يعرض الفنان الفوتوغرافي المغربي، محمد مالي، آخر أعماله في المركب الثقافي سيدي بليوط، وعن هذا المعرض كتب الناقد الفني والفنان الفوتوغرافي جعفر عاقيل الورقة التالية: «إن محمد مالي كما أعرفه فنان فوتوغرافي من طينة قل نظيرها. فالرجل، إضافة إلى تحليه بسمة الإنسان الهادئ والمتواضع والمتسامح، يتميز كذلك بالصمت وبالعمل الدؤوب من أجل خدمة الفن الفوتوغرافي بالمغرب وإعطائه وضعا اعتباريا. فمحمد مالي يجمع في اهتماماته وإسهاماته بين الممارسة الإبداعية والكتابة الصحفية والتنظيم للملتقيات الفوتوغرافية داخل الوطن وخارجه؛ وكل ذلك بدرجة عالية في العطاء والتفاني والالتزام. لقد انشغل هذا الفنان العصامي والبشوش والزاهد منذ معارضه الأولى، بالإمكانات والمقاربات والاستعمالات التي من شأنها أن تطور العرض الفوتوغرافي بالمغرب تقنيا وفكريا وجماليا. وما اشتغاله الكبير والمتكرر على النور ومفرداته وتركيباته ورمزيته وأسئلته عبر مختلف محطات مسيره الفني وضمنه معرض «عتبات النور»، إلا دليلا على الاهتمامات التي يوليها مالي لهذا المكون الأساس في التعبير الفوتوغرافي عن الحالات أو الوضعيات أو الواقعات التي عودتنا كاميراته على تصويرها بدقة عالية. كما تعتبر أيضا تذكيرا ضمنيا بالتعريف الأولي للفوتوغرافيا، أي الكتابة بالضوء. ومما يزيد من قوة فوتوغرافياته وبلاغتها، اعتماده أسلوبا إقلاليا في اختيار العناصر المؤثثة لتأطيراته. إن عين محمد مالي تفوَّقت، وفي أكثر من مرة، أثناء تمثيلها لتلك الواقعات البسيطة والمكثفة في أن تثير فينا بعض الأسئلة المستفزة بخصوص معاني الموضوعات المصوَّرة وأن تحفزنا بالخصوص على التأمل والتفكير في الحس الفني الذي صورت به الأمكنة الممثلة في الصور وكذا مرجعياتها الثقافية. أي أن تخلق فينا إحساسا دفينا بقيمة المكان وتحولاته وذاكراته. لقد استطاع مالي بذكائه الإبداعي وثقافته الواسعة وحسه الطفولي وعينيه الأسيويتين الحادتين أن يحول التأطيرات التي التقطها لهذه الأمكنة (الدارالبيضاء، فگيگ، مراكش، مدينة نيم الفرنسية،...الخ) إلى تحف بصرية بامتياز. وهذا ليس صعبا على مبدعنا، ذلك أن العلاقة التي تربطه بالفوتوغرافيا علاقة قلق وبحث مستمرين عن تأطيرات بل معادلات بصرية جديدة.