لم أفهم كيف يمكن للجبل أن يتمخض، ولا كيف يمكنه أن يلد.. لذلك كنت أعتقد أن الراوي هو المخطئ، والصواب هو تمخض الجمل (بضخامة جسده) فولد فأرا (صغيرا).. لكني توصلت، بعد طول عناد، إلى أنني أنا المخطئ، وليس الراوي؛ فالمقولة، كما تناقلها العرب أبا عن جد، هي تمخض الجبل (بشموخه وضخامته) فولد فأرا.. ولو أننا، هنا والآن، سواء تمخض الجبل أو الجمل، فالمولود مجرد.. فأر. جبل الإصلاح، أو جمله، في الصحة أو العدالة أو الثقافة أو الصحافة... يتمخض، ينتفخ بطنه، تنفتح في وجهه أقسام الولادة، ويسهر الأطباء المتخصصون، تتزين الغرفة بباقات الورد وعلب الشوكولاته، وتتجند الممرضات والقابلات؛ ومع كل ذلك، حين يتمخض، لا يلد غير.. فأر. البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، استنفد أموالا طائلة ومجهودات هائلة، وما إن راح وزير وجاء آخر حتى تم إعلان موته، بعدما تبين أن خطط الإصلاح إنما أسفرت عن إفساد.. ولو أن لا أحد حدد المسؤول عن إهدار المجهودات البشرية والمالية أو محاسبته. كل ما تم التأكد منه أن جبل البرنامج الاستعجالي تمخض فولد.. فأرا. تتمخض جامعة كرة القدم، وسط ضجيج المطبلين الذين يبشروننا بولادة جديدة لأسود الأطلس، تجوب البعثات دول أوربا لجمع عصابة من اللاعبين المحترفين، يتم صرف الاعتمادات المالية بسخاء، يتمخض علي الفاسي الفهري، وبينما الشارع الرياضي يترقب ميلاد شبل يروع المشاركين في كأس الأمم الإفريقية، يفاجأ بأن هذا المخاض إنما أسفر عن ميلاد فأر، لا نقبل أن يكنى فأر الأطلس. عشرات المشاريع وضعت لها تصاميم فخمة، واستنفدت ميزانيات ضخمة، وبشرنا مذيع القناة الأولى بأنها ستساهم في الارتقاء بنا إلى مصاف الدول الكبرى؛ لكن هذا المذيع لم يخبرنا بعد ذلك بمآل تلك المشاريع التي يؤكد واقعها المزري أن أشغال بنائها لم تكتمل، لتتحول إلى مأوى للمشردين والمنحرفين والكلاب الضالة. والأمثلة صارخة في كثير من مدننا، بما فيها العاصمتان الإدارية والاقتصادية، حتى إننا حين نردد تمخض الجبل، أو الجمل، فولد فأرا، فإننا من حيث ندري، أو لا ندري، نقصد مئات الحالات للمشاريع غير المكتملة، في مختلف المجالات، على طول البلاد وعرضها. يأتي رئيس الحكومة برُكام من الوعود الانتخابية، مدعوما بسلطات دستورية لم تسنح لمسؤول قبله، يستبشر العاطلون والمعطلون خيرا، ويتوهم الفقراء انتهاء أعوام الغلاء وانطلاق زمن الرخاء، يتأهبون لاحتضان العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الرعية والجهات والراعية، ووضع حد للتبذير، وحشر ناهبي المال العام في قفص الاتهام لتقول فيهم العدالة قولها.. لكن رئيس الحكومة يختار، أو يختارون له، مقولة عفا الله عما سلف. والأدهى أن هذا العفو الجائر لا ينطبق سوى على كبار اللصوص، أما صغارهم فما زالوا يجرون إلى المحاكم جرا. وغول الغلاء ما زال يتمختر بحرا وبرا، والبطالة تسقي المكتوين بنارها علقما مرا. والخلاصة: تمخض بنكيران فولد.. فقرا. كما تمخض داعية يدعي علما لا يعلمه فولد كفرا. وتمخض الطاوسي، بملايينه الخمسين كل شهر، فأنجب «كوفرا». وتمخض مذيع النماء والرخاء، في نشرات الظهيرة والمساء، فولد صفرا. وقديما قالت العرب: تمخض الجبل فولد فأرا.