منذ سيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة على شمال مالي وبدء الحديث عن احتمال تدخل دولي في المنطقة من أجل استعادة السيطرة لصالح الحكومة المالية على الأجزاء الشمالية للبلاد، تعالت مجموعة من الأصوات المعارضة لمثل هذا التدخل الخارجي، حيث كان على رأس الدول المعارضة تونس التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة عبر حركة النهضة، انضافت إليها الجزائر التي أعلنت تشبثها بالحل السلمي للأزمة المالية، قبل أن ينقلب موقفها الرسمي رأسا على عقب، وتعلن عن انخراطها الكامل في الحرب التي تقودها فرنسا، عبر فتح أجوائها أمام الطائرات الفرنسية، وتوفير الدعم اللوجستي والبشري للتدخل، في حين بقي الموقف الرسمي المغربي مبهما، رغم أن المغرب يترأس مجلس الأمن الذي أعطى مباركته للتدخل الفرنسي في مالي. لكن مع بدء التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي، أعلن الرئيس الفرنسي أن المغرب سمح بفتح أجوائه أمام الطائرات الفرنسية، من أجل استخدام مجاله الجوي في نقل الأسلحة والجنود، دون المشاركة الفعلية في الحرب على الجماعات المسلحة في مالي، وهو الإعلان الذي أثار احتجاجات واسعة وسط العديد من مكونات الرأي العام، انعكس على الخصوص من خلال التعليقات التي انفجرت بها وسائل التواصل الاجتماعية، حيث عبرت قطاعات واسعة من المغاربة بمختلف توجهاتهم الإيديولوجية عن رفضهم القرار الذي اتخذه المغرب في هذا الاتجاه، خاصة أن العديدين كانوا يتوقعون أن تتخذ الحكومة التي يقودها إسلاميو العدالة والتنمية موقفا مشابها للحكومة التونسية التي يقودها حزب النهضة الإسلامي، والتي رفضت المشاركة في الحرب بأي وجه من الأوجه. وفي ظل غياب أي ردود فعل رسمية من طرف الأحزاب السياسية العاملة في الساحة، سواء من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي أو المعارضة، انبرى شيوخ ما يعرف ب«السلفية الجهادية»، ممن أطلق سراحهم بواسطة العفو الملكي، إلى انتقاد اشتراك المغرب في تقديم تسهيلات لوجستيكية للحرب التي تشنها فرنسا بالتحالف مع القوات النظامية المالية من أجل استعادة الجزء الشمالي للبلاد، حيث أجمعوا على اعتبار التدخل الفرنسي في مالي «حربا صهيو-أمريكية ضد المسلمين»، محرمين تقديم أي مساعدة أو عون لمن اعتبروها «قوات غزو أجنبية لبلد مسلم»، وداعين الحكومات «الإسلامية» التي جاء بها الربيع العربي إلى التدخل من أجل إيقاف «العدوان الفرنسي على دولة مالي المسلمة». ورغم أن الشيوخ أجمعوا على إدانة التدخل الأجنبي في مالي بقيادة فرنسا، إلا أن حدة خطابهم تفاوتت في درجات الانتقاد، فبينما استنكر الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي، المعروف بأبي حفص، ما أسماه ب«الهجوم الفرنسي الغاشم على المسلمين في مالي، لما فيه من التدخل السافر بغير حق في شأن دولة مسلمة، ولما فيه من ترويع للآمنين واستهداف للمستضعفين، وقتل للأبرياء بغير حق»، قام الشيخ عمر الحدوشي بنشر فتوى على جدار صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، تكفر كل من يتعاون مع الغرب ضد المسلمين أثناء الحرب، معززا فتواه بمجموعة من الفتاوى الصادرة عن شيوخ السلفية من مختلف الدول، قبل أن يتراجع عنها في تصريحات صحفية، ويدعي أن البعض تعمد وضع تلك الفتوى على حائطه الفايسبوكي رغم أنها تعود إلى سنة 2002، أي قبل دخوله إلى السجن، من أجل تحريض السلطات على اعتقاله مجددا. ولم يتخلف الشيخ حسن الكتاني، المعتقل سابقا في إطار ملف الإرهاب والمفرج عنه بدوره في إطار عفو ملكي، عن السير في نفس الركب المنتقد للحرب على مالي، بل امتدت انتقاداته لمواقف من أسماهم ب«التقدميين المغاربة» ممن لم يعلنوا عن مواقف معارضة للتدخل العسكري، بل امتدت إلى افتتاحية جريدة «التجديد» المقربة من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي، وهو نفس النهج الذي تبناه الشيخ محمد المغراوي، شيخ ما يعرف ب«السلفية التقليدية في المغرب»، والذي أصدر بيانا أفتى فيه ب«عدم جواز الإعانة على هذا المنكر العظيم ولا المشاركة فيه (الحرب على مالي)، بل يجب على الحكام والحكومات الإسلامية التدخل لإيقاف هذا النزيف الذي لا نعرف متى سيتوقف». هذه الفتاوى والآراء المنتقدة لانخراط المغرب بشكل غير مباشر، تنضاف إليها مواقف بعض مكونات الحقل الإسلامي، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح، الأخيرة المقربة من حزب العدالة والتنمية عبرت عن رفضها للتدخل الانفرادي للقوات الفرنسية في دولة مالي، معتبرة إياه «تجربة أخرى للتدخل الأجنبي في بلد إسلامي، تعيد للأذهان المآلات الخطيرة للتدخلات الأجنبية». كل هذه التطورات توجت بدعوات إلى التظاهر أمام السفارة الفرنسية والقنصليات الفرنسية بالمغرب، مما خلق حالة من الاستنفار الأمني أمام مختلف المصالح الفرنسية بمختلف المدن، رغم أن تلك الدعوات التي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي حملت طابع السلمية، إلا أن أجهزة الأمن أخذتها على محمل الجد، خوفا من تطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. استنكار وقوف المغرب في الصف الداعم للتدخل الفرنسي في مالي لم يقتصر على القوى الإسلامية، بل امتد إلى صفوف العديد من التنظيمات اليسارية والحقوقية، والتي عبرت مجموعة من قياداتها في تصريحات إعلامية عن رفضها لهذا التدخل، باعتباره استعمارا جديدا لدولة إفريقية، وتكرارا للتدخل الأمريكي في كل من أفغانستان والعراق، مدفوعا بالمصالح الفرنسية في المنطقة.