حلقة جديدة ضمن حلقات كثيرة بدأت بهدم المسرح البلدي في ثمانييات القرن الماضي، والتي تهدف إلى طمس معالم المدينة، مؤكدين أنه لا يعقل أن يتم المس بهذه النافورة، التي تختزل ذكريات كثيرة لسكان وزوار المدينة. وفي المقابل فإنّ المدافعين عن قرار الهدم يعتبرون أن ذلك تصحيح لخطأ ارتكب أثناء إحداث هذه النافورة، موضحين أن المسرح الكبير سيُنسي الغاضبين من هذا القرار أسفهم على تحويل هذه النافورة. «إذا كنت لم تلتقط بعدُ صورة تذكارية أمام نافورة الحمام في الدارالبيضاء فالوقت لا يتحمل أيّ تأخير، عليك فورا الإسراع للقيام بذلك».. لا يتعلق الأمر بوصلة إشهارية تبَث على أمواج الإذاعات أو القنوات العمومية، بل إن السبب يرجع إلى القرار الذي اتُّخذ قبل شهور والقاضي بهدم النافورة وتحويلها من مكانها الحالي، وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا في المدينة، حيث إن التقاط صورة واحدة في هذه الساحة سيصبح في خبر «كان» بمجرد بداية عملية الهدم.. المسرح أم النافورة ? لم يكن أحد يعتقد أن قرار إحداث المسرح الكبير للدار البيضاء في ساحة محمد الخامس سيخلف ضجة كبيرة، يصعب حد الآن التكهن بنتائجها، ولا تتعلق الضجة بحجم المبلغ المالي الذي سيُنجَز به المسرح الكبير ولا حتى بمدى أهمية إنجاز هذا المسرح، لأن كل هذه الأمور قد تم الحسم فيها بين أعضاء المجلس وباركوا هذه الخطوة برفع أيديهم في إحدى دورات المجلس مؤيدين فكرة بناء المسرح الكبير، ولكنّ سبب الضجة هو أن بناء هذه المعلمة، التي يقولون إنها ستكون أكبر مسرح على الصعيد الوطني، ستكون على حساب «نافورة الحمام». فبمجرد أن شاع خبر تحويل نافورة الحمام تحرّكت أصوات المحتجّين وهم يعلنون رفضهم هذه العملية، مؤكدين أنهم «لن يسمحوا بتحويل هذه المعلمة إلى أي مكان آخر».. وفي كل مرة يحتجّ الرافضون يخرج المؤيدون للعملية من صمتهم ويؤكدون أن «المسألة لا تتعلق بهدم النافورة ولكنْ فقط بتحويلها، وكل ما يحدث حاليا من احتجاجات مجرد زوبعة في فنجان، لأنه ليس هناك أي قرار بهدم النافورة»، متحدثين عن جمالية ساحة محمد الخامس بعد إنجاز المسرح الكبير، والأكثر من ذلك أن هناك من اعتبروا أنّ إحداث نافورة في تلك الساحة كان خطأ ارتُكب في حق هذه الساحة، حيث كانت السلطات العمومية في السنوات الخالية لا ترغب في أن تكون أي ساحة فارغة خوفا من أن تتحول إلى فضاء للاحتجاج، وهو الأمر الذي أدى إلى بناء هذه النافورة، معتبرين أن تحويلها إلى مكان آخر هو مجرد تصحيح للخطأ الذي ارتُكب في وقت سابق. بداية الحرب كل هذا التبرير لا يعني أي شء بالنسبة إلى المحتجّين، الذين شحذوا هممهم ونظموا وقفات احتجاجية أمام النافورة، حيث وصل العدد في أول وقفة حسب المنظمين إلى حوالي 500 محتج، ولم تمتع الأمطار التي تهاطلت على الدارالبيضاء في يوم الاحتجاج خروج هذا العدد من المواطنين، رافعين شعارات تندد بطريقة تسيير المدينة، مؤكدين أن قرار تحويل النافورة لا يمكن تطبيقه، لأنه «يضرب في العمق ذاكرة مشتركة بين البيضاويين»، وتم التأكيد أن هذه «الوقفة تأتي في سياق وقف قرار إعدام واحدة من معالم مدينة الدارالبيضاء، التي تعد ركيزة اقتصادية للمغرب». واعتبر مجموعة من الغاضبين من قرار هدم نافورة الدارالبيضاء أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيادي ضد هذا القرار، معتبرين أن سلسلة جمع التوقيعات ما تزال مستمرة، حيث هناك رغبة في جمع حوالي مليون توقيع ضد هذا القرار، حفاظا على الموروث الإنساني لمعالم الدارالبيضاء، مؤكدين أن هناك فضاءات أخرى تسمح ببناء المسرح الكبير، بعيدا عن مكان النافورة، التي تشكل مورثا بالنسبة إلى جميع البيضاويين. الغضب المتواصل بشكل غير متوقع دخل أصحاب الطاكسيات على الخط، حيث اعتبر بعضهم أن المسّ بالنافورة هو مس بإحدى المعالم السياحية للمدينة. وقال مصطفى الكيحل، الأمين العام للفدرالية الوطنية لمهنيي النقل الطرقي وعضو في تنسيقية جمعيات المجتمع المدني في جهة الدارالبيضاء في تصريح سابق ل«المساء»: «نحن كجمعيات وغيورين على معالم الدارالبيضاء نرفض إحداث أي مشروع مكان النافورة، لأن هذه المعلمة تربط ماضيّ المدينة بحاضره، ولنا ذكريات كثيرة فيها ولن نسمح بهدمها وإقامة أي مشروع مكانها»، وأضاف أن هناك العديد من الجمعيات لها نفس الهم وتستعد للضغط من أجل العدول على فكرة إحداث المسرح الكبير في مكان النافورة. وأوضح المتحدّث نفسُه أن النافورة تشكل قاسما مشتركا بين جميع البيضاويين ولا يمكن المس بها تحت ذريعة إنجاز أي مشروع، وقال «نحن لسنا ضد إحداث مسرح كبير، فهناك العديد من المناطق التي يمكن أن يُشيَّد فيها هذا المسرح، ولكن أن يكون ذلك على حساب على النافورة، فهذا أمر غير مقبول ولا يمكن قبلوله».. وليس الأمين العام للفدرالية الوطنية لمهنيي النقل الطرقي وحده «الغاضب» من قرار تحويل النافورة، بل حتى بعض سائقي الطاكسيات، وفي هذا السياق قال أحدهم: «بانتْ ليهومْ غيرْ النافورة.. باغيين يحيّدوها، هادشي ما شي معقول، واش باقي لينا غير المسرح؟».. واعتبرت المستشارة خديجة المنفلوطي أنه لا يمكن، بأي حال، قبول فكرة هدم النافورة، لأنها معلمة انسانية وذاكرة جماعية بين سكان الدارالبيضاء، وقالت ل«المساء»: «إننا ضد قرار هدم النافورة لأنها معلمة تاريخية، وإنني أصرّ على رفض قرار هدمها، لأن ذلك إن تمّ فسيحزّ في نفسي»، وأضافت أن الخوف من هذا القرار يكون مصير نافورة الحمام هو نفسه مصير المسرح البلدي، الذي هُدم في ثمانينيات القرن الماضي. لا عين رأت ولا أذن سمعت يظهر أن هناك إلحاحا كبير على إنجاز المسرح الكبير مكان نافورة الحمام، وأن السلطات العمومية في الدارالبيضاء تتعامل مع احتجاجات الرافضين لمشروع هدم النافورة بمنطق «لا عين رأت ولا أذن سمعت»، حيث علمت «المساء» أنه خلال السنة الجارية ستبدأ الأشغال في إنجاز المسرح، وقال أحد نواب العمدة: «خلال هذه السنة ستبدأ الأشغال في إنجاز المسرح الكبير، وقد تم اتخاذ كل التدابير لهذا الغرض»، معتبرا أن إنجاز المسرح الكبير سيكون بمثابة عزاء لجميع البيضاويين عن المسرح البلدي الذي هدم في سنوات الثمانينيات دون سبب مقنع. وخلال الدورة التي صادق فيها المجلس على نقطة إنجاز المسرح البلدي عادت ذكريات بعض المنتخبين إلى الوراء، مؤكدين أن هدم المسرح البلدي سيبقى دليلا على تهميش الثقافة في هذه المدينة، وأن بناء المسرح المسرح الكبير خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنْ شرط أن تؤخذ جميع ملاحظات الأعضاء بعين الاعتبار، خاصة في القضايا التي تتعلق بمكان الإنجاز. المرآب المنتظر منذ الحديث عن إنجاز المسرح الكبير والحديث منصبّ على مشكل الاكتظاظ الذي ستعرفه وسط المدينة، خاصة في الجوانب المتعلقة بركن السيارات، واعتبر مصدر من المكتب المسير للمدينة أن الأمر أصبح محسوما فيه، وقال المصدر ذاته إن «هناك عزما على إنجاز أكبر مرأب على الصعيد الوطني في مدينة الدارالبيضاء، حيث من الممكن أن تركن في هذا المرآب حوالي 200 ألف سيارة.. وسيكون هذا المرآب تحت أرضي»، وأضاف المصدر ذاته أن نجاح تجربة «الترامواي» وتخفيف حركة السير والجولان في مدينة الدارالبيضاء لا يمكن أن تتم دون إنجاز مرائب لركن السيارات. وأوضح مصدر «المساء» أن هناك خطة من أجل تحرير واستغلال المرائب الكبرى، حيث سيصبح في إمكان أي مقاولة إحداث مرائب لوضع حد لمشكل ركن السيارات، خاصة في المناطق التي يمرّ منها «الترامواي». وعن طريقة تمويل إنجاز هذا المشروع، كشف المصدر ذاته أن المجالس المنتخبة للمدينة (العمالة والجهة والمدينة) ستتكلف بمصادر التمويل، إضافة إلى ضرورة تدخل الدولة، وهي الطريقة التي سيتم الاعتماد عليها مستقبلا في جميع المشاريع التي سيتم إنجازها على صعيد المدينة. ونفى مصدر «المساء» كل الأخبار التي تُتداوَل حاليا حول إخلاء المركّبات الإدارية التي توجد في محيط مقر ولاية الدارالبيضاء استعدادا لإحداث المسرح الكبير، مؤكدا أنه لا أساس لهذه الأخبار من الصحة، وقال «لا يمكن المسّ بهذه المركّبات، لأنها تعتبر إرثا مُشترَكا بين جميع البيضاويين، وإن التصميم المعتمد لإنجاز المسرح الكبير لا يتطرق لهذا الأمر»، واعتبر أنه من الصعوبة اتخاذ مثل هذا القرار في الظرفية الحالية، على اعتبار أنْ لا أحد سيقبل بإخلاء المركبات الإدارية وتحويلها إلى مقاهٍ ومراكز تجارية. وأكد بعض الغيورين على معالم التاريخية للدار البيضاء أنه لا يجب أن يتم إحداث المسرح الكبير على حساب البنايات التاريخية للمدينة.. ويعدّ الوعد ببناء مرآب يضم أزيد من 200 ألف سيارة مسألة مُستبعَدة من طرف بعض سكان المدينة، مؤكدين أنه لا يمكن بأي حال إنجاز هذا المرآب، وأن ذلك مجرد وسيلة من قبل مؤيدي فكرة إنجاز المسرح البلدي من أجل استمالة عطف الغاضبين.. «الصفعة» الجديدة لم ينس مجموعة من سكان الدارالبيضاء لحظات هدم المسرح البلدي، حيث شكل ذلك في وقتها صفعة للجميع، وهو الأمر الذي يجعل الرافضون لقرار هدم النافورة يتشبثون برأيهم، لأنهم يعتبرون أن هدم هذه النافورة، ولو بمبرر إنجاز المسرح، سيكون هو الآخر صفعة جديدة ستوجه لسكان المدينة، خاصة أنها تشكل متنفسا لهم من الضغط اليوميّ الذي يعيشونه في هذه المدينة الصاخبة.. إلا أن «المتفائلين» من مشروع المسرح الكبير سرعان ما يحاولون تبديد هذه التخوفات، مؤكدين أن إقامة المسرح الكبير وبناء نافورة في الجهة المقابلة لمقر الولاية سيُنسي الرافضون شعورهم ب«الغضب»، لأنّ جميع التدابير قد اتُّخِذت، لكي تكون هذه الساحة متنفسا جديدا للمدينة..