لن يمر انتخاب إدريس لشكر على رأس الاتحاد الاشتراكي مرور الكرام، وما ينبغي له؛ فالحدث ليس بسيطا، كل البساطة، حتى وإن كان متوقعا على أكثر من صعيد، بالنسبة إلى من يعرف، عن قرب، طبيعة اشتغال الآلة الاتحادية العتيدة التي تعمل في لحظات الحسم بقوة جبارة تأتي على الأخضر واليابس ولا توفر الصديق من العدو. لكن الأكيد هو أن لشكر، الوجه القيادي البارز والصقر الذي كان يتصدر معارك الحزب ويصنع «ملاحمه» في الصحافة وفي الحياة التنظيمية ومع الخصوم، هو رجل محنك، وتجربته وتدرجه في حزب الوردة، لم يكن مسارا سهلا في وقت كان فيه الاتحاد يفرز حزمة من القيادات من الصف الثاني، كلها تتوثب من أجل القفز إلى المقدمة. بعض هذه القيادات اعتورها مسار الطريق وزاغت بها السبل، والبعض الآخر منها انشق وهاجر إلى أرض الله الواسعة، وآخرون -وهم كثر- من العائلة الاتحادية انتهوا إلى زوايا النسيان أو اختاروها عن طواعية بعدما رأوا أن «القيم» الكبرى التي تأسس عليها الحزب أصبحت رقما في بورصة السباق نحو السلطة والتوزير. وقليلة هي القيادات الشابة في فترة السبعينيات التي استطاعت أن تمضي بثبات، شاقة طريقها رغم الظروف المريرة التي عرفها الحزب، إذ تعرض الأخير لضربات موجعة وقاصمة، سواء وهو في المعارضة أو وهو في السلطة.. ومن هؤلاء «الشباب» الذين انسلخوا عن الشبيبة مبكرا الكاتب الأول الجديد للحزب إدريس لشكر. لا يجب أن يغيب عن الأذهان أن لشكر كان بصدد إنجاز أكبر تربيط في الحياة السياسية المغربية قبل الانتخابات التشريعية بفترة وجيزة، وعلى مرمى حجر من الربيع المغربي، مع معادلة حزبية أخرى، وهي حزب العدالة والتنمية، كان ينظر إليها على أنها معادلة مستحيلة في مناخ سياسي مغربي غالبا ما كان يجري تنزيل خرائطه السياسية من فوق. وبدا التنسيق الذي يقوده لشكر في ذلك الوقت، مع العدالة والتنمية، وهو في موقع المسؤولية الحكومية في حكومة عباس الفاسي، وكأنه نوع من «الترفيه السياسي» لا غير، حتى إن الاتحاديين نظروا إلى هذه المبادرة على أنها قفزة في الهواء لن يكتب لها النجاح. لكن الأحداث جرت سريعا تحت جسر السياسة، وجاء «الربيع المغربي» وحمل حزب العدالة والتنمية إلى سدة التدبير الحكومي، لذلك كان أول شيء فعله عبد الإله بنكيران، وهو بصدد إجراء مشاوراته مع الأحزاب السياسية، هو تقديم عرض مغر للاتحاد؛ لكن الصراع السياسي داخل حزب الوردة كان قد استبق رغبة بنكيران، حيث أعلنت القيادة الاتحادية موقفها الرسمي بعدم المشاركة في حكومة بنكيران، لتخرج إلى حلبة المعارضة. لو كان لشكر على رأس الحزب في تلك الفترة لدفع، ربما، بقوة في اتجاه تحقيق حلمه، وهو العمل جنبا إلى جنب مع حزب العدالة والتنمية، هذا العمل الذي ترجم قبلا في التنسيقات المشتركة بين الحزبين في المجالس البلدية وعموديات بعض المدن، كما حدث في عمودية الرباط. لشكر «حيوان سياسي»، يقول دائما إن عدو رجل السياسة هو الانفعال، وهو اليوم ينظر إلى غضبات زملائه في الحزب على أنها رد فعل متوقع، ففي نهاية كل مؤتمر وطني لحزب عبد الرحيم بوعبيد يخرج غاضبون، يجمدون أنفسهم لفترة أو يستحلون التجميد فلا يخرجون أبدا من الثلاجة، وآخرون يتذكرون العمل القاعدي ويعودون إلى تأسيس جمعيات ومنتديات ضمانا للرفاهية السياسية و»لتقاعد مريح» لا يعصف بالرصيد، وهناك من يظهر ويختفي مثل «ثعلب زفزاف»، بحسب ضرورات المرحلة وموازين القوى. وفي كل ذلك، عرف إدريس لشكر كيف يستفيد من انفعال المنفعلين وغضب الغاضبين وثلاجة المجمدين، إن كل ذلك يصب في مصلحة السياسي المحنك، رجل السياسية اليومي، الذي إذا لم يجد شيئا يفعله قشر البرتقالة في انتظار تقشير البصل.