يكثر الحديث في مجالسنا وحواراتنا الحميمية عن زوجة الأب، تلك الإنسانة القاسية في طبعها والحادة في مشاعرها، ذات المزاج المتقلب، انطلاقا من معايشتنا قصصا حقيقية لأطفال عانَوا ويُعانون الكثير، إلى درجة انحراف بعضهم بسبب سوء تعامل زوجة أبيهم معهم. «المساء» تحاول الإجابة عن الأسئلة التالية: هل زوجة الأب دائما شبح مخيف؟ أم يتحمل الأبناء جزءا من المسؤولية، لرفضهم بديلا لوالدتهم الحقيقية؟ أم إنها غيرة زوجة الأب من أبناء زوجها، لكونهم يُذكّرونها بأمهم وبرغبتها المُلحّة في «امتلاكه» بدون شريك؟ «كم هو قاسٍ أن تشعر الفتاة أن هناك فجوة كبيرة بينها وبين والدها رغما عنها».. بهذه الكلمات بدأت مريم، البالغة من العمر 25 سنة، حديثها، وتابعت قائلة «من الصعب أن أرى الغربة في عيون أبي، الذي يتجاهلني ولا يحس بحاجتي إلى ضمة صدره.. كما يؤلمني حديثه القاسي عن والدتي، التي وافتها المنية وأنا في السنة الأولى من عمري، لأجد نفسي في يد امرأة لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلبها القاسي، حيث تتفنن في تعذيبي وإذاقتي كلَّ ألوان الذل، ما جعلني، مرة، أهرب من بيت والدي، الذي صار «أسيرا» لها ولا يصغي إلا إلى كلامها، وفي المقابل يواجهني بصمته القاتل وبحيرته.. ولكي أكسر وحدتي، أشتري هدايا وأقدّمها لإخوتي خفية، لكسر الحاجز الجليديّ بيننا، رغم الحقد الذي تزرعه والدتهم في قلوبهم تجاهي لكي لا يُحبّوني».. تركنا عزيزة وهي تلملم جراحها، التي نُكئتْ بمجرد سؤالنا إياها عن سبب إقبالها، بين الفينة والأخرى، على مركز استماع جمعية في الدارالبيضاء، فردّت بالقول: «أجد فيه الملاذ الوحيد الذي أهرع إليه كلما اشتد عليّ خناق زوجة أبي، الجلاد». الحرمان من التعليم لا تختلف حكاية نزهة، البالغة من العمر 25 سنة، عن حكايات غيرها من اللواتي فضّلن البوح بمعاناتهن مع زوجات آبائهن، حيث بدأت نزهة كلامها بالقول: «أنا كغيري من الفتيات اللواتي أذاقتهنّ زوجات الآباء المر لمعاقبتهن على شيء لم يقترفنه إلى حد أنها حرمتني من إتمام دراستي». وواصلت بوحها قائلة: «انفصلتْ والدتي عن أبي بعد شهر من زواجهما، وهي حامل بي، لأفتح عينيّ على الحياة وأجد أمي وأبي منفصلين عن بعضهما، فلم أذق البتة دفء الأسرة وحنان الأبوين وعطفهما وحبهما لبعضهما، فكل واحد منهما كان يحاول جاهدا أن يزرع الكراهية في قلبي تجاه الآخر.. عشت مع أمي، التي عانت -بدورها- من حياة متنقلة بين أمها ووالدها واستقرت أخيرا مع جدتها من والدها، بعد ما أنجبتني أمي.. وبعد مضيّ سنتين، توفيت جدتها وصارت حياتي وحياة أمي غير مستقرة وفي تنقل دائم بين أمها ووالدها وزوجته، التي تكرهنا إلى درجة أننا كنا، في أحيان كثيرة، نتوه عن البيت الذي سنقصده لنقضي ليلتنا.. وبعدها رضخت أمي لأبي وعادت إلى بيته بعد بلوغي عشر سنوات، بعدما طلق زوجته الثانية، التي أنجبت له ثلاث بنات.. المهم أن أبي كان يحتقرني ويشكك في نسبي إليه، ما اضطر أمي إلى الطلاق للمرة الثانية، لتقرر الزواج من أول رجل يتقدم لخطبتها، لأواجه -من جديد- معاناة أخرى مع زوجة الأب، التي كنت أضطر إلى اللجوء إلى جحيمها هربا من تحرشات زوج أمي، التي لم تكن تفارقني.. وبعد فشل محاولاته الدنيئة في النيل من شرفي، خيّرَ أمي، المغلوبة على أمرها، بينه وبيني.. فذهبت للعيش مع زوجة أبي وبناتها الثلاث، اللواتي اعتبرنني خادمة لديهنّ، أسهر على راحتهن دون شكوى، لأتجنب عقاب أبي، الذي لم يكن يرحم جسدي فور إبلاغه بأتفه الهفوات». زوجة أب استثنائية زهرة، حنون زوجة أب لم يمنحها الله أبناء، فجعلت من أبناء زوجها الأربعة أبناء -«بدائل» عوّضوها حرمانها من نعمة الأمومة، حيث سهرت على تربيتهم وخصصت لهم مبالغ هامة لتدريسهم في معاهد عليا، مع رعايتهم رعاية خاصة، شأنها في ذلك شأن الأم الحقيقية. وقالت زهرة عن حكايتها الاستثنائية: «عيب أن نعمم التهمة على جميع زوجات الأب، فهن لسن كلهن قاسيات القلب وظالمات، فأنا فعلا زوجة أب وتقربت إلى الله تعالى من خلال رعاية أبناء زوجي». رأي علم الاجتماع يرى ثلة من الباحثين في علم الاجتماع، من خلال دراسات همّت المجتمع العربي أنّ المجتمع العربي كرس نظرة إلى زوجة الأب بكونها عدوانية وقاسية، الشيء الذي ينعكس سلبا على الأبناء، الذين لا يعطون أنفسهم ولا زوجة أبيهم فرصة للتعارف والتواصل، حيث ينظرون إليها، من البداية، بكونها دخيلة على أسرتهم وجاءت لتأخذ مكانة والدتهم التي غابت عنهم، إما بسبب الطلاق أو الوفاة، وبالتالي يجب التكتل لمحاربتها، لأنها -في اعتقادهم- ستحرمهم من أحضان والدهم، فتبدأ الصراعات بين الأبناء وبين الأب، من جهة، وبين الزوجة الثانية والأب، من جهة أخرى، فيتحول البيت إلى جحيم حقيقيّ، بعدما كان يملؤه الحب والسعادة والتفاهم.. فتنشب المشاكل مع الزوجة، التي تحاول جاهدة التخلص من أبناء الزوج، وخاصة البنات، فيقسو الأب على أولاده من أجل أن يُرضيّ زوجته الجديدة.. ولكنْ ليست كل الزوجات متشابهات، ولا حتى الآباء، فهناك آباء -وإن كانوا قلة- يفضلون عدم الزواج حتى لو توفيت الزوجة، ويكون ذلك إما بدافع الإخلاص لزوجته القديمة أو حبا لأطفاله ولا يريد لهم الضياع.
9 اقتراحات للعائلات التي تضم زوجة أب 1 - تذكر، أيها الأب، أن الأمر قد يستغرق الكثير من الوقت والصبر على زوجة الأب للتكيف مع دورها الجديد في الأسرة، 2 - يجب تفهم مشاعر الأطفال ومحاولة التحدث معهم بهدوء وبدون عقاب، 3 - يجب إعداد الأطفال قبل الزواج وتعريفهم على زوجة الأب، 4 - على الأب ألا يحاول إجبار أولاده على قبول العلاقة الجديدة، 5 - ينصح معظم الباحثين زوجات الآباء بعدم التدخل مباشرة في تأديب الأطفال، 6 - لا تشعر بالخوف من قبل الأطفال الذين قد يرغبون في جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى زوجة الأب، 7 - لا تحاولي تغيير روتين الأطفال على الفور، بل بالتدريج، لأنهم لن يقبلوا التغييرات التي تفرضها زوجة الأب، 8 - على زوجة الأب أن تعمل على بناء الثقة مع الأطفال، 9 - لا تحاولي التدخل في أسلوب تربية الأب، لأن ذلك لن يكون مقبولا من قبل الزوج أو الأطفال.