نشر أحد المواقع الإلكترونية الخليجية، هذا الأسبوع، خبرا في منتهى الأهمية يقول إن برنامج «فايبر»، الذي يتم تحميله في «السمارتفونز» أو الهواتف المحمولة الذكية (المختلفة، حتما، عن الهواتف الغبية القديمة) قصد التواصل مجانا مع حاملي هذا النوع من الهاتف عبر جميع أنحاء العالم، هو برنامج إسرائيلي للتجسس على المكالمات الهاتفية لمستعمليه (قرابة 100 مليون مستخدم) وعلى بريدهم الإلكتروني، بل وحتى على حياتهم الحميمية وعلاقاتهم الخاصة. وحسب الخبر المذكور، فإن مؤسس ومالك شركة «فايبر ميديا» يدعى تالمون ماركو، «وهو إسرائيلي-أمريكي خدم 4 سنوات في قوى الدفاع الإسرائيلية، وشغل منصب المدير التنفيذي المسؤول عن المعلومات في القيادة المركزية» للجيش الإسرائيلي. «وتعتبر «فايبر» شركة غير ربحية، فهي تقدم خدمة مجانية بالكامل خالية من الإعلانات»، الشيء الذي لا يمكنه إلا أن يثير حولها العديد من الشكوك والشبهات. يضاف إلى ذلك أنه رغم وجود مقر الشركة في قبرص، كما يقول صاحبها، فإنها «لا توفر أي وسيلة للاتصال بها (عنوان أو رقم هاتف) عدا صندوق بريد»، ولا توجد أية معلومات عن «ماهيتها أو هوية موظفيها على الموقع الخاص بها». ولعل ما يعزز هذه الشكوك أكثر أن برنامج «فايبر» يمكنه، وبمجرد تحميله على الهواتف الذكية، أن يقرأ جميع الأسماء والعناوين المسجلة بها، إضافة إلى الرسائل النصية والرسائل الإلكترونية، كما أن «لديه الصلاحية لمعرفة موقعك الجغرافي، وحساباتك الشخصية وتسجيل الصوت والتقاط الصور وتسجيل الفيديو. كما يمكنه الوصول إلى جميع الملفات على هاتفك وقراءة إعداداتك وحتى البرامج التي تستخدمها»، وهذه كلها دلائل، حسب الموقع الإلكتروني الخليجي، على أن الأمر يتعلق ب«برنامج تجسس إسرائيلي يجمع كافة البيانات عن المشترك» رغم أنفه ودون علمه، قصد توظيفها لأغراض مختلفة. والحقيقة أن هذا الخبر كان يمكنه أن يتحول إلى مصدر رعب حقيقي لو أنه نشر قبل بضع سنوات، لكن نشره اليوم لم يعد يثير أي اهتمام، ليس لأن نهاية العالم سوف تحل بعد أربعة أسابيع، حسب تقويم حضارة المايا الشهير، ولكن لأن التجسس على المواطنين صار أساسا لحضارتنا المعاصرة، عبر وسائل وأساليب مختلفة: منها الكاميرات التي توضع في شوارع المدن وداخل المحلات التجارية والمؤسسات العمومية والخاصة، ومنها الحواسيب المحمولة التي صارت تتوفر كلها، اليوم، على كاميرات تشتغل، سواء رغب أصحابها في ذلك أم لا (وذلك بمجرد ربطها بالأنترنيت)، إضافة إلى أجهزة التلفزيون الحديثة التي أضيفت إليها، بدورها، كاميرات (بزعم إمكانية استعمالها للتخاطب عبر «سكايب»)، بما يحول التلفزيون من جهاز يتفرج المشاهد على ما يبثه من برامج ومواد سمعية – بصرية إلى جهاز يفتح إمكانية تصوير حياة المواطنين الخاصة كما تدور أمام الشاشة ونقلها إلى جهات غير معلومة، لا يعرف أحد ماهيتها بالضبط، ولا من يتحكم فيها، وهل هي داخل البلاد أم خارجها؟ لقد انتهى عصر الدفاع عن الحياة الخاصة بشكل يكاد يكون نهائيا، ودخلنا بعده عصرا جديدا يتميز بانتهاك هذه الحياة ليل نهار (انتقلنا من «احترام خصوصية المراسلات»، مثلا، إلى «إلغاء» هذه الخصوصية تماما في الأنترنيت). والغريب أنه لم يعد هناك صوت يرتفع ليحتج على هذا الانتهاك المتواصل للحياة الخصوصية للأفراد (كان يطلق عليهم في السابق اسم «مواطنين»)، وكأنه لم يبق ثمة أي خيار آخر للعيش بحرية خارج القيود الجديدة المؤسسة لعبودية القرن الجديد سوى الانسحاب من الحياة المعاصرة ووسائل اتصالها بشكل كلي والعودة إلى الحياة البدائية، حياة الطبيعة، من جديد.