار ابنتها ليلى في أحد فنادق العاصمة البريطانية لندن سنة 2001، بل إن فرح تملك مزرعة في مدينة تارودانت، كما تمتلك رياضا فاخرا تستقر فيه أغلب أوقات السنة، إذ تلتقي هناك مع عدة شخصيات أجنبية من بينها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك وزوجته بيرناديت.
كيف ترحم الكونغوليون على سيسي سيكو؟
قبل ست سنوات، زار فريق مازيمبي من الكونغو الديمقراطية المغرب لمواجهة الرجاء البيضاوي، في إطار تصفيات كأس عصبة الأبطال الإفريقية، وطلب مسؤولو النادي الزائر من إدارة الرجاء السماح لمسؤول مغربي بمرافقتهم إلى الرباط، قصد زيارة قبر رئيس البلاد سيسي سيكو، الذي قدر له أن يموت في المهجر ويدفن بمقبرة مسيحية في العاصمة الرباط. وافق الرجاويون على المطلب الإنساني ووضعوا حافلة رهن إشارة الضيوف. حين وصل الوفد الرياضي أمام بوابة المقبرة، حاول المرافق المغربي النزول من الحافلة والدخول إلى المقبرة، لكن مدرب الفريق منعه وطلب منه البقاء في الحافلة وعدم مغادرتها، وهو ما استجاب له المرافق على مضض، قبل أن يتسلل من خلف السور لمعرفة سر حصاره، حينها فوجئ باللاعبين وكل أفراد الفريق يتبولون على قبر الرئيس الراحل. في السابع عشر من شهر ماي من سنة 1997، أطاح زعيم المتمردين في جمهورية الكونغو الديمقراطية (الزايير سابقا)، بالرئيس الأسبق موبوتو سيسي سيكو وأعلن نفسه رئيسا لتلك الجمهورية، احتفل الكونغوليون بنهاية الديكتاتور سيسي، المتهم بتبديد وسرقة ثروة الزايير من مناجم الماس، بينما اختار الرئيس المطاح به منفاه في المغرب، قبل أن يوارى الثرى في العاصمة الرباط، أما الرئيس كابيلا، الذي كان وراء الانقلاب، فقد اغتيل على يد أحد أفراد حرسه، وتولى بعده ابنه جوزيف مقاليد الحكم في البلاد. طرد لوران كابيلا موبوتو سيسي سيكو من السلطة في الزايير، بعد حكم دام 32 عاما، واختار الاستقرار مع أسرته في المغرب، حيث توفي متأثرا بمرض السرطان بعد وقت قصير من إطاحة المتمردين بحكمه في 16 ماي. بادر لوران إلى تغيير اسم البلاد فأصبحت جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن كابيلا اغتيل قبل أن ينعم بالحكم، كما مات موبوتو قبل أن ينشئ حكومة في المنفى ويستعد للرد على الانقلاب بانقلاب عن بعد، لاسيما وأن سيسي استولى بدوره على السلطة سنة 1966 بدعم من بلجيكاوالولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد الإطاحة بالرئيس جوزيف كاسا فوبو، أول رئيس للكونغو المستقلة، ثم غير اسمه من جوزيف ديزيه إلى موبوتو سيسي سيكو، قبل أن يغير سبل تدبير الشأن السياسي في هذا البلد. علاقة موبوتو بالمغرب ترجع لبداية السبعينات، حيث ظل الديكتاتور يتردد على العاصمة الرباط ويقضي فيها فترات طويلة، بل إنه في عام 1977، تدخلت القوات المغربية لمواجهة انتفاضة مسلحة في هذا البلد. وفي عام 1978 أرسلت فرنساوبلجيكا والمغرب قوات لمواجهة متمردي كتانغا. وفي عام 1979 أرسلت بلجيكا 250 مظليا لمساعدة قوات موبوتو. وفي عام 1980 وقعت الزايير اتفاقية تعاون عسكري وفني مع المغرب ومصر شملت تبادل الخبرات وتدريب العسكريين، وهو ما يؤكد ارتماء البلد في حضن الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويوضح بجلاء الصراع القائم في الزايير ضد الشيوعية. هذه النعرات ساهمت في تقوية موقف لوران كابيلا الذي نجح في اقتحام كينشاشا وتنحية موبوتو الذي هرب إلى الطوغو ثم توجه إلى منفاه بالمغرب حيث توفي هناك في 7 سبتمبر 1997 متأثرا بمرض السرطان، ودفن في مقبرة مسيحية في العاصمة المغربية الرباط. وفي 2007، أوصى المجلس التشريعي في جمهورية الكونغو الديمقراطية باستعادة رفات موبوتو سيسي سيكو ودفنه في ضريح في الكونغو.
الأديب العراقي فيصل عبد الحسن.. سنوات كازابلانكا
حين لجأ "أدبيا" الروائي العراقي فيصل عبد الحسن، إلى المغرب، قال: "إن الغربة أرحم للعراقي من مفخخات الوطن وأفخاخ ساكنيه"، وحين غضب من سنواته كلاجئ في الدارالبيضاء كتب "سنوات في كازابلانكا" أطاح فيها بالغربة وشتم وجبة اللجوء. كتب على جبين الروائي فيصل عبد الحسين، الاغتراب، كما كتب على كثير من العراقيين، لكنه لم يكن سعيدا بهذا اللجوء، حين وصف اللاجئ العراقي بالإنسان المهشم، الذي "فقد إيمانه بكل شيء، وليس له انتماء محدد لشيء، فوطنه العراق ضاع كحلم وكوجود مادي، إنه يحلم بوطن آخر غير العراق يؤثثه في خياله بأشياء من العراق، كالحب والأمانة، والثقافة، والصدق، والتقدم والروح الحضارية، والحب المتبادل بينه وبين أهل العراق، وفي كثير من الاحيان عندما يتعامل العراقي في المغرب مع أهل العراق الذين يعيشون في العراق حاليا يشعر أنه يتعامل مع مواطنين من شعب آخر". في أواخر سنة 1997 قادته ظروف العراق السياسية إلى المغرب لما راكمه في ذهنه عن سمعته الطيبة، وانفتاحه الجديد على العالم المتحضر، من خلال نوافذ عديدة، ومنها نافذة ثقافة حقوق الإنسان، وكان وقتها معروضا على فيصل وعلى غيره العمل والاستقرار في تونس، لكنه عند زيارته لتونس عجز عن لقاء منصف المرزوقي، أحد أقطاب الدفاع عن حقوق الإنسان وقتها، "سمعنا ونحن هناك من كاتب مغربي، يقول، اقصدوا المغرب، فنحن نعيش أهنأ أيامنا، وقد وضعنا وراء ظهورنا، سنوات الرصاص، وأيامها الصعبة، فهبطنا بالمغرب في منتصف أكتوبر عام 1997 في عهد الراحل الملك الحسن الثاني، فوجدنا أن ثقافة حقوق الإنسان، قد بدأت تصير تطبيقا حقيقيا في مفاصل كثيرة من الحياة المغربية، إلى درجة أن بعض أدباء المغرب كانوا يقولون لنا إن اللصوص قد ازدادوا في البلاد بسبب تطبيق شروط حقوق الإنسان". آمن فيصل ورفاقه بأن العيش في هذا البلد خير ألف مرة من بلد غني كالعراق، "لا تستطيع أن تقول فيه كلمة حق، ولا تستطيع أن تكتب فيه، ما تعتقده صحيحا وتنظر لأبناء بلدك يقادون كالأغنام للحروب، ولمصائر مؤلمة". طرق الرجل باب بناية المفوضية العليا للاجئين في عام 1997 وكانت عبارة عن بناية صغيرة وسط الدارالبيضاء، لكن الأمور سارت ضد مجرى الأمل، فاختار فيصل وطنا ثالثا في الضفة الأخرة من البحر المتوسط.
مارداريسكو.. الهارب من بطش تشاوشيسكو
"حين اشتد بطش الديكتاتور الروماني تشاو شيسكو، ازدهرت الرياضة الرومانية "، هكذا يقول الرومانيون الذين برزوا في مجالات رياضية عديدية وتسيدوا الدورات الأولمبية من الكرة إلى الجمباز، الذي أنجب أصغر بطلة للعالم وهي نادية كومانتشي التي هربت بجلدها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي سنة 1974، تعاقدت جامعة كرة القدم مع مدرب روماني كان طالبا للجوء السياسيي في واشنطن، انتقل الرجل إلى المغرب وفي قلبه خوف لا يقاوم، كان يعقد المواعيد مع أعضاء الجامعة ثم يغير مكانها في آخر لحظة، وكأن شبح الحاكم لا يفارقه. أشرف الرجل على تدريب المنتخب المغربي لأربع سنوات، قبل أن يغادره بدمع ساخن إثر إقالته من منصبه عقب خسارة المغرب وخروجه من الدور الأول لنهائيات كأس إفريقيا بغانا سنة 1978، لم يشيعه في رحلة المغادرة سوى صحفي رياضي وهو نجيب السالمي، الذي رافقه إلى مطار النواصر وعلى امتداد الطريق الرابط بين الرباطوالدارالبيضاء كانت دموع المدرب تعبر عن مشاعره. رغم أن مدة الارتباط كانت قصيرة، إلا أن المدرب الروماني جورج مارداريسكو، الذي ترك بصماته على المنتخب المغربي حين قاده إلى الظفر بالكأس الإفريقية الوحيدة التي في حوزة الكرة المغربية بإثيوبيا، لم يحظ بأي تكريم رغم أنه كان رجلا مسالما إلى حد السماح للكولونيل بلمجذوب باختيار التشكيلة والقيام بالتغييرات التي تفرضها كل مباراة، معتبرا هذا التدخل مقاربة تشاورية. مات مارداريسكو، المدرب اللاجئ السياسي الخائف من بطش تشاوشيسكو، في صمت دون أن ترسل جامعة الكرة رسالة تعزية لأسرته عبر السفارة الرومانية أو جامعة الكرة في هذا البلد، ومات بلمجدوب رفيق دربه، بسبب داء ضعف المناعة ضد التنكر والجحود، كما مات مسؤولون ساهموا في الإنجاز اليتيم للكرة المغربية دون أن يجدوا ما يشترون به كفنا. لم يتوقف اللجوء إلى هذا البلد، كما لم يتوقف الهروب، إذ فضل كثير من المدربين تمديد مقامهم في المغرب، كالمدرب الأرجنتيني أوسكار فيلوني، الذي أصر على الاستمرار كلاجئ رياضي في المغرب متجاوزا عطالته، مصرا على أن يدفن جثمانه في بلد أطعمه من جوع وآمنه من خوف.
مورجان.. رئيس وزراء زيمبابوي قصة لجوء عابر
اختار مورجان تسفانجيراي، زعيم المعارضة في زيمبابوي، الاستقرار لفترة في المغرب كلاجئ سياسي، قبل أن يعود إلى بلده الجاثم في جنوب شرق القارة الإفريقية. ظل موجان منذ هروبه من بطش النظام الحاكم في زيمبابوي يخشى المتآمرين ويرواغ كل محاولة اغتياله، ومن بريتوريا ظل الرجل يطالب بانتخابات ديمقراطية نزيهة، قبل أن يهرب صوب المغرب بعيدا عن الأنظار والمسدسات الكاتمة للصوت وأرجأ عودته إلى بلاده إلى أجل غير مسمى. كان من المتوقع أن يعود تسفانجيراي إلى زمبابوي لبدء الحملة الانتخابية للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي كان يعتزم خوضها ضد الرئيس روبرت موغابي، وقال من المغرب إن أنصاره "سيشعرون بأنهم خُذلوا" في حال إحجامه عن خوض الجولة الثانية من الانتخابات التي اشترط أن تخضع لمراقبة دولية كاملة حتى يشارك فيها، إذ طالب المعارض اللاجئ بنشر قوات حفظ السلام التابعة لتجمع دول جنوب القارة الأفريقية في زيمبابوي من أجل قمع أعمال العنف في البلاد، علما أن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مرحلة سابقة قد أسفرت عن تفوق تسفانجيراي على موغابي، إلا أن نسبة الفوز لم تكن كافية لتفادي جولة ثانية من التصويت. فضل مورجان قيادة الحركة المعارضة عن بعد، لاسيما بعد اعتقال ناشطين سياسيين من طرف ميليشيات قال مورجان إنها موالية للحكومة، وهي تحمي حزب "زانوا بي إف" الحاكم، وبتدخل من مانديلا قطع مورجان "عطلته السياسية" بالمغرب وعاد إلى زيمبابوي ليحصل على منصب رئيس الوزراء، شاكرا المغرب على حسن الضيافة.