لفهم حقبة زمن الحماية لا بد من العودة قليلا إلى الوراء، وفي هذا الإطار يرسم الباحث الفرنسي ألبير عياش صورة واضحة ودقيقة عن تلك الفترة، وهي الفترة المتصلة بحكم مولاي عبد العزيز، الملك الشاب، الذي وجد نفسه فجأة أعزل وألعوبة في أيدي بطانته من المستشارين الأجانب، بعد أن فقد وزير والده القوي باحماد.. يكتب ألبير عياش في كتابه «المغرب والاستعمار، حصيلة السيطرة الفرنسية» والذي قام بترجمته كل من عبد القادر الشاوي ونور الدين سعودي، «إن وفاة الوزير باحماد في سنة 1900 حرمت السلطان عبد العزيز، الذي كان عمره إذ ذاك 22 سنة، من وزير متمرس وجازم. وهكذا سقط العاهل الشاب، ذو النية الطيبة والسذاجة الكبيرة، تحت إمرة المستشارين الأجانب، الذين دفعوه إلى تبذير احتياطات خزينته الوفيرة وزلزلوا سلطته في أعين رعاياه الذين كانوا يؤاخذونه على خفته، ومظاهر ورعه الضعيف وتبذيره، وبالفعل فقد كان يشتري الأشياء الأكثر غرابة، مثل الفونوغرافات والسيارات وآلات التصوير، وكان يركب الدراجات ويلعب التنس ويشعل الألعاب النارية. وكانت له نية محمودة، تمثلت أكثر في إتمام عملية التحديث التي بدأها أبوه، وقرر تحسين النظام الجبائي، بإحداث الترتيب الذي وقع التنصيص عليه في معاهدة مدريد، وكان على الجميع، مغاربة وأجانب، أداء هذه الضريبة، وكلف موظفين خاصين بجبايتها، عوض القواد، وكان من المفروض تطبيق هذا الإصلاح بسرعة، لأنه سيصطدم بكثير من المصالح التي من شأنها أن تواجهه بالرفض والمقاومة. لذا اعتبر القواد الذين كانوا يجبون الضرائب إلى ذلك الحين، والزوايا وقبائل الجيش التي كانت معفاة من العديد من الضرائب (اعتبروا) ذلك انتهاكا لحرمتهم، كما أن التجار الأوربيين لم ترقهم، هم بدورهم، هذه الضريبة الجديدة، مما أدى بالسلك الدبلوماسي المقيم في طنجة إلى تأجيل إعطاء الترخيص باستخلاص تلك الضريبة الجديدة إلى حدود نونبر 1903، بينما كان عبد العزيز قد حذف، منذ 1901، جميع الضرائب التقليدية، اي العشور والزكاة والنايبة، وبالتالي ففي الوقت الذي كان السلطان يشجع على الاستمرار في مصاريفه الباهظة، وجد نفسه محروما من جزء من مداخليه. وبعد مرور سنتين، عندما حصل السلطان على الترخيص الدولي، وجد نفسه أمام استحالة دفع القبائل إلى أداء الضريبة، بعدما تعودت على ألا تدفع شيئا». ويضيف عياش في توصيف الحالة التي كان عليها المغرب قبل توقيع اتفاقية الحماية في 1912: «ومع تصدع هيبة السلطان، انفجرت انتفاضات عدة، كانت أكثر قوة تلك التي قادها «بوحمارة» في المغرب الشرقي سنة 1902، والريسوني، عامل السلطان بالريف سنة 1903. وقد اقترض السلطان في سنة 1903، بعدما نفذت خزينته مبلغ 22.5 مليون فرنك من فرنسا وإنجلترا وإسبانيا. وساهمت في القرض بنوك فرنسية، إلا أن السلطان لم يحصل فعليا من هذا القرض، الذي حصل عليه بفائدة 6 في المائة، إلا على 13.5 مليون فرنك، بينما استنفذت البقية 9 مليون فرنك، والتي تشكل 40 في المائة من مجمل القرض، في تأدية فوائد البنوك مقابل وسطاتها». بسبب هذه الديون وعجْز مولاي عبد العزيز عن ضبط استقرار البلاد وبسط نفوذه على القبائل المتمردة وتسليمه البلاد إلاى الأجانب، فقد كانت الشعارات المحتجة والمنددة تطارد موكبه أينما حل وارتحل، وبذلك، بدا المجال ممهدا لأخيه مولاي عبد الحفيظ، الذي رآى فيه الشعب المغربيّ منقذا حقيقيا وبطلا قوميا، فقد صرح هو نفسه في حديث صحافي سنة 1906 لإحدى الصحف البريطانية، بأنه لا يمكنه أبدا تسليم مصير 7 ملايين مغربي إلى لأجانب.