الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل أفرزت الثورات «عالما عربيا جديدا»؟
كتاب دنيس بوشار يبرز حدوث تغيرات في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة العربية ويعلن عن فاعلين جدد على خط التأثير
نشر في المساء يوم 14 - 01 - 2013

يؤكد الجامعي الفرنسي دنيس بوشارد، الرئيس السابق لمعهد العالم العربي بباريس، أن الأحداث التي عرفها العالم العربي في السنتين الأخيرتين هامة على نحو سيجعلها تفرز ما
أسماه «العالم العربي الجديد». ورغم أن هذا العالم لا يزال قيد التشكل، حتى طرح كتاب بوشارد «العالم العربي الجديد: رهانات واضطرابات» في المكتبات، فإن الجامعي الفرنسي لخص أبرز ملامح العالم الجديد في حدود تغيرات هامة في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة العربية، مع اضمحلال تأثير قوى تقليدية في صناعة القرار بالمنطقة، ضمنها مصر، ودخول قوى جديدة على الخط، ذكر منها بالأساس قطر وتركيا، في انتظار اتضاح باقي معالم الصورة الجديدة للمنطقة العربية.
مر أزيد من سنتين على بداية ما اصطلح على تسميته ب«الربيع العربي»، الذي أحدث ثورة حقيقية في أكثر من دولة عربية، والخبراء يؤكدون أن بلدانا أخرى أخذ فيها التغيير مكانه في لائحة انتظار، وقد تصلها رياح الربيع العربي في أي وقت.
ومن هؤلاء الخبراء المصرين على تأكيد عدم انتهاء الربيع العربي إلى حدود الساعة، دنيس بوشارد، الرئيس السابق لمعهد العالم العربي بباريس، الذي يعتقد بأن هذا الربيع لم يبح بعد بجميع أسراره.
ويذهب بوشارد، الذي خبر العمل الدبلوماسي في عدد من الدول التي قاد بها البعثات الدبلوماسية الفرنسية، بعيدا في تحليله للأحداث التي عرفها العالم العربي في السنتين الماضيتين. وقد أجمل خلاصات بحثه ومعرفته بالعرب عبر نافذة معهد العالم العربي بباريس في كتاب أصدره السنة الماضية تحت عنوان «العالم العربي الجديد: رهانات واضطرابات».
يعود هذا الكتاب إلى جذور الربيع العربي، ويفصل في الأسباب التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أفضت إلى بروز هذه الثورات في المنطقة العربية. اعتمد الكتاب أيضا قراءة جديدة للوضع في العالم العربي ندر مثلها في كتب الغربيين عن العرب، وفق كاتبه. وتتمثل هذه المقاربة بالأساس في الاستدلال بوثائق صادرة عن الدول موضوع الدراسة، وليس الاكتفاء بالمتداول دوليا عن أوضاعها.
وبعد الأسباب، ينتقل بوشارد إلى دراسة المتحول والثابت في مواقع الفاعلين الدوليين التاريخيين في هذه المنطقة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يرصد التحولات التي أحدثها الربيع العربي في علاقات العرب بالغرب بشكل عام، دون إغفال الدول التي دخلت بقوة على خط الأحداث، خصوصا قطر وتركيا، اللتين نجحتا في ضمان موطئ قدم في المنطقة. كما أفلحت الدوحة وأنقرة في التأثير في مجرى الأحداث في أكثر من مناسبة.
الربيع العربي
مفاجأة
يعتبر دنيس بوشارد الربيع العربي مفاجأة في حد ذاته، رغم أنه يسلم بوجود عوامل كانت تنبئ بقرب حدوث تحولات في المنطقة، لكن لا أحد، وفقه، توقع أن تأتي بتلك الطريقة أو تنجم عن ثورة تمتد رياحها إلى أكثر من دولة. بالنسبة إلى بوشارد، برز أول إرهاصات ما سمي في وقت لاحق ب»الربيع العربي» في مستهل الألفية الثالثة.
وتتمثل أبرز هذه الإرهاصات في سيادة الدكتاتورية وتدني مؤشرات احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، إضافة إلى فشل العديد من الدول العربية في إنجاز إقلاع اقتصادي يجعل اقتصادياتها الهشة في مأمن من الأزمات المتعاقبة.
مفاجآت الربيع العربي لا تقف عند كسر أفق توقعات الغرب بعدم إمكانية اندلاع ثورات في العالم العربي في المدى القريب، بل تشمل أيضا نتائجه وتداعياته، سواء على الدول العربية أو شركائها الأساسيين، والفاعلين التاريخيين في المنطقة.
وفي هذا الإطار، يؤكد بوشارد عدم إمكانية التنبؤ بما سيفرزه الربيع العربي من تغيرات في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة على اعتبار أن العديد من الدول المعنية بهذا الربيع لا تزال تعيش على إيقاعات الاضطرابات، كما أن الأنظمة السياسية الفتية التي أرسيت بها بعد الإطاحة بالأنظمة السابقة لا تزال غير قادرة على السيطرة على الأوضاع العامة.
ومع ذلك، يجزم الرئيس السابق لمعهد العالم العربي بباريس بصعوبة التنبؤ بالخريطة الجيوسياسية ل»العالم العربي الجديد». فالمنطقة لا تزال تعرف اضطرابات، وينتظر أن تشهد المزيد منها في الأشهر القادمة. كما يبدو أن دول الربيع تحتاج إلى مهلة سنوات لإرساء قواعد أنظمة ما بعد الثورة، خصوصا في تونس ومصر، رغم أن القائمة تتضمن أيضا اليمن وسوريا. ولا يستبعد كتاب «العالم العربي الجديد» أن تشهد بعض الدول عمليات تحوير للثورة، ليخلص إلى أن المنطقة تجتاز ظرفية صعبة تلزمها كسب رهان التحديات التي تواجهها لكي يكون «العالم العربي الجديد» أفضل من سابقه.
وتكتسي أبرز هذه التحديات، حسب بوشارد، طابعا سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا. كما أن آمالا كثيرة تعقد، من قبل مواطني دول الربيع، على الأنظمة الجديدة والقوى السياسية الصاعدة للسلطة على أنقاض الأنظمة السابقة، في تحقيق «حلم» الاستقرار السياسي، والإقلاع الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية، إضافة إلى الأمن.
إكراهات العالم
العربي الجديد
ثمة عراقيل عدة تقف في وجه تشكل «العالم العربي الجديد» يجملها بوشارد في عدم استقرار الأوضاع في كثير من دول المنطقة. «فالصراع العربي الإسرائيلي لا يزال مستمرا بعد 60 سنة من النزاع، والعراق بلد منكوب، ولبنان على شفير حرب طائفية، واليمن مهدد من جديد بالانقسام.
يعترض تشكل «العالم العربي الجديد» كذلك حاجز هام يتجسد في عدم إلمام الدول الغربية بالمنطقة، وجهل كثير من الدول الغربية الفاعلة في المنطقة حقيقة ما يحدث في العالم العربي. ذلك أن صورة العرب في المخيال الغربي تحكمها «أحكام مسبقة وتصورات سلبية معظمها لا أساس له من الصحة، مما يزكي سوء الفهم الغربي للربيع العربي».
الملاحظ أن السلوك السياسي الغربي تجاه «العالم العربي الجديد» ينقسم إلى شقين أساسيين. يتمثل أولهما، وهو الأكثر تداولا في وسائل الإعلام، في إبراز أمل الغرب في احترام الديمقراطية «النظام العربي الجديد»، في حين يركز الشق الثاني على الدفاع عن مصالح الدول الغربية، وما أكثرها في المنطقة.
وفي هذا السياق، ينبه بوشارد إلى أن العرب، بوسعهم حاليا، الإسهام في بروز معطيات جديدة في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، بل قد يستطيعون فرضها على أرض الواقع، خصوصا أن هذه الخريطة نفسها لم تستقر على حال منذ بضع سنوات، خصوصا في بلاد الرافدين وبلدان الهلال الخصيب.
غير أن العرب، على اختلافهم، والغربيين ليسوا الوحيدين الساعين إلى التأثير في مجرى الأحداث وجعلها تصب في مصلحتهم ما أمكن ذلك، بل أتاحت الأحداث الأخيرة التي عرفتها المنطقة الفرصة لفاعلين آخرين للدخول على خط التأثير في توجيه مسار هذه الأحداث. فقد اكتسبت قوى الإسلام السياسي قوة أكبر في «العالم العربي الجديد»، وباتت دول أخرى مثل إيران وقطر وتركيا، وحتى الصين والبرازيل تنافس الدول الغربية، وكذلك روسيا في التأثير على الخريطة السياسية والاقتصادية للمنطقة العربية.
امتحان الإسلاميين
يرى دنيس بوشارد بأن الحركات الإسلامية في الوطن العربي صارت، بعد الربيع العربي، مخاطبا لا محيد عنه لأي قوة راغبة في التأثير في العالم العربي الجديد. وقد أصبحت هذه التيارات تستند في أكثر من دولة عربية، خصوصا في مصر، على شرعية ديمقراطية استمدتها من انتخابات حظيت نزاهتها بإجماع عالمي. فقد آل الفوز في جميع الاستحقاقات الانتخابية، التي أجريت في الدول العربية في زمن الربيع العربي، إلى التيارات الإسلامية، كما هو الشأن بالنسبة لتونس ومصر والمغرب والكويت. وحدها الجزائر شكلت الاستثناء، وفشل إسلاميوها في مواصلة مسلسل الانتصارات التي حققها إسلاميو الدول سالفة الذكر. وبعيدا عن مضمون الكتاب، يجزم بوشارد، في أحد تصريحاته الصحافية، بأن إسلاميي الجزائر كان بوسعهم الظفر بتلك الانتخابات.
بيد أن كتاب «العالم العربي الجديد» لا يتوقف فقط عند حالات النصر المحققة من قبل الإسلاميين في انتخابات الربيع العربي. فالكتاب يعود أزيد من ست سنوات إلى الوراء، وتحديدا إلى سنة 2006، حين حققت حركة المقاومة الإسلامية حماس فوزا كاسحا في أول انتخابات تشريعية تشارك فيها في تاريخها. ومن هذا المنطلق، يصير فوز الإسلاميين بالانتخابات الأخيرة التي أجريت في «العالم العربي الجديد»، باستثناء الجزائر، معطى بديهيا على اعتبار أن الحركات الإسلامية تظهر في الوقت الراهن في صورة الفاعل السياسي الأكثر شرعية والبديل الأكثر مصداقية لقيادة البلاد خلفا للأنظمة المنهارة أو المطاح بها.
وانطلاقا من تاريخ الحركات الإسلامية العصرية، يستبعد بوشارد أن يعمد الإسلاميون الموجودون في الحكم إلى فرض تطبيق الشريعة الإسلامية. ويؤكد الكاتب نفسه بأن للأحزاب السياسية الحاكمة حاليا في أكثر من دولة عربية نفسا براغماتيا جعلها أكثر وعيا بضرورة الحكم في إطار توافقات مع باقي القوى السياسية لوجوب التصدي لمشاكل راهنية، خاصة القضايا الاقتصادية. أكثر من ذلك، يتعين على القوى السياسية الصاعدة في «العالم العربي الجديد» أن تبادر إلى طمأنة السياح، لاسيما أن السياحة تشكل بالنسبة لبعضها أبرز مصادر العملة الصعبة على الإطلاق، والشيء نفسه ينطبق على المستثمرين الأجانب، ونفي السعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية يعتبر بدون شك إحدى أهم رسائل الطمأنة المطلوبة في الظرفية الراهنة.
ويرى الكاتب أيضا أن الإسلاميين واعون كذلك بالعواقب الوخيمة التي قد تنجم عن فشلهم في إدارة المرحلة الدقيقة التي يمر منها العالم العربي، خصوصا على موقع أحزابهم وهيئاتهم في المجتمعات العربية. إذ يؤكد بوشارد أن الفشل يعني تلقائيا القضاء على المصداقية التي تتمتع بها التيارات الإسلامية حاليا، وقد ينقلب التصويت المكثف لصالحهم في الانتخابات الأخيرة إلى فشل ذريع في الاستحقاقات الانتخابية في حالة ما أخفقوا في إدارة هذه المرحلة أو أساؤوا تقدير التحديات المطروحة عليهم. «هذا زمن الإسلاميين» يقول بوشارد، في حوار صحافي، متحدثا عن موقع الإسلاميين في «العالم العربي الجديد»، قبل أن ينبه إلى أن «هذا الوضع قد لا يستمر طويلا».
فاعلون جدد
لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية الفاعل الدولي الرئيس في المنطقة العربية. ذلك أن «العالم العربي الجديد» فتح أبواب التأثير في مجرى الأحداث التي تعرفها المنطقة أمام قوى دولية جديدة، يذكر منها بوشارد قطر وتركيا، وبشكل أقل أهمية الصين والهند والبرازيل. ومن هذا المنطلق، اتسعت قائمة الدول ذات التأثير الاستراتيجي في المنطقة، مما يفرض على الدول الغربية، ومنها بلاده فرنسا، بذل مجهودات إضافية للحفاظ على ريادتها في التأثير في القضايا الاستراتيجية المطروحة على أجندة «العالم العربي الجديد». غير أن بوشارد ركز بالأساس على قوتين اثنتين، هما: قطر وتركيا.
لا يخفي بوشارد في كتابه «العالم العربي الجديد» إعجابه بالأسلوب الذي انتقلت به قطر من لعب دور الوسيط المقترح حلولا للمصالحة بين أطراف الصراع في دول الربيع العربي إلى الاضطلاع بدور نشيط بهدف إنجاح ثورات هذا الربيع، وقد برز الدور القطري بشكل جلي في مصر وتونس.
وبالنسبة إلى بوشارد، فقد استفادت قطر، الإمارة الخليجية صغيرة الحجم كبيرة التأثير في العالم العربي، من اضمحلال تأثير القوى العربية الكبرى، خاصة مصر والعراق وسوريا. مصر تتغير والعراق أنهكته سنوات عدة من الحرب، وسوريا في طريقها نحو التغيير. وعموما، أثرت الاضطرابات التي عرفتها هذه الدول الثلاث، مما انعكس سلبا على حضورها الدبلوماسي في المنطقة وقلص تأثيرها في توجيه الأحداث في العالم العربي الجديد.
وفوق ذلك، عبرت السلطات القطرية، علانية، عن إرادة وعزيمة قويتين من أجل الإسهام في إنجاح ثورات الربيع العربي، وبدا هذا الأمر جليا، كما سلف الذكر، في تونس ومصر. والمثير، حسب بوشارد، أن الإرادة والعزيمة المعبر عنهما من قبل قطر يوازيها وعي تام بضعف وهشاشة الإمارة الصغيرة، التي لا يتجاوز تعداد سكانها سكان المقاطعة الخامسة عشرة بالعاصمة الفرنسية باريس، تجاه الأحداث التي يعرفها العالم العربي. ويفسر هذا الوعي الطريقة التي تعاملت بها قطر، مع الاحتجاجات التي عرفتها دولة البحرين المجاورة لها. وتتوفر هذه الإمارة الخليجية على وسائل مالية تمكنها من الحضور بقوة في مسار الأحداث بالعالم العربي الجديد، إضافة إلى ذراع إعلامي شديد التأثير يتجسد في «قناة الجزيرة». غير أن الوجود القطري بات محط احتجاج، بل تنديد في الآونة الأخيرة، لاسيما في تونس وليبيا. ومع ذلك، يتوقع مؤلف هذا الكتاب أن تواصل هذه الإمارة الصغيرة لعب دور هام في الخريطة الجيوسياسية للعالم العربي الجديد مدة طويلة.
إلى جانب قطر، تعتبر تركيا الوافد الجديد الأبرز إلى عالم السياسة في المنطقة العربية. ويصنفها دنيس بوشارد في طليعة القوى المستفيدة من «الربيع العربي».
فبعد عقود من الغياب عن ساحة الأحداث في الوطن العربي، تعود تركيا بمناسبة الربيع العربي إلى التأثير بقوة في رسم معالم الخريطة الجيوسياسية الجديدة للمنطقة. ويقف الكتاب عند الزيارة التي قام بها رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، في السنة قبل الماضية، إلى بعض دول الربيع العربي. وكان لافتا، وفق الكتاب، إقدامه على تقديم بلاده تركيا كنموذج يمكن لتلك الدول أن تقتفي أثره، خصوصا في مجال التوفيق بين الديمقراطية والإسلام والحداثة.
غير أن أنقرة أبدت قلقا حيال اضطراب الأوضاع في سوريا على اعتبار الحدود المشتركة بينهما، إضافة إلى نشاط عناصر الحزب الكردستاني المعارض على طول هذه الحدود. وسرعان ما انقلب هذا القلق إلى دعم علني للثوار في سوريا.
ومقابل هذه المكتسبات الجديدة للدبلوماسية التركية، تأثرت العلاقات بين أنقرة وطهران بالمواقف التركية المعبر عنها بشأن كثير من الأحداث الجارية حاليا في العالم العربي، خصوصا موقف الأتراك من نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وعموما، يؤكد بوشارد أن تركيا ستجني، بدون شك، ثمار دخولها بقوة على خط تشكل «العالم العربي الجديد»، ولا سيما في الدول التي يوصل فيها الربيع العربي أحزابا إسلامية إلى سدة الحكم. ويمكن لأنقرة أيضا، وفق المصدر نفسه، أن تستفيد من تراجع الدور المصري، وإن كانت حدودها مع سوريا ونشاط عناصر الحزب الكردستاني التركي المعارض بها سيؤثران، بدون ريب، سلبا على هامش المناورة المتاح لها في العالم العربي الجديد.
بوشارد..مبدع «العالم العربي الجديد»
يعتبر دنيس بوشارد أحد أكبر الخبراء المتخصصين في شؤون العالم العربي بفرنسا. يشغل بوشارد حاليا منصب مستشار لدى المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ويحاضر في العديد من الجامعات الفرنسية في شعبة العلوم السياسية.
لم يخبر بوشارد العرب عبر آلية البحث الأكاديمي فقط، وإنما احتك عن قرب بأمثاله من الباحثين العرب في معهد العالم العربي بباريس حين عهد إليه برئاسته، كما جالس المسؤولين السياسيين في المنطقة.
كما خبر العمل الدبلوماسي في المنطقة العربية، حيث عين سفيرا لبلاده بالأردن قبل أن تسند إليه مسؤولية إدارة مديرية شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالخارجية الفرنسية، ثم عين رئيسا لمعهد العالم العربي بالعاصمة الفرنسية باريس.
وبعد مرور أشهر على ثورتي «الياسمين» بتونس و«الفل» بمصر، ومتابعته الربيع العربي عن كثب، قرر هذا الخبير، أخيرا، أن يصدر كتابه «العالم العربي الجديد» لبسط رؤيته للأسباب الثاوية وراء «الربيع العربي» وشرح سيناريوهات تطور الأحداث في المنطقة في السنوات القادمة.
إدريس الموساوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.