قبل أكثر من خمسة أشهر، قامت الحكومة المغربية بسحب ثقتها من المبعوث الشخصي الأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء كريستوفر روس، ودعت إلى تسمية مبعوث جديد؛ حيث أعلن مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن «قضية الصحراء المغربية دخلت مرحلة جديدة بعد سحب الثقة من المبعوث الشخصي المكلف بالصحراء كريستوفر روس»، ودعا إلى الدخول في مفاوضات جدية وحقيقية ترتكز على أساس مقترح الحكم الذاتي الموسع في الأقاليم الجنوبية كحل سياسي لا غالب فيه ولا مغلوب. وكنا، حينها، قد نشرنا مقالا تحت عنوان «كريستوفر روس يفقد بكارته السياسية في الصحراء» بعد أن قمنا بتحليل وتشريح مضامين التقرير الذي تقدم به روس إلى مجلس الأمن، والذي دعا فيه إلى توسيع مهمة بعثة الأممالمتحدة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وهي الورقة التي تحاول الجزائر والبوليساريو التلويح بها للضغط على المغرب في كل مناسبة؛ وتساءلنا عما إذا كانت الدبلوماسية المغربية قد قامت بتحرك محسوب ومدروس عقب اتخاذها قرار سحب الثقة من روس، وما إذا كان سيكون بإمكانها الصمود في وجه ضغوط الأممالمتحدةوواشنطن. واليوم، يعود الخلفي رفقة شقيقه الحزبي سعد الدين العثماني ليقبلا بعودة روس، ويصرح بمناسبة زيارته لمدينة العيون بأنها مناسبة للتأكيد على «مقترح الحكم الذاتي» ضمن السيادة المغربية الذي سبق للمغرب التقدم به قبل سنوات، والذي حظي بإشادة واسعة من قبل عدد من الدول الوازنة. هذا التناقض بين الموقفين يحاول أن يبرره الوزير الإسلامي والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية بالقول: «إن الزيارة تأتي في إطار تكليف من الأمين العام للأمم المتحدة، وإن الاستقبال الذي جرى في المغرب يأتي تبعا للمكالمة الهاتفية التي تمت بين الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون»، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح التساؤلات التالية: هل كان المغرب محقا عندما قرر سحب ثقته من روس دون التشاور مع واشنطن؟ وهل عودة الأخير تشكل إهانة للدبلوماسية المغربية؟ وهل هذا القرار أضر بالموقف المغربي بشأن الصراع حول الصحراء؟ وهل تلقى المغرب ضمانات من بان كي مون بعدم إدخال أي تغييرات على بعثة الأممالمتحدة في الصحراء والتي تقتصر مهمتها على رصد وقف إطلاق النار في المنطقة؟ وهل سيقوم الدبلوماسي الأمريكي روس بتغيير النهج الذي اتبعه في السابق ويأخذ مطالب المغرب بعين الاعتبار من خلال جعل مبادرة الحكم الذاتي أساسا للحوار يمكن البناء عليه للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه؟ يرى معظم الخبراء والمراقبين أن القرار الذي اتخذه المغرب بسحب ثقته من روس كان أمرا غير مدروس بدقة وسابقا لأوانه، وأن الدبلوماسية المغربية تسرعت عندما اتخذت هذا القرار، وأن مستشاري وزير الخارجية المغربي، بمن في ذلك الموجودون في نيويورك، لم يحسبوا جيدا التداعيات السياسية لمثل هذا القرار؛ فنظرا إلى كون المغرب يتعامل مع دبلوماسي أمريكي فإنه يتعامل مع ممثل للدبلوماسية الأمريكية، فكان بإمكان المغرب أن يكون في وضع مريح لو قام بإجراء مشاورات وراء الكواليس مع أصدقائه الأمريكيين وحاول إقناعهم بضرورة إيجاد بديل لروس، فلو أن المغرب اتبع هذه الاستراتيجية لكان بإمكانه الحصول على ما يريده ولكان بإمكان روس أن يقدم استقالته من تلقاء نفسه بإيعاز من الخارجية الأمريكية. وفي هذا الصدد، يجب أن نضع في الاعتبار أن ما أزعج الأمريكيين ليس هو إلحاح المغرب على إيجاد بديل لروس، بل هو الطريقة التي قامت من خلالها الرباط بأخذ واشنطن على حين غرة ومفاجأتها بقرار سحب ثقتها من الدبلوماسي الأمريكي روس الذي عاد مؤخرا ليزاول مهامه، وهذه المرة ليس فقط في المزرعة الأمريكية حيث تتم المفاوضات، وإنما في العاصمة المغربية الرباط وفي كبرى مدن الصحراء العيون؛ فقرار سحب الثقة من روس كان في الأصل محط انتقاد الكثير من المراقبين والفاعلين السياسيين، حيث صرح أحد الخبراء الدوليين والمتتبعين للملف لإذاعة «هولندا» العالمية بأن الرباط اتخذت ذلك القرار بشكل متسرع ودون أن تتشاور مع حلفائها الدوليين المعتادين من قبيل الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، مما جعلها في موقف لا تحسد عليه. وقد بدأت عواقب ذلك القرار تلوح في الأفق، فروس بعدما كان يتحكم فقط في الجانب الإداري للمفاوضات بين المغرب والبوليساريو، وسع من صلاحياته وأصبح باستطاعته اليوم المجيء إلى الرباط وعقد اجتماعات مع شخصيات من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وزيارة مدن الصحراء دون أن تجرؤ الحكومة المغربية على منعه رغم أنها كانت، إلى غاية الأمس القريب، تصنفه في خانة من لا يؤمَن جانبهم. إلا أنني وبالرغم من كوني مع الذين يرون أن الدبلوماسية المغربية جانبت الصواب لما قامت بسحب ثقتها من روس، ينبغي أن أعترف بأن عودة الأخير لا تشكل إهانة للدبلوماسية المغربية، حيث إن المغرب حصل على بعض التنازلات من بان كي مون، والمتمثلة في عدم إدخال أية تغييرات على ولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء والتي تقتصر على رصد وقف إطلاق النار في المنطقة. وعند القيام بتحليل عودة روس إلى المنطقة، ينبغي أيضا أن نضع في الاعتبار أنها تأتي في خضم عدم الاستقرار الذي تعيشه منطقة شمال إفريقيا والساحل، وذلك بسبب تزايد تفريخ وتوالد الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث هناك أدلة متزايدة على تورط عناصر البوليساريو في هذه الأنشطة الإرهابية، والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل روس في مساعيه إلى دفع طرفي النزاع إلى إيجاد حل دائم ومقبول حول النزاع. كما ينبغي على المرء أن يستحضر اللقاء الذي جمع المبعوث الأممي روس ب«بوليساريو الداخل» في مدينة العيون الذي لم يكن ليعقد في مقر بعثة المينورسو لولا صدور الضوء الأخضر من السلطات المغربية، وهذا مؤشر على بداية تطور «العقل الأمني» للدولة في اتجاه اعتماد مقاربة سياسية ذكية لإدارة ملف النزاع في الصحراء بعيدا عن المقاربة الأمنية المتصلبة، فكريستوفر روس سيسجل نقطة جيدة للمغرب بعد زيارته الأخيرة للعيون، حيث سمح له بلقاء أميناتو حيدر والتامك والمتوكل وآخرين من الموشومين بنزعة الانفصال، كما سمح للانفصاليين بالتظاهر السلمي لولا بعض مظاهر العنف التي انزلقت إليها التظاهرات، والكرة الآن في ملعب قيادة البوليساريو، فهل سيسمح للصحراويين في تندوف بالتعبير عن آرائهم المخالفة للأطروحة الرسمية للجبهة والقاضية برفض الحل السياسي «الحكم الذاتي»؟ وهل سيسمح لروس بأن يرى شخصيات معارضة لقيادة البوليساريو، مثل البشير السيد، شقيق محمد عبد العزيز قائد البوليساريو، والوالي مصطفى السيد، والفنان الناجم علال، والاستماع إلى آرائهم خارج رقابة أجهزة البوليساريو؟ وعموما وبالنظر إلى ما سبق، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن المغرب قد قبل عودة روس فقط بعد الاتصال الهاتفي الذي دار بين الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة أواخر شهر غشت الماضي. وخلال هذه المحادثة، قدم بان كي مون ضمانات إلى الملك بعدم تغيير أحكام الولاية الأصلية لبعثة المينورسو. وهنا يجب التذكير بأن النقطة التي أثارت حفيظة الرباط وجعلتها تسحب ثقتها من روس هي سعي هذا الأخير نحو تغيير ولاية المينورسو وجعلها تتضمن مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء دون القيام بنفس الشيء في مخيمات تندوف حيث القمع والتنكيل وتكميم الأفواه ومصادرة الأصوات المعارضة؛ فمن خلال قيام الملك محمد السادس باستقبال روس يكون المغرب قد بيّن للمجتمع الدولي، مرة أخرى، عن نضجه الحضاري وحسن نيته واستعداده للعمل جنبا إلى جنب مع الأممالمتحدة لإنهاء هذا النزاع الذي دام لمدة 37 عاما، كما أشار إلى ذلك روس بنفسه خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في الرباط بعد اجتماعه بالمسؤولين المغاربة، فالضغط اليوم يمارس على المبعوث الأممي والكرة الآن في ملعبه، ويتوجب عليه إظهار مهنيته وحكمته وخبرته الدبلوماسية وحسن نيته ورغبته في إبداع واقتراح الحلول الواقعية المساعدة على تسوية هذا النزاع، مع تدارك الأخطاء التي ارتكبها في السابق لأن «الشعوب إذا أخطأت تعلمت، فخير لها أن تتعلم عن طريق الخطأ من أن تبقى جاهلة بدون خطأ» كما قال فولتير، أحد منظري الثورة الفرنسية. باحث ومختص في شؤون وقضايا الصحراء