عبد الله بلعباس، فنان تشكيلي مغربي، من مواليد الجديدة، له حضور وازن في المشهد الثقافي والفني منذ أواسط الثمانينات إلى الآن، غاب لفترة عن الساحة التشكيلية المغربية، وعاد محملا بأفكار واقتراحات جمالية، تنهل من الفكر وتصب في الفن برؤية شاعرية، اختزل فيها الفنان تقنياته، وحمل معه أدوات الاشتغال متنقلا بين فضاءات خارج جدران المرسم، لينجز بورتريهات مونوكرومية بالأسود، قاعدتها بياض الجرائد، وموضوعها وجوه لبعض المثقفين والمبدعين المغاربة، تدوينا وتأريخا واعترافا لهم ولما أسدوه من خدمات فكرية وثقافية. - ما هو سبب عودتك، بعد غياب طويل عن الساحة التشكيلية المغربية؟ بداية, فالأمر لا يتعلق بغياب، وإنما هي وتيرة الاشتغال التي تقتضي التوقف أحيانا، لما في هذا التوقف من تأمل و تفكير وبحث، خاصة أنني أشتغل على مواضيع بتيمات محددة، وهو ما يتطلب خلق نوع من التباعد الزمني بين تجربة وأخرى. - لماذا اقتصر اشتغالك الأخير على وجوه المثقفين والمبدعين فقط؟ الاشتغال على بورتريهات لرموز ثقافية في مجالات الفكر و الإبداع، ليس جديدا وإنما هو اختيار مرتبط بزمن وجودي، حيث ابتدأت التجربة في أواسط ثمانينيات القرن الماضي ، من أجل ابتكار طريقة معينة كان الهدف منها تكريم لأسماء أساسية في المشهد الثقافي المغربي، وساهمت في تشكيل وعينا وتوجهاتنا في مراحل تكويننا. - كيف تم اختيارك لأسماء معينة دون أخرى؟ هو مشروع متواصل لن يتوقف إلا بتوقف الحياة، و اختياري لهذه الأسماء لعب فيه الوجدان دورا كبيرا، فهو نوع من التعاطف و الإجلال و رد الاعتراف لهم، بمعنى آخر، هو تكريم شخصي باسم جيل يشهد لعطاءات هؤلاء المثقفين، وكأنني أمنح هذا الجيل فرصة أخرى موازية وبشكل مغاير، لرصد أسماء أريدها أن تترسخ ولن تغيب عن ذاكرتنا، كجيل قديم وجديد، باعتبارها رائدة ومؤسسة للمشهد الثقافي المغربي، فكان اختلائي بهذه الوجوه متعة حقيقية، لأداعب تفاصيلها وملامحها التي بقيت مرسومة وحاضرة في متخيلي طيلة فترة تكويني. - لماذا تشتغل على ورق الجرائد دون غيره من الأسندة الأخرى؟ كما قلت سابقا ، فالأمر يتعلق بزمن وجودي : وضعية الجالس في مقهى أو منعزل في مكان ما، يجعل من مصادفة قراءة جريدة أو مجلة، مقالة / قصة / قصيدة... و أحيانا كتاب مع صورة لمفكر أو مبدع، فيحول ما يقرؤه وما يراه إلى سند، و يجعل من هذا الزمن العابر و هذه الخلوة، أثرا فنيا بما هو متاح لديه من إمكانيات، فيخلق بذلك تراكما كمحاولة لتأسيس تجربة متميزة يمكن اعتبارها إضافة نوعية، و في هذا الإطار يكفينا مشاهدة أغلفة الكتب و المجلات و كذلك الملصقات لنقف على فراغ حقيقي على مستوى التواصل مع الأجناس الإبداعية الأخرى. - ما هو الغرض من الاشتغال بتقنية الرسم dessin دون التقنيات المتاحة الأخرى؟ لكل موضوع أو مجال طريقة للاشتغال بما تتوفر عليه من إمكانيات في تلك اللحظة، وبما يتلاءم ويناسب ما أنت بصدد الاشتغال عليه : بالنسبة إلي على الأقل، ليس هناك أحسن من أن تنجز بورتريها لمبدع خارج ما يبدعه: أي أن يكون السند نصا من إبداعه، بمعنى آخر، أن لا أقدم الوجه عاريا، بل أجعله يتماهى مع كتابة الكاتب، وكأن ملامحه تشكل جزءا من النص / السند، تخرج منه وتعود إليه ليصبح أحدهما سندا للآخر، لذلك كان الرسم في تجربتي ذريعة أو وسيلة استدراكية لأهمية الكتابة بالنسبة للرسم، والعكس صحيح.