حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - سبق أن قلت إن جذورك العائلية (الوالد الحبابي من أصول ريفية، والوالدة بنكيران من عائلة يهودية أسلمت) لعبت دورا مهما في اختياراتك السياسية، الاشتراكية والديمقراطية. هل يمكن قول نفس الشيء عن الزواج؟ نعم، لقد سبق أن أخبرتك كيف أن جدي «باسيدي» قرر تزويجي من ابنة عمي ثريا يوم رأت النور، وكان عمري آنئذ حوالي ثماني سنوات، بحيث بقي أبي وعمي أحمد، ومعهما كل أفراد العائلة، متشبثين بهذه «الزيجة الطفولية»، لكنني عندما ذهبت إلى فرنسا من أجل الدراسة سنة 1948 قررت الزواج من فرنسية. وإذا كان زواج أبي وأمي، الذي منحهما أطفالا بخصائص وراثية وملامح يشتركون فيها مع عدد من الإثنيات المتوسطية، قد تم بشكل عفوي، فإن زواجي أنا من أندري رولي كان مفكرا فيه، من الناحية الثقافية، لكون زوجتي تنتمي إلى ثقافة مختلفة عن ثقافتي، وأيضا من الناحية الاجتماعية والسياسية لكون والدها كان مناضلا في الحزب الاشتراكي الفرنسي، على عكس أول فتاة فرنسية تعرفت عليها والتي كانت تنحدر من عائلة نبيلة تمتلك قصرا على نهر لا لوار، وكان أخوها لا يتوانى في التباهي أمامي بالأصول العريقة لعائلته. ابني الثاني جليل، الذي يشتغل كخبير محاسب في فرنسا، وله مكتب خاص به، تزوج بدوره من فرنسية اسمها ماري، وهي من أصول مركبة، حيث إن والدها من البرتغال لكن أصوله أندلسية. وعندما التقيت بها أول مرة قالت لي: «أنا أيضا أصولي مغربية، واسم عائلتنا الأصلي عربي مسلم، وأصولنا من المنطقة العربية الفلانية، لكن بعد طرد العرب المسلمين من الأندلس وما عاشه الموريسكيون مع محاكم التفتيش، غيرت عائلتنا دينها من الإسلام إلى المسيحية». - هل مسألة الزواج من فرنسيات كانت أمرا مفكرا فيه داخل الاتحاد الاشتراكي، خصوصا وأن عددا من أبرز قادة الحزب تزوجوا من أجنبيات: اليوسفي والراضي والمالكي، وغيرهم؟ لا أظن أن هذا كان أمرا يخص الاتحاديين فحسب، فادريس السلاوي (مستشار الحسن الثاني) ومحمد الطاهري (كاتب الدولة المكلف بالتربية الوطنية في حكومة أحمد بلافريج في ماي 1958) والتهامي الوزاني (وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية في حكومة باحنيني في نونبر 1963) الذين رافقوني في الدراسة بفرنسا كلهم تزوجوا من فرنسيات، لأنهم كانوا شبابا خرجوا من بيوت عائلاتهم إلى عالم الحرية في باريس، فتغير تفكيرهم، وهذا ما حدث لي أنا أيضا، فلو أنني بقيت في المغرب لكنت تزوجت من ثريا ابنة عمي، ولكن وجودي في باريس أعطاني تفكيرا منفتحا على الآخر بما هو قيمة مضافة، بالإضافة إلى أني وقعت في غرام زوجتي أندري. وهذا الأمر كان من الممكن أن يحدث للأمير الحسن الثاني، لولا أن وضعه الاعتباري كأمير ثم كولي للعهد، وما تضعه تقاليد دار المخزن كقيود على المرشح لأن يصبح ملكا على المغاربة، حال دون اقترانه بامرأة فرنسية. - كيف ذلك؟ سأسوق لك مثالين على هذا: المثال الأول هو أنني، ما بين سنتي 1944 و1945، كنت أذهب رفقة أصدقائي، ومنهم محمد الطاهري والتهامي الوزاني، للاصطياف في إفران، وكنا نقصد مسبحا عموميا غير بعيد عن الإقامة الملكية، فكان «ولي العهد» (الحسن الثاني) يأتي إلى المسبح؛ وما زلت أتذكر أنه كان يفترش منشفة حمراء، وقد كنت فخورا به حينها. في المساء كنا نقصد مرقص إفران، غير بعيد من المسبح، لنراقص فتيات فرنسيات، أغلبهن بنات حراس سجن إفران، فكان الحسن الثاني يأتي بدوره ليرقص معنا، وكنا نتحادث ونتمازح. وأذكر أننا مرة تشابكنا بالأيدي مع شبان فرنسيين، فانسحب الحسن الثاني بهدوء وعاد إلى القصر. المثال الثاني هو أنني بعد عودتي من فرنسا في 1955 واشتغالي في ديوان أحمد رضا كديرة، دعاني ولي العهد (الحسن الثاني) في إحدى الليالي رفقة احمد رضا اكديرة إلى العشاء في إقامته في شارع الأميرات بالرباط، وكان عشاء راقصا، وانتظرنا قدوم ولي العهد قبل الشروع في الرقص، وحين جاء كان مصحوبا بممثلة فرنسية شابة اسمها تشيكا شورو وهي التي رقص ولي العهد رفقتها. بعدها، عندما أصبحت رئيسا لديوان عبد الرحيم بوعبيد، دعاني ولي العهد مولاي الحسن، أنا ومامون الطاهري (وزير المالية الأسبق) ومحمد الطاهري إلى العشاء، وقال لنا: أنا محتاج إلى أن تشتغلوا معي في الديوان، وأردف بسؤال استنكاري: لماذا تشتغلون مع عبد الرحيم وتتركوني أنا؟ وكان يقصدني أنا بالتحديد. وهنا التحق به مامون الطاهري، أما محمد الطاهري فقصة استوزاره غريبة؛ إذ ذهب في زيارة إلى صديقنا المشترك ادريس السلاوي بالقصر الملكي، حول أمر يخصهما؛ وبينما كان يتحدثان في ذلك الأمر، طلب الحسن الثاني مستشاره ادريس السلاوي، فاستأذن الأخير صديقه محمد الطاهري، وعندما عاد إليه، وكان ما يزال ينتظره في مكتبه بالديوان الملكي، قال له: الحسن الثاني يقترح عليك الوزارة، وهكذا أصبح مامون ومحمد الطاهري وزيرين، أما أنا ففضلت البقاء إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد. لقد سقت لك هذين المثالين لتعرف أننا كنا شبابا، فاجأتنا صدمة الحداثة الفرنسية، فارتمينا في أحضانها أحيانا بطريقة مفكر فيها، وحينا منساقين وراء الدهشة وإغراء أنوار التقدم والحرية.