قضى قسام البرغوثي، نجل النائب الأسير مروان البرغوثي، فترة قصيرة في المغرب قبل أن يغادر البلاد زوال أول أمس الإثنين عائدا إلى فلسطين عبر الأردن، بعد أن تنامت أعمال العنف وازدادت وتيرة العدوان على غزة. خلال مقامه القصير في المغرب حضر قسام المؤتمر الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بطنجة وتطوان، وتلا كلمة خط حروفها والده الأسير من زنزانته بسجن المحتل الإسرائيلي، والتقى في الدارالبيضاء بالجمعية المغربية لأصدقاء فلسطين، قبل أن يقلع نحو بلاده وهو يتابع عبر جواله أخبار التقتيل القادمة من قطاع غزة. «المساء» التقت قسام البرغوثي، وتحدثت إليه عن مستجدات الوضع في المنطقة، والسبل الكفيلة بإنهاء هدر الدماء في فلسطين، وتبين أنه يحمل الكثير من فكر والده مروان، الذي يرفض الحوار من موقف ضعف، ويدعو إلى التحام كل القوى السياسية الفلسطينية من أجل صوت يجعل التفاوض مع الكيان الإسرائيلي متوازنا. - أولا نود أن نعرف هل هذه هي أول زيارة لك إلى المغرب؟ نعم هي أول زيارة للمملكة المغربية، وأنا سعيد جدا لأني حظيت بهذه الفرصة التي مكنتني من التعرف على هذا البلد الجميل الحضاري المضياف، والذي أتمنى له التوفيق والاستمرار في مسيرة الإصلاح والحداثة والانفتاح، والسير على النهج الذي يقوده الملك محمد السادس، الذي سعى إلى ترسيخ أسس الديمقراطية وبادر في عز اندلاع الحراك العربي إلى ركوب قطاع الديمقراطية، بل كرس العلاقات المتينة بين الشعبين وأصر على أن يكون المغرب هو الشقيق الأكبر لفلسطين. المغرب في شخص ملككم هو داعم للقضية الفلسطينية، هو حضن دافئ للفلسطينيين، نتمنى أن تستمر هذه الجهود والمساعي الدائمة للمغرب الشقيق لدعم صمود الشعب الفلسطيني، خاصة في هذه الظرفية النازفة. - ما هي دواعي زيارتك للمغرب؟ هل كانت لديك مشاورات مع هيئات داعمة للقضية الفلسطينية؟ حظينا بشرف المشاركة في المؤتمر الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة لجهة طنجة وتطوان في شمال المغرب، وكان لي شرف كبير وأنا أساهم في رفع صوت القضية الفلسطينية في كل المحافل التي حضرتها. الحمد لله التقينا بالكثير من الوجوه السياسية، ووجدنا حضنا دافئا لدى أهل الفكر والسياسة، وأتمنى النجاح لكل الأحزاب السياسية المغربية، التي تتفق على دعم القضية الفلسطينية، ونبارك لعبد المنعم بري انتخابه أمينا جهويا للحزب، والذي نجح في الانتخابات، وأتمنى أن نكون حاضرين في كل الفعاليات والنشاطات التي تحدث في المشهد السياسي بالمغرب الذي أعتبره شقيقا لفلسطين كي تبقى العلاقات طيبة فيما بيننا وننفتح أكثر على التنظيمات السياسية في هذا البلد. - كيف تتابع من المغرب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتساقط مئات الشهداء تحت القصف؟ صراحة نحن في كل يوم نسأل هذا السؤال، وأول ما نبدأ به الرد هي رسائل الإجلال والإكبار للشهداء الأبرار الذين يتحدون آلة القمع والعنجهية الإسرائيلية، ويقفون في وجه آلة الحرب المدعومة من الولاياتالمتحدةالأمريكية. والعالم بأكمله، في اعتقادي، عليه أن يقف وقفة جادة ومسؤولة، ومن واجباته الإنسانية الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني. المشهد في غزة صعب جدا ونحن نتمنى أن يعيش شعبنا في أمن وأمان، لكن بالمقابل نؤكد على أهمية المقاومة وعدم الخنوع لكيان دخيل يسعى إلى كسر إرادة الشعب في إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، الكيان الذي يحرم اللاجئين من العودة إلى ديارهم التي هجروا منها وإبقاء الأسرى في السجون. نحن نرفض كل السياسات التي تمارسها الحكومة الاحتلالية الإسرائيلية، والتي تخطت كل الخطوط الحمراء. هم يمثلون الآن النازيين الجدد في الألفية الثالثة من التاريخ البشري. - سبق أن تعرضت للاعتقال ومحاولات الاغتيال وأنت في بداية مسارك النضالي. كيف عشت هذه المحنة؟ عشت الاعتقال على غرار والدي مروان بتهم واهية تبين في ما بعد أنها محاولة لضرب أسرة البرغوثي. منذ 2003 بدأت علاقتي بالزنازن، بعد أن تم اعتقالي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية على معبر الكرامة على الحدود مع الأردن فقط للاشتباه في مشاركتي في عمليات إطلاق نار على سيارات المستوطنين الإسرائيليين المارة على طرق الضفة الغربية ومهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية. كما تعرضت أيضا للإصابة بنزف جسدي بعد إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على سيارتي بذريعة نقلها مسلحين فلسطينيين، ونفت حينها مصادر إسرائيلية مسؤولية جيش الاحتلال عن الحادث، زاعمة أن السيارة تعرضت لحادث سير، مما أدى إلى إصابتي بجروح. هذا جزء بسيط مما يعيشه شعبنا الذي يقضي أيامه في ذعر شديد، وفي كل دقيقة يستشهد فلسطيني، دون أن نتوقف عن المقاومة. - قال والدك مروان في رسالته من زنزانته إن الحديث عن مفاوضات لإنهاء الاحتلال هو تسويق للوهم، هل هي دعوة لحمل السلاح ورفض التفاوض السلمي؟ هذه القاعدة التي يتبناها والدي المعتقل في سجون الاحتلال الغاشم بنيت من خلال التجربة الطويلة التي خاضها في كافة منحنيات وتغيرات الثورة، فالشعب الفلسطيني خاض نضالا واسعا، وقام بانتفاضة الحجارة الأولى بشكل شعبي وسلمي. كان على العالم بأكمله أن يدعمه في مسعاه منذ ذلك الحين، لكن ذلك لم يحصل للأسف، وجاءت معاهدات السلام في أوسلو والتزم الشعب الفلسطيني بكل القرارات، وتبين أن إسرائيل لا تريد أن تعطينا القدس الشريف لتكون عاصمة لفلسطين، ولا تريد أن تطلق سراح الأسرى، ولا تريد أن تعيد اللاجئين إلى بيوتهم، كما لا تريد الحدود التي احتلت سنة 1967، وهذا معناه ضرب الحل من عمقه. ليس هناك أي فلسطيني مستعد للتخلي عن مواقفه، وكما قال الشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات: «ليس فينا وليس منا من يفرط في حبة من التراب الفلسطيني». إسرائيل مارست الاستفزازات ومارست الاستيطان وصادرت الأراضي واعتدت على الناس وهدمت البيوت وأقامت الحواجز العسكرية واعتقلت الشباب الفلسطيني ومنعت كل أنواع الاحتجاجات، لذا ظهرت انتفاضة مسلحة ثانية وخاض الفلسطينيون معارك بطولية في مخيمات رام الله وفي جنين ونابلس وغزة التي لازالت تعيش ملاحم وتقدم نماذج رائعة في الصمود والتحدي والإرادة، والخلاصة التي استخلصناها هي أنه لا يجوز أن نسير في التفاوض وحده ولا المقاومة وحدها، فنحن بحاجة إلى العمل السياسي إلى جانب المقاومة، أي المزج بين الديبلوماسي والعسكري، حسب الظروف التي حولنا: المقاومة بالصواريخ، والمقاومة بالاحتجاج لجذب الاهتمام الدولي، وبالفكر والقلم، وبالمنهج أيضا... كي نوصل رسالة كشعب فلسطيني إلى العالم نقول فيها نحن لا نريد إلا الحرية والاستقلال والعودة إلى أراضينا التي هجّرنا منها، وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس. الرسالة التي خطها والدي من زنزانته وقرأتها أمام قيادات حزب الأصالة تختزل الوضع في فلسطين وترسم خارطة الطريق. - والدك مروان دعا اليوم القيادة السياسية الفلسطينية إلى الالتحاق بقطاع غزة لتعيش محنة الشعب الفلسطيني عن قرب. ما هي دلالات هذه الدعوة وإمكانية تنفيذها؟ هذه الدعوة تأتي في إطار دعم صمود أبناء الشعب في قطاع غزة. القيادة الفلسطينية، ممثلة في الرئيس أبو مازن واللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عليها بذل المزيد من الجهود لمساعدة أبناء شعبنا في غزة، وهذه الدعوة هي محاولة لرفع معنويات أهالينا كي لا يشعروا بأنهم مستضعفون لوحدهم، فهم جزء من هموم الفلسطينيين. الرئيس الفلسطيني هو رئيس لكل أفراد الشعب، رغم ذلك نحن نعلم المخاطر الأمنية في المنطقة، لكن هذا لا يمنع من الزيارة، فقد قامت قيادات مصرية وهيئات برلمانية تونسية بزيارة غزة، وهناك من يحضر في المغرب ليزورنا، وفي كل هذه الزيارات حماية وضمانة لأبناء الشعب الفلسطيني. - قام أمير قطر بزيارة إلى المنطقة النازفة ماذا جنى الفلسطينيون منها بعيدا عن الدعم المالي؟ ما نبحث عنه دائما هو كسر الحصار عن الفلسطينيينوغزة بالتحديد، لذا نقدم الترحيب التام لكل رئيس أو زعيم أو رئيس حزب أو فعاليات المجتمع المدني التي تضع غزة ضمن أجندتها، دون أن نتسبب في ازدواجية التمثيلية، فالممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني هو منظمة فتح، وإخواننا في حماس والجهاد عليهم أن يتجاوزوا الاختلافات ويعلنوا عن انضمامهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية كي لا تتأخر المصالحة الوطنية التي نسعى إليها من خلال جهود مكثفة تصب في اتجاه تحيين وثيقة التوافق الوطني، وليس هناك أي مبرر للانقسام الذي لا يتولد عنه سوى الشتات. - استثنى الإسرائيليون والدك مروان في صفقة تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ألم يؤثر هذا الإقصاء على نضالك؟ عملية تبادل الأسرى الوحيدة كانت في صفقة شاليط وشهدت صعوبة في التفاوض، فاسم مروان ممنوع في جلسات الحوار مع المستعمرين لأنهم يحملونه كل الأضرار التي تصيبهم، ويصفونه بمؤسس الأجنحة العسكرية، وهو شخص مؤثر في الرأي العام الإسرائيلي، فسجن مروان هو سجن لقضية وليس لشخص، وهو منذ أول يوم لاعتقاله بدأ يمارس قناعاته السياسية. لقد سعدنا لكل الإخوان الذين أفرج عنهم، رغم أننا منينا النفس بأمل وطموح لتشمل الصفقة الأسير مروان ليس لأننا أحوج إليه في المنزل الصغير، بل لحاجة المنزل الكبير إليه، فهو يؤمن بالوحدة الوطنية، ويؤمن بالمتغيرات التي تجري على الساحة العربية، ويؤمن بقوة وإرادة الشعوب. نعرف أن من تفاوض على الصفقة طرح الاسم، لكن الإسرائيليين نجحوا في صفقة شاليط بدون أن يكون مروان على رأس عملية تبادل الأسرى. لكن والدي سيعود يوما حرا إلى بلاده طال الزمن أو قصر، ونحن نناشد الدول العربية بممارسة الضغط في ملف الأسرى، فمنذ 30 عاما هناك قيادات في الزنازن وهناك أطفال ونساء وشيوخ تحت القيود، ونحن نحتاج اليوم إلى وقفة جدية من كل الأقطار العربية لإنهاء محنة آلاف السجناء. تصور أنه منذ 1976 إلى الآن، هناك أكثر من 800 ألف سجين في معتقلات العدو، وهذه قضية تمس كل بيت فلسطيني. - قرر الملك محمد السادس إقامة مستشفى عسكري في قطاع غزة، كيف تقبلت هذه المبادرة؟ نحيي العاهل المغربي محمد السادس على المبادرة التي اتخذت شكلا استعجاليا وعمليا، لأن نصب مستشفى ميداني في قطاع غزة هو خطوة تضامنية مغربية مع الفلسطينيين، في مواجهة الهجمات التي تقوم بها قوات الجيش الإسرائيلي منذ أيام٬ والقرار أتى بعد إدانة سياسية شديدة من الخارجية المغربية. المبادرة ليست غريبة على المغرب وملكه، فهي جهد عملي يصب في الاتجاه الصحيح لتستمر الأفكار الخلاقة، والدعم المغربي ليس على مستوى الملك وحده، بل على مستوى الأحزاب والمثقفين. نحن نشعر كأن المغاربة اقتطعوا جزءا من قلوبهم لفلسطينوغزة أولوية فهي بأمس الحاجة إلى هذا المستشفى، ونتمنى أن تستمر الأفكار الخلاقة بالطرق الحديثة في ظل التغيرات التي شهدتها المنطقة. شكرا للملك محمد السادس وألف تحية للوحدة الطبية التابعة للجيش المغربي وللطواقم الطبية المدنية المغربية الأخرى. - هناك حديث عن ترتيبات لإقامة مؤتمر دولي لنصرة مروان البرغوثي، هل وجهت الدعوة إلى قيادات سياسية مغربية لحضور هذا الملتقى؟ الأوضاع في فلسطين متقلبة، لكن رغم ذلك نحن بصدد التفكير الجاد في إقامة مؤتمر دولي لنصرة مروان البرغوثي، ومن خلاله نصرة كل الأسرى. نحن في حاجة إلى بلورة أفكارنا وإلى ترتيب مخططاتنا، وقد تكلمنا مع الإخوان في حزب الأصالة والمعاصرة ووجهنا الدعوة إلى إلياس العماري من أجل حضور جلسة عمل قريبة من أجل التشاور والمساعدة لما يملكه من خبرات وتجارب. لدينا مشاورات مع البرلمان الأوربي والاتحادات الاشتراكية الدولية وعدة جهات من وزراء وسفراء ومثقفين، وفي الشهر القادم سنلتقي بالدكتورة زهرة عز، وهي عضو أيضا بالمجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة ومناضلة في مجال القضية الفلسطينية، وهي على رأس المدعوين للمساعدة في إدارة الملتقى بحكم شبكة العلاقات التي تملكها، ولابد من الإشادة بالأخ باسم أبو رمضان، رئيس الجالية الفلسطينية في المغرب. لكن الآن غزة هي الهم الأكبر، الجرح النازف الذي لا نفكر إلا فيه، والجهد الآن منصب لإنهاء قاعدة ضرب الفلسطيني بدون محاسبة. - في مباراة نهائي كأس العرش بين الرجاء والجيش حمل بعض المشجعين أعلام فلسطين، هل عاينت هذه المساندة من جمهور الكرة؟ أنا صراحة شاهدت المباراة عبر التلفزيون المغربي، ورأيت الأعلام الفلسطينية ترفرف في المدرجات وبعض اللافتات الداعية إلى نصرة غزة، وحتى على الحيطان، وكفلسطيني هذه الأمور تهز كياني، لأنها تحمل رسائل تقول للفلسطينيين: أنتم لستم وحدكم.. القضية الفلسطينية قضية الجميع. هناك من يحزن لآلامنا ومن يصلي لهمومنا، قضية فلسطين تجمع ولا تفرق، هي نقطة وحدة وتوافق بين كل العرب. - في اعتقادك هل سحب الحراك العربي البساط من تحت أقدام القضية الفلسطينية؟ حين كان الحراك العربي على أشده كان هناك تخوف في البداية، في مصر وتونس، كان هناك قلق من الأثر السلبي للحراك، أي أن يأخذ الانتباه من القضية الفلسطينية، لكن تبين أن الشعوب العربية نجحت في الرهان لأن فلسطين واجب وطني وأخلاقي والشعوب لها إيمان عميق بالقضية، القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وعروس المدائن، لا يمكن أن نترك القدس عرضة للتهويد والتزييف والاستيطان وطرد المقدسيين من بيوتهم، الكل يرغب في دعم صمود أبناء القدس، والكل مؤمن بأن أمامنا عدو قوي يسعى إلى الاستيطان، على سبيل المثال هناك ملياردير روسي واحد اشترى أراضي كثيرة بالقدس، وهذا ملف خطير في حاجة إلى وقفة من كل الأطراف العربية. - من منظورك الخاص، كيف تقيم معالجة الإعلام لما يقع الآن من تقتيل في غزة؟ هي حملة وعدوان على حد تعبير «الجزيرة»، ومعظم القنوات العربية تقوم وقفة مسؤولة، فالإعلام العربي يقوم بواجبه المهني والقومي، الذي يرقى إلى مستوى الدم الفلسطيني النازف، عكس الإعلام الغربي المنحاز الذي يفتقر إلى أبجديات المهنة ك»سي إن إن» و»بي بي سي»... إنهم يزيفون الوقائع، لكن لا نريد أن يذكر التاريخ أن إعلاما يتواطأ مع الجاني ضد الضحية. - كلمة أخيرة.. أتمنى العودة إلى المغرب الذي هو حقيقة بلد الماء والخضرة والوجه الحسن. لمست طيبة الأهالي وحب الناس لفلسطين، وشاهدت التنوع الجغرافي، وفي ظرف وجيز نشأت كيمياء بيننا.. في الصيف القادم سأعود إن شاء الله إلى هذا البلد.