قرّر عشرات المهاجرين الأفارقة غير القانونيين، اللجوء، مرة أخرى، إلى غابات بليونش، على مشارف مدينة سبتة السليبة، وقرب مدينة القصر الصغير، في محاولة منهم تفادي عمليات المطاردات الأخيرة التي تقوم بها السلطات العمومية بهدف ترحيلهم إلى الحدود مع الجزائر ولصدّ محاولاتهم التسلل إلى مدينة سبتة. ويعاني هؤلاء من أوضاع صحية متدهورة في الأحراش، خصوصا بعد التساقطات المطرية الأخيرة التي تعرفها المنطقة وموجة البرد القارس، فيما يوجد بينهم نساء وبعض الأطفال الصغار، الذين يعانون من سوء التغذية وبعض الآلام والأوجاع نتيجة تقلّب أحوال الطقس. والتحق مهاجرون من نيجيريا والسينغال والكامرون، ومالي والكونغو وليبيريا وساحل العاج وتشاد، والصومال مؤخرا بمخيمين في منطقتي «البيوت» و«بليونش» في منخفض غابويّ على بعد أقلَّ من ساعة عن النقطة الحدودية لمدينة سبتة. وقد انتقل هؤلاء المهاجرون نحو هذه المناطق بعدما تحوّلت منطقة «غابة بليونش» إلى ثكنة عسكرية قبل سنوات. وإذا كانت «المساء» قد التقت لأول مرة بمهاجرين من والصومال، فإن باقي المهاجرين هم أنفسهم من الذين كانوا لم ينجحوا خلال المحاولات الأخيرة في التسلل إلى سبتة، وجرى ترحيل بعضهم إلى الحدود مع الجزائر في مدينة وجدة، لكنهم عادوا مرة أخرى، قاطعين مسافة 600 كيلومتر مشيا على الأقدام. وعندما سألناهم عن سبب إصرارهم على المجازفة بحياتهم، سواء عبر السياج الحدوديّ أو عبر البحر سباحة، فإن هؤلاء المهاجرين والمهاجرات ينفون ذلك، قائلين إنهم قضوا أكثر من ستّ سنوات من الانتظار وتحيُّن الفرصة ولم يعد لديهم ما يخسرونه.. «منذ عمليات الترحيل الأخيرة من طرف السلطات العمومية المغربية قررنا أن نكون أكثرَ حذرا واتخاذا للاحتياطات، ولن نحاول اجتياز السياج الحدوديّ لمدينة سبتة إلا بعد أن تصلنا مكالمة هاتفية من طرف بعض رفاقنا المرابطين هناك تُشعرنا بالتعجيل بذلك»، يقول «موسى»، وهو مهاجر من مالي. وقد حدّد موسى، الذي يعيش بين غابة وأخرى منذ سنتين ونصف، هو وأصدقاؤه، أجَل سنة على أكبر تقدير لتحقيق طموحهم في الهجرة إلى إسبانيا عبر حدود مدينة سبتة، «لكنّ الانتظار طال أكثر»، حسب قوله. فالمعطيات الأخرى التي استقيناها من منظمة «أطباء بلا حدود»، تفيد أن 70 في المائة من هؤلاء المهاجرين قدِموا عن طريق مدينة وجدة، بعد عبور الصحراء التي تفصل مالي والنيجر عن طريق الجزائر، ولم تكن لأغلبيتهم أي فكرة عن الصعوبات التي ستعترضهم في هذه «الرحلة» ولا عن السياسات الأوربية في مجال الهجرة، والتي تضغط على المغرب بشكل كبير من أجل أداء دور «الدركيّ». وتبعا لتقارير حقوقية دولية صدرت مؤخرا، فإن أكثر من 100 مهاجر غير نظامي من المتحدّرين من دول جنوب الصحراء فارقوا الحياة غرقا خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة ضمن حوادث رافق محاولاتهم ارتفاعُ وتيرة الحملات التمشيطية التي تشرف على تفعيلها مختلفُ الأجهزة الأمنية المغربية، بتركيز على جهات الشرق وطنجة -تطوان لتوقيف المهاجرين غير الشرعيين قبل معاودة ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية. ولا يمكن تصور مأساوية ظروف المهاجرين الأفارقة في المناطق لمدينة القصر الصغير أو «بليونش»، بدءاً من الظروف اللاإنسانية الصعبة التي يعيشونها وقلة للماء الصالح للشرب وندرة الطعام والغطاء وانتهاء بتغيير أماكنهم كل يومين تفاديا لرصدهم، مع ما يتطلبه ذلك من حملهم بعضَ أمتعتهم وتثبيت خيام بلاستيكية في كل مرة يُغيّرون فيها ملجأهم. فمنذ شهرين بدأت السلطات العمومية في تمشيط غابات بليونش. «لقد حطموا كل شيء، ولكنهم لن يستطيعوا تحطيم آمالنا».. يقول مهاجر من ساحل العاج. وأغلب المتواجدين اليوم في هذا المخيمات الصغيرة هم من الذين سبق ترحيلهم، لكنهم عادوا مرة أخرى إلى المنطقة. فالمهاجرون يلعبون مع السلطات المغربية لعبة القط والفأر في هذه المأساة. «لقد أصبح ترحيلنا وعودتنا، بعد ذلك، مسألة عادية وروتينية». قطع مسافة 600 كيلومتر بين وجدة والمنطقة مشيا على الأقدام.. إنها مغامرة متكررة، وقد حاولنا الهرب من أجهزة الأمن المغربية، ومن اللصوص الذين يعترضوننا، فالتضحيات التي قمنا بها كبيرة، ولكن ذلك لا يهمّ»، يضيف المهاجر غير الشرعي ل«المساء»، قائلا إن «أوربا باتت قريبة أكثرَ من بلداننا، ولذلك، لم يعد ممكنا بالنسبة إلينا التراجع إلى الخلف».