من بين المسائل، التي استأثرت بالنقاش بخصوص قانون المالية الحالي، المقترح الذي تقدمت به الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، وذلك بغية الحصول على دعم إضافي لتقديم سكن موجه إلى الطبقة الوسطى والشباب دون 35 سنة. لكن إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المنتدب لدى وزير المالية والمكلف بإعداد الميزانية، لم يقتنع بالمبررات المقدمة لاعتماد المشروع الجديد، الشيء الذي استفز طبقة من المنعشين وأثار حنقها. لكن الوزير لم يستسلم ورد بلهجة صريحة وجازمة بأن عهد الإملاء قد ولى وأن الحكومة تتخذ قراراتها بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة وليس استجابة لضغط هذا اللوبي أو ذاك. هذه النبرة ما كانت لتعجب البعض، وبالتالي كانت من الأسباب التي دفعتهم إلى توظيف موقعهم في مؤسسة الباطرونا لإيهام الرأي العام بأن رجال الأعمال غير راضين على الحكومة الحالية. وفي الأسبوع الماضي، نظم يوسف بن منصور، رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، ندوة صحافية لكسب الرأي العام لصلاح مشروعه. انحصرت أدلته، إجمالا، في أربع مسائل: - كون حصة المنعشين العقاريين من الإعفاءات المقدمة إلى القطاع لا تمثل سوى جزء غير كبير من مجموع الإعفاءات التي يستفيد منها القطاع، وكون المستفيدين الحقيقيين من الإعفاء الضريبي هم المقتنون، فتلك الحصة لا تتعدى 891 مليون درهم؛ - ارتباط دينامية القطاع بالتحفيز الضريبي، وأعطي مثالا على ذلك بتراجع عدد العقود المبرمة بين المنعشين والدولة في سنتي 2008 و2009 حين لم تبادر الدولة إلى تقديم محفزات إلى المنعشين؛ - ارتباط دينامية الاقتصاد بدينامية القطاع العقاري بالنظر إلى الانعكاسات الإيجابية لهذا القطاع على التشغيل والنمو والاستهلاك؛ - تقديم ضرائب لصالح الدولة متعلقة بالضريبة العامة والضريبة على الشركات تصل إلى 31550 درهما للوحدة الواحدة المسوقة في إطار السكن الاجتماعي. هذه الأدلة تحتاج إلى نقاش ذلك، لأنها في حقيقة الأمر لا تأخذ بعين الاعتبار سوى النتائج المباشرة وتتجاهل الآثار الاجتماعية والاقتصادية العميقة وبعيدة المدى. وهناك أمثلة كثيرة في الاقتصاد لكثير من القرارات التي تؤدي، على المدى البعيد، إلى نتائج عكسية بالنظر إلى تركيز الساسة والفاعلين الاقتصاديين على النتائج المباشرة وقريبة المدى. ومن ذلك، المثال المدرسي المتعلق بقرار ولاية من الولاياتالأمريكية التحكم في ثمن كراء المنازل، الشيء الذي أدى على المدى البعيد إلى تأبيد العجز في العرض العقاري. وهناك مثال آخر في مجال التوظيف، حيث إن الدعم المقدم لمحاربة بطالة اليد العاملة غير المؤهلة أدى، على المدى البعيد، إلى منع تطور مستوى تأهيل اليد العاملة. هذه الملاحظة تبرز أهمية الدراسة العميقة لمثل هذه القرارات. وفي الحقيقة، مؤشرات تطور أي اقتصاد تكمن في توجيه الدعم إلى القطاعات الصاعدة وليس تلك التقليدية، خاصة الريعية منها. من هذا المنطلق، يمكن خلخلة الأدلة التي قدمها يوسف بن منصور؛ فما يدعم مقترح الحكومة، القاضي بأن تكون المساحة الضرورية للمشروع الجديد أكبر من 100 متر مربع، هو تجنب الخلط بين السكن الاجتماعي والسكن الموجه إلى الطبقة الوسطى، لأن ذلك سيؤدي إلى ما يعرف في مجال التسويق بمفعول «الكنيباليزم»، أي حين يتطور عرض معين على حساب الآخر؛ فمما لاشك فيه أن غياب الفصل التام بين السكن الاجتماعي والسكن الموجه إلى الطبقة الوسطى سيكون على حساب الأول لأن ذلك سيدفع المنعشين إلى تفضيل الثاني. ويكمن سبب عدم استجابة الحكومة للمنعشين في أن تجربة السكن الاجتماعي، عوض أن تكون حقيقة في صالح الفئات الاجتماعية الفقيرة والمحتاجة، تحولت إلى بقرة حلوب في خدمة فئة محدودة راكمت بفضلها ثروات ضخمة بين عشية وضحاها. من هذا المنطلق، يمكن مساءلة الرقم الذي تقدم به بن منصور بخصوص الضرائب التي تحصلها الدولة من بيع كل وحدة سكنية في إطار السكن الاجتماعي. الرقم المقدم من قبل رئيس الفيدرالية هو 31550 درهما، بينما يتم تسويق تلك الوحدات ب250000 درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة. وبالنظر إلى أن نسبة الضريبة تتراوح بين 30 و38 في المائة، فإن قاعدة تلك الضريبة، أي الربح قبل الضريبة سيتجاوز 87183 درهما، وذلك مع افتراض أن الضريبة على الأجور لكل وحدة سكنية هو 5000 درهم، وهو شيء مبالغ فيه بالنظر إلى تدني الأجور في قطاع العقار، ثم لأنه لا يتم التصريح بالعمال. وبالتالي، تصبح الضريبة على الربح هي 26155 درهما، تمثل 30 في المائة من الربح قبل الضريبة. وبالتالي، فإن الربح الصافي هو 61028 درهما لكل وحدة من السكن الاجتماعي. وبالنظر إلى أن الرأسمال الذاتي (الاجتماعي) يمثل 60 في المائة (حالة شركة «الضحى») من رقم المعاملات، فإن الرأسمال المالي المعبأ سنويا لإنتاج وحدة سكنية سيكون 60 في من قيمة الوحدة والتي هي 250000 درهم، أي 150000 درهم. هكذا ستكون المردودية المالية (ليس الاقتصادية) للقطاع هي 41 في المائة سنويا. وهي نسبة عالية جدا رغم أننا تجوزنا كثيرا في حسابها لأن الشركات لا تصرح حقيقة بكل أرباحها. فهل من قبيل المسؤولية الاجتماعية للمنعشين أن يحققوا مثل هذه الأرباح بفضل مشروع وضع أصلا لتقديم الدعم إلى الفقراء؟ إنها مفارقة غريبة أن يستحوذ البعض على الريع باسم الفقراء. وفي نفس السياق تدعو القيمة المقدرة ب40000 درهم، التي يحصل عليها المنعشون من الدولة برسم الضريبة على القيمة المضافة المستعادة، إلى الاستغراب؛ فهذه القيمة تطبق على الاستهلاك الوسيط، الشيء الذي يعني أن 200000 درهم من قيمة كل وحدة هي قيمة المدخلات المحصل عليها من خارج المقاولة وأن القيمة المضافة داخليا لا تتجاوز 50000 درهم. وتترتب عن ذلك جملة من الأسئلة: أليس رقم 200000 درهم مبالغا فيه كثيرا؟ هل يؤدي المنعشون الضريبة على القيمة المضافة فعلا؟ ثم، هل من المنطقي أن تكون القيمة المضافة هي فقط 50000 درهم؟ هذا مع كون الضريبة المدفوعة للدولة، حسب رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، هي 31550 لكل وحدة، بمعنى أن أجور العمال وأرباح المنعشين لا تتجاوز 18450 درهما!!! لا داعي إلى التعليق لأن الأرقام أبلغ من أي تعليق.