غير بعيد عن الدوار الذي يحتجز فيه فلاح أخاه لمدة 15 سنة، وتحديدا بدوار معاشات القبة التابع لجماعة أولاد حسين، لايزال الشاب مصطفى الصاغيري (48 سنة) محتجزا لأزيد من 10 سنوات داخل غرفة معزولة بمنزل أسرته. «المساء» زارت أسرة مصطفى، التي لم تنكر في تصريحاتها للجريدة احتجاز ابنها بداخل غرفة متسخة لا تتجاوز الثلاثة أمتار تتوفر على مرحاض بداخلها يقضي فيه الابن المحتجز حاجته الطبيعية منذ سنوات، الأسرة تقدم لابنها وجبات الأكل والماء والملابس عبر نافذة ضيقة جدا، في منظر مقزز، وهي النافذة التي أطل علينا منها مصطفى بابتسامة تخفي وراءها الكثير من الألم، حيث بدا أنه يسمعنا ويفهمنا ويتجاوب مع حديثنا، إلا أن أسرته أكدت أنه ذو طابع عدواني وحذرتنا من الاقتراب منه أكثر، طلبنا من مصطفى التراجع إلى الخلف فاستجاب، وطلبنا منه التقدم إلى الأمام فاستجاب بشكل يوحي بأنه شخص عاقل ويعي ما يسمع، والد مصطفى شيخ في الثمانينيات من عمره، سرد حالات الاعتداء المتكررة التي تعرض لها من طرف ابنه المحتجز «كرها»، والدته العجوز أكدت كذلك أن ابنها عدواني ولا تؤتمن مجالسته، وحكت بألم ل«المساء» كيف أن ابنها كان في حالة طبيعية حين كان يشتغل بناء بمدينة المحمدية، قبل أن يتم إخبار الأسرة من طرف بعض أصدقائه بأن أحواله لم تعد على ما يرام، فاضطروا للذهاب إلى المحمدية ونقله إلى منزله، قالت الأم إنها هي ووالده نقلاه إلى طبيب في محاولة لعلاجه لكن الأمور بقيت على حالها بل زادت سوءا، وأكدت أن عناصر الدرك والسلطات على علم تام بعملية الاحتجاز هاته وعاينوا معهم الحالة، حين أثيرت قبل بضعة أشهر من طرف إحدى وسائل الإعلام المرئية، بعدها تحركت آلة السلطة، وتم نقل مصطفى إلى قسم الأمراض النفسية بالمستشفى الإقليمي بالجديدة، إلا أنه بعد قرابة الشهر، اتصلت إدارة المستشفى بأسرته لتطلب منها الحضور لتسلم الابن، مؤكدة أنه أصبح هادئا، لكن وبمجرد نقله إلى منزله، عاد إلى عدوانيته، حيث اعتدى على والده العجوز، وتم إدخاله من جديد إلى غرفة الاحتجاز الخاصة على مرأى من الجميع. الأدوية المسكنة التي كان من المفترض أن يتناولها مصطفى، كان يعمد إلى دسها لأسرته في قارورة الماء المخصص للشرب، ما تسبب لهم أكثر من مرة في حدوث حالات دوار وغثيان، إلى الآن اكتشفوا فيما بعد أنهم يشربون ماء به مواد مخدرة. عبرت الأسرة عن رغبتها في الإفراج عن ابنها المحتجز كرها منذ قرابة العشر سنوات، لكنها بالمقابل تتخوف من عدوانيته المفاجئة غير المأمونة العواقب بالنسبة إليهم، أسرة مصطفى تعيش في بيت متهالك معزول بالدوار المذكور، حالتهم تبدو مزرية، وهو الأمر الذي أكده أخ مصطفى الذي قال إنه ترك العمل بالمدينة واضطر للبقاء إلى جانب والديه المسنين، لكن الأسرة وجهت نداء تستنجد من خلاله بوزير الصحة والهيئات الجمعوية والسلطات والمعنيين... لحمايتهم من عدوانية فلذة كبدهم وضمان عدم اعتدائه على والديه وأفراد أسرته، مقابل إطلاق سراحه. والد مصطفى قال إنه لن يطلق سراحه إلا بحضور «المخزن»، مؤكدا استعداده لتسليمه لأي جهة تتبنى علاجه لأن ظروفه المادية لا تسمح له بعرضه على الأخصائيين في الطب النفسي... حالة أسرة مصطفى تدمي القلب، وتخاطب ضمير المسؤولين الذين من المفترض أن يوفروا لأمثال هؤلاء ظروفا لائقة على الأقل أحسن من الكوخ المتسخ اللصيق بمرحاض تنبعث منه روائح كريهة، والمغلق بالأقفال، يضطر شاب كمصطفى أن ينام بداخله محتجزا، هذا إذا كان ينام بالفعل.