كان التساهل في إجراءات منح القروض، بل وعدم الحصول على أي وثيقة رسمية كضمانة لمنح السلفات، أولَ خيوط الحكاية التي نسجت بعضها البعض لتُوقِع بمدير وكالة بنكية في العاصمة الرباط في ورطة حقيقية ليكون مصيره السجن، بعدما رفض المقترِضون أداءَ ما في ذممهم. وهكذا قضت المحكمة، في منتصف شتنبر الماضي، على مدير الوكالة البنكية ب«سنتين اثنتين حبسا، في حدود سنة ونصف حبسا وموقوفة في الباقي، مع تحميله الصّائرَ والإجبار في الأدنى، وبأدء المتّهَم لفائدة الطرف المدنيّ تعويضا مدنيا قدْره 3 ملايين و578 ألفا و258 درهما (حوالي 360 مليونَ سنتيم). وجاء في تفاصيل القضية أن لجنة من الإدارة المركزية للمؤسسة البنكية خلصت في افتحاص داخلي أنجزته إلى أنّ المتهم عمد إلى منح قروض دون احترام الضوابط القانونية المعمول بها في هذا المضمار، والمتمثلة في أداء الزبناء شواهدَ الأجر وشواهد العمل ونسخة من بطاقات تعريفهم الوطنية، كما أن الحساب البنكي لبعض المستفيدين لا يتوفر على شرط الأقدمية، المُحدَّدة في ثلاثة أشهر. وقد صرح مستفيد من قرض قدره 15 مليون سنتيم أن أحد الوسطاء توسط له بمقابل ماليّ، حيث سلّمه نسخة من بطاقة التعريف الوطنية فقط، وقام بتوجيهه نحو مدير الوكالة البنكية، الذي سلم للمستفيد من القرض بعضَ الوثائق ليوقع عليها دون أن يعرف محتواها.. كما أكد شخص آخر أمام قاضي التحقيق أنه استفاد من قرض بنكيّ بمبلغ 15 مليون سنتيم في نفس الوكالة البنكية، بعدما توسط له أحد الوسطاء، حيث سلّم نسخة من بطاقة التعريف الوطنية فقط دون أي وثيقة أخرى، وبعد مرور 10 أيام تقريبا حصل على القرض، إذ منح الوسيطَ هاتفا كجكولا كهدية مقابل وساطته، التي جعلته يستفيد من القرْض رغم عدم توفره على حساب لدى الوكالة البنكية.. وفي المنحى ذاته صرح شخص آخر أنه استفاد من قرض قدره 15 مليون سنتيم من نفس الوكالة، عبر وسيط سلمه مبلغ 18000 درهم مقابل وساطته في ذلك، موضحا أن هذا الأخير صرّح له أنه سيسلم المبلغ إلى مدير الوكالة البنكية، وأنه عندما توجه عند مدير الوكالة وأشعره بكونه مُرسَلا من طرف الوسيط أدلى له فقط بنسخة بطاقة التعريف الوطنية فقام المدير بتسليمه عقد القرض، ومباشرة بعد ذلك تسلم مبلغ القرض بكامله. وقد أكد المسؤول عن الافتحاص أنه مديرية المؤسسة البنكية كلّفته بإجراء عملية افتحاص ملفات القروض لدى الوكالة المعنية، ففوجئ بوجود 76 ملفا تتعلق بقروض تخص 76 زبونا لا تستوفي الشروط الواجب اتباعها في ملف القرض، كما أن هناك 60 زبونا استفادوا من مبلغ القرض المحدَّد في مبلغ 15 مليون سنتيم، وهو المبلغ الأقصى الذي يمكن تسليمه في إطار شراكة مع إحدى الشركات. ولاحظت اللجنة المكلفة بالافتحاص أن قروضا مُنحتْ رغم أن ملفات القرض لا تتوفر على بيان الأداء والالتزام بتحويل الأجر، وأنّ سبعة ملفات لا تتضمن نسخ من البطاقات الوطنية للتعريف، ولا تتضمن ما يثبت العمل أو الدخل، إضافة إلى وجود بعض نسخٍ لبطاقات تعريف وطنية منتهية الصلاحية.. كما أن الشركة التي تربطها بالمؤسسة البنكية علاقة شراكة تشترط عليها أن تقوم في اليوم الذي منحت فيه القرض بتزويدها بالوثائق الأصلية للملف، مع احتفاظها بالصور الشمسية.. إلا أنه شاب هذه العملية التأخيرُ والتماطل لما يناهز 4 أو 5 أشهر، حيث توضح أن المتّهَم كان يجمع الملفات ويضعها في دولاب خاص.. وبعد تغييره برئيس آخر تم العثور على الملفات التي لم يكن مؤشرا على العقود الموجودة فيها، رغم أن المستفيدين توصلوا بالقروض، وهو ما دفع الرئيس الجديدَ إلى مطالبة المدير السابق بتوقيع تلك العقود قبل إرسالها إلى الشركة. وحسب الخبرة التي أنجِزت، فإن القروض الممنوحة من طرف الشركة تُحوَّل مباشرة إلى حساب طالب القرض، كما كانت هناك بعض الملفات لا تحتوي على جميع الوثائق، لكن المتهم صرح أنه حين غادر المؤسسة البنكية سلّم جميع الملفات إلى المدير الجديد وأن بعض الديون تعرف عدم سداد جزئيّ، والتي تقدَّر، أصلا وفائدة، ب3 مليون و578 ألفا و258 درهما. كما خلص تقرير الخبرة المضادة والتكميلية إلى أن المتهم كان يتوفر على كلمة السر وأنه كان يضمّن المعلومات في النظام المعلومياتي ويتأكد من كون الوثائق قد وُقّعت، كما أنه هو من كان يضغط على الخانة المخصصة بتحويل القروض.. واعتبرت المحكمة أن المتهم، ومن خلال السلطات التي يملكها بحكم وظيفته، قام بتمكين الغير من الاستيلاء على مبالغ مالية والتصرف فيها دون وجه حقّ. وقد أخذ المتهم لبوس الموظف العمومي طبقا لمقتضيات القانون الجنائي، حيث تبيّنَ للمحكمة أن الدور الرئيسي للبنك الذي يشتغل فيه المتهم هو تحقيق النفع العام عن طريق القرض من خلال الحرص في نشاطه على تنمية دور المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وأن للمتّهَم من الخصائص والصفات ما يجعله يحقق مصلحة ذات نفع عام.
منير فناني: ضعف المعرفة القانونية للأطر البنكية يؤدي إلى أخطاء خطيرة - ما هو تقييمك لمنظومة مراقبة البنك المركزي لفروعه والأطر المشتغلة لديه؟ في كثير من الأحيان يعتقد الإطار البنكيّ أنه يقوم بإجراءات تساهم في الرفع من مدخول الوكالة التي يشتغل فيها، وبالتالي فإن البنك المركزي عندما يجد أن هناك ارتفاعا في الأرباح لا ينتبه إلى بعض الاختلالات، ولا يقف عليها إلا عندما يرفض بعض الزبناء أداء ما في ذمتهم من قروض، مثلا. وبالتالي فحتى منظومة مراقبة البنوك المركزية على البنوك التابعة لها ليست مُفعَّلة بشكل جيّد، مما يساهم في ارتكاب أخطاء واختلالات خطيرة، لأن الإطار البنكيَّ يجد نفسه يرتكب أخطاء لكنها تتحول في مخيلته إلى عمليات قانونية، لغياب مراقبة ورد فعل البنك المركزيّ. - ما هي القوانين التي تنظم القطاع البنكيَّ في المغرب؟ إلى حد الآن ليست هناك مدونة جامعة للقانون البنكيّ، لكنه على مستوى الممارسة تنظمه مدونة التجارة وقانون مؤسسات الائتمان والنظام الأساسي لبنك المغربي، وأيضا قانون حماية المستهلك. فهناك مجموعة من القوانين، لكن هذا الشتات لا يوفر الأمن القانونيّ. فإذا أردنا أن يكون الإطار القانوني على إلمام بالنصوص القانونية فإنه يجب تجاوز التضارب الحاصل بين القوانين وألا يكون هناك ازدواج في التشريع.. وحتى قرارات والي بنك المغرب تبقى إلزامية طبقا لقانون مؤسسات الائتمان. وهنا أسرد مثال دورية لوالي بنك المغرب تتعلق بالديون المتعثرة، والتي تم تعديلها في 2004، وأعطت تضاربا كبيرا في العمل القضائيّ.. لكن والي بنك المغرب أعطى تفسيرا آخر، حيث قال إن هذه الدورية داخلية وتهُمّ السلطة الأبوية لوالي بنك المغرب على المؤسسات البنكية، ولا تهم تعامل هذه المؤسسات مع الزبناء، وبالتالي لا يمكن تطبيقها عليهم. - ماذا عن نزاعات الشغل الناتجة عن الفصل من العمل بسبب الأخطاء البنكية؟ في بعض الأحيان يتم فصل الإطار أو المسؤول البنكيّ عن العمل ويتم منحه تعويضات بسيطة، وبالتالي يلجأ إلى المحكمة لطلب تعويضاته الناتجة عن الفصل التعسفي، لكنّ نشر القرارت الصادرة عن المحاكم غير موجود، خاصة في دعاوى المسؤولية، فالمؤسسة تحاول الوصول إلى اتفاق مع صاحب المسؤولية للحفاظ على سمعتها، وبالتالي مازال هناك نوع من التعتيم على مثل هذه القرارات.. وهناك كتاب للأستاذ عز الدين برادة يجمع مجموعة من الأخطاء التي ترتكبها الأبناك، ومن بينها طريقة احتساب الفوائد. يقول الأستاذ برادة إن الفوائد -حسب قانون الالتزامات والعقود- تُحتسَب حسب السنة العادية التي هي 365 يوما، في الوقت الذي تقوم الأبناك باحتساب الفائدة حسب السنة البنكية، التي لا تتجاوز 360 يوما. محام في هيأة الرباط