ظهر خلال هذا الشهر تقرير جديد عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يحمل عنوان «اتجاهات عامة لعام 2030»، يحدد فيه احتمالات التطور في العالم بعد ثماني عشرة سنة من الآن في عدة مجالات، من بينها الإرهاب العالمي ومستقبل الطاقة والسباق النووي. ويرى التقرير، الذي جاء في حوالي 90 صفحة، أن الإرهاب الإسلامي يمكن أن يشهد آخر حلقاته في سنة 2030. ويعتبر هذا التقرير الرابع من نوعه، إذ دأبت وكالة المخابرات الأمريكية منذ عام 1996 على وضع تقرير شامل للاتجاهات العامة في العالم كل أربع سنوات للرئيس الأمريكي الجديد، يكون بمثابة مرشد أو خارطة طريق للإدارة الأمريكية ومصالحها المنتشرة في العالم، وقد وضع هذا التقرير الأخير بعد بدء الولاية الثانية للرئيس الديمقراطي باراك أوباما. وعزا التقرير أسباب تراجع الإرهاب الإسلامي في العالم في أفق سنة 2030، الذي تمثله شبكة تنظيم القاعدة، إلى عدة عوامل أهمها الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان، إذ أكد أن ظهور هذا النوع من الإرهاب الذي شبهه بالإرهاب اليساري المتطرف سنوات السبعينيات من القرن الماضي يرجع إلى التوسع العسكري الأمريكي في المنطقة العربية، بيد أن التقرير لم يستبعد إمكانية أن يقوم تنظيم القاعدة بتدبير بعض العمليات الإرهابية على المدى القصير، مضيفا أن الخبراء لفتوا إلى أن تنظيما مثل عصابة «بادر ماينهوف» في ألمانيا تمكن من الإيذاء في السبعينيات مع أنه كان يواجه نوعا من الصعوبات التي تواجهها القاعدة اليوم. وتابع التقرير أنه «من المرجح أن تصدر مخاطر أكثر جدية من حركات متفرعة من القاعدة أو أنواع أخرى من حركات إرهابية إسلامية»، و«قد يأتي إرهابيون، عبر تبنيهم أفقا أكثر شمولية، من ديانات أخرى بينها المسيحية والهندوسية».لكن التقرير في نفس الوقت قال إن استمرار النزاع العربي الإسرائيلي سيبقى السبب الوحيد الذي يمكن أن يغذي شعور الغضب تجاه السياسة الأمريكية في العالم العربي والإسلامي. ويرى التقرير أيضا أنه من بين السيناريوهات التي يمكن التعامل معها فيما يتعلق بمخاطر التطرف الإسلامي أن تأثير المتطرفين الإسلاميين في باكستان وكذا جماعة طالبان في أفغانستان يمكن أن يزداد، ويشير التقرير إلى إمكانية التقارب بين الإسلاميين والجيش في باكستان، حيث يؤكد أنه كلما اتجهت باكستان نحو الإسلام كلما أصبحت المؤسسة العسكرية أكثر إسلامية. ويتنبأ التقرير باستمرار حالة الانقسام وعدم الاستقرار في عدة بلدان عربية بسبب التداخل بين الإسلام والنزعة القبلية والطائفية، مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا. وبخصوص الإسلام المعتدل قال التقرير إنه سيستولي على السلطة بشكل تدريجي، فبعد «الخطوة الخطأ» التي حصلت عام 1991 في الجزائر أثناء مشاركة جبهة الإنقاذ الإسلامية السابقة في الانتخابات بدأ الإسلام السياسي يسير نحو الاستيلاء على الحكم في البلدان السنية، مستدلا على ذلك بحزب العدالة والتنمية في تركيا وحزب الحرية والعدالة في مصر وحركة النهضة في تونس وحركة حماس في قطاع غزة والفوز المحتمل للإسلاميين في ليبيا وسوريا، بيد أن التقرير يؤكد على أنه إذا كان الإسلاميون الذين وصلوا إلى الحكم اليوم بعد الربيع العربي قد اتخذوا مبادرات»شعبوية» مثل دعم المواد الأكثر استهلاكية فإن هذه السياسات لن تستمر طويلا، إذ أن البراغماتية ستنتصر في النهاية على الإيديولوجيا، بسبب تنامي المجتمع المدني الذي سينجب نخبة جديدة كانت الأنظمة السابقة قد خنقتها. ولم يقفز التقرير على أوضاع الملكيات في العالم العربي، كما خصص حيزا لا بأس به للوضع في الخليج ولمآل الصراع بين السنة والشيعة في المنطقة ومستقبل الزعامة الإيرانية. وقال إنه إذا كانت الملكيات الخليجية المجتمعة في مجلس التعاون الخليجي، «نادي الأغنياء»، قد تمكنت من تجاوز مخاطر الربيع العربي، فإن الأكثر استفادة من هذه السياسة هما الملكيتان في المغرب والأردن، اللتان وصفهما التقرير أيضا ب«الملكيات السنية الأكثر هشاشة».