سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أزواوي: الحكومات السابقة لم تمتلك الشجاعة السياسية لإصلاح صناديق التقاعد اعتبر أن الرفع من سن التقاعد هروب إلى الأمام ومجرد دفع نحو تأجيل انهيار هذه الصناديق
في هذا الحوار، يشرح حسن أزواوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، الأسباب التي أدت إلى مشارفة صناديق التقاعد على الإفلاس، ومسؤولية الحكومات السابقة عن تأخير عملية الإصلاح بسبب غياب الإرادة والشجاعة السياسية، والحلول المطروحة أمام الحكومة الحالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مع توضيح العواقب الوخيمة لأي فشل محتمل لخطة إصلاح صناديق التقاعد في المغرب. - من المسؤول عن الوضعية التي أصبحت عليها صناديق التقاعد في الوقت الراهن؟ الوضعية الحالية لصناديق التقاعد ترجع إلى تراكم عدة عوامل، نذكر منها هنا عاملين أساسيين: أول هذين العاملين هو التحول الذي عرفته البنية الديمغرافية للمغرب، بعد أن شهد مغرب ما بعد الاستقلال عملية تشبيب ومغربة للوظيفة العمومية خلال سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مما شجع المغاربة على الانخراط في الوظيفة العمومية، ولم يكن هناك أي إشكال في المساهمات التي كان يقدمها الموظفون الشباب حينها في صناديق التقاعد، دون أن يتصور أحد ما بأن تلك الصناديق ستصل يوما إلى حافة الإفلاس، بل كان الجميع يساهم على أساس أن يستعيد هؤلاء نقودهم عندما يبلغون سن التقاعد. العامل الثاني الذي تسبب في الوضعية الحالية لصناديق التقاعد في المغرب، هو أنه ومنذ عشر سنوات، بدأ الجيل الأول للموظفين المغاربة في الوظيفة العمومية يصلون إلى سن التقاعد، مما خلق إشكالية لدى المسؤولين عن هذه الصناديق من أجل تلبية حاجيات هذا العدد الكبير من الأشخاص الذين وصلوا إلى سن التقاعد، وأصبحوا يطالبون باسترداد أموالهم التي صرفوها، حتى لا يختل مستوى معيشهم عما كان عليه قبل التقاعد. - ما هو السبب في تأخير طرح مشاكل صناديق التقاعد إلى الآن، رغم أن بوادر هذه المشاكل قد بدأت في الظهور مبكرا؟ أعتقد أن فتح ملف إصلاح صناديق التقاعد كان يتطلب بعضا من الشجاعة السياسية من طرف الحكومات السابقة، وهو الشرط الأساسي لحل الإشكاليات السياسية التي تتدخل فيها مجموعة من اللوبيات كما هو الشأن بالنسبة لصناديق التقاعد، وبالتالي فكل الحكومات كانت تكتفي بتأجيل الدخول في متاهات إصلاح هذه الصناديق، كما هو الشأن بالنسبة لإصلاح صندوق المقاصة مثلا، ومجموعة من الإشكالات الأخرى التي يعاني منها الاقتصاد المغربي. وأنا شخصيا لا أعتقد أن الشجاعة السياسية هي التي دفعت بالحكومة الحالية إلى فتح هذا الملف الآن، بقدر ما أن هذه الصناديق قد بلغت حدا أصبح من المستحيل معه تأجيل عملية الإصلاح والبحث عن حلول عاجلة. - كيف تقيم تعامل الحكومات المتعاقبة مع مشاكل صناديق التقاعد، بما فيها الحكومة الحالية؟ الحكومات المتعاقبة لم تكن أمامها خيارات كثيرة، أما الحكومة الحالية التي رفعت شعار إصلاح هذه الصناديق، فأمامها حلان لا ثالث لهما: إما الرفع من سن التقاعد، وهو ما سيطرح في نظري إشكالا من الناحية القانونية، بحكم أن الموظفين في الوظيفة العمومية لم يتعاقدوا مع الدولة على سن تقاعد يتجاوز الستين سنة، وبالتالي فإن الحكومات ومنها الحكومة المغربية، ستجد نفسها أمام إشكال قانوني، رغم أنها قد بدأت فعلا في العمل على الرفع من سن التقاعد، مما سيجعله محددا مستقبلا في 62 إلى 65 سنة، علما أن هذه الإشكالية كانت مطروحة قبل الآن بالأساس في الدول الأوروبية، والتي تعاني من الشيخوخة في مجتمعاتها، قبل أن تنتقل إلى المغرب الذي يفترض أنه مجتمع شاب. الحل الثاني المطروح أمام الحكومة هو الزيادة في قدر مساهمة الموظفين في صناديق التقاعد، مع ما قد يواجهه هذا الحل من صعوبات ورفض من طرف المعنيين بالأمر. - هل يمكن للرفع من سن التقاعد أن يكون حلا فعالا وناجعا لمشاكل صناديق التقاعد؟ الأصل أن المجتمع المغربي هو مجتمع نشيط، بحكم أن أكثر من أربعين في المائة من سكانه تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 سنة، وبالتالي فمن غير المنطقي أن يطرح إشكال الرفع من سن التقاعد، وبالتالي فالأساسي بالنسبة للحكومة الحالية يبقى هو البحث عن مصير أموال هذه الصناديق قبل التقرير في الرفع من سن التقاعد من عدمه، كما يمكنها سن مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير هذه الصناديق بالموازاة مع عمليات الإصلاح التي قد تخطط لها مستقبلا، من خلال تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاسبة كل من كان مسؤولا عن تدبير هذه الصناديق يوما ما. وفي نظري الشخصي، أعتقد جازما بأن الرفع من سن التقاعد هو بمثابة هروب إلى الأمام، ودفع نحو تأجيل انهيار هذه الصناديق، ليبقى في الأخير بمثابة الحل الترقيعي، وعليه فإن الحكومة مطالبة اليوم بإيجاد حلول حقيقية لإشكال هذه الصناديق لتجنب الأسوأ مستقبلا. - ما هي الانعكاسات الاجتماعية لفشل محتمل لعملية إصلاح صناديق التقاعد من طرف الحكومة الحالية؟ أنا أتمنى أن تنتهج الحكومة مقاربة إصلاحية شمولية لحل إشكالية صناديق التقاعد حتى تضمن نجاحها، لكن في حال الوصول إلى سيناريو الأزمة إذا فشلت عملية الإصلاح – لا قدر الله -، فإن الانعكاسات الاجتماعية ستكون معروفة، علما أن المتقاعدين يشتكون حاليا من هزالة التعويضات التي يتلقونها، رغم أنهم يفترض أن يستعيدوا الأموال التي دفعوها أثناء فترة عملهم بالوظيفة العمومية. ثم إن على الحكومة أن تتخذ الإجراءات المناسبة لتجنب حدوث انفجار اجتماعي، من خلال التخلي عن نظام التقاعد المستوحى من فرنسا، والمسمى «نظام التوزيع»، وفي نفس الوقت عدم اللجوء كليا إلى النظام الأمريكي المسمى «نظام الرسملة»، واللجوء إلى نظام تقاعد مغربي صرف، من خلال إتاحة الفرصة أمام الموظفين المغاربة للجوء إلى التقاعد التكميلي، بحكم أن كافة الاحتمالات تبقى واردة. - هل يمكن لإعادة النظر في طريقة احتساب تعويضات التقاعد أن تساهم في التخفيف من أزمة صناديق التقاعد؟ هذه المسألة إلى جانب أشياء أخرى تبقى ذات طابع تقني محض، يمكن مناقشتها بالتفصيل عند تنزيل الإصلاح، فعلى سبيل المثال إذا تم رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، علما أن أمد الحياة في المغرب لن يسمح له بالعيش في المتوسط سوى لعشر سنوات أخرى كحد أقصى، وبالتالي لن يستطيع إرجاع كافة المساهمات التي قدمها خلال حياته المهنية، وعليه فإن الدولة مطالبة بتيسير إمكانية التقاعد التكميلي للموظفين. بالنسبة لطريقة احتساب مقدار تعويضات التقاعد، فإن مسألة احتساب آخر أجر حصل عليه الموظف تم إقرارها منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وهو الإجراء الذي اتخذ على أساس أن يقبل الموظفون بالزيادة في مقدار مساهماتهم في واجبات التقاعد، أما في حال اتخذ قرار بالتراجع عن هذا القرار، فيجب أن تطال المراجعة أيضا قيمة مساهمة المتقاعدين في صناديق التقاعد.