ما هي العناصر المتحكمة في العلاقات المغربية الجزائرية؟ وكيف يؤثر مشكل الصحراء على الدور المركزي الذي يمكن أن يلعبه المغرب العربي؟ وإلى أي حد يعيق هذا المشكل مسلسل التنمية المغاربية وتفاعل دولها مع التوجه الذي تسلكه بلدان حوض الأبيض المتوسط ومع مختلف السياسات التي تخطط للمنطقة؟ إذا كانت إمكانية حدوث انفراج في العلاقات بين الرباطوالجزائر لا تلوح في الأفق القريب، فهل يصبح احتمال الحرب واردا؟ يلاحظ المتتبع لقضايا المنطقة المغاربية أن العلاقات المغربية الجزائرية اليوم يشوبها تباين يعبر، من جهة، عن رغبة في تبادل السفراء وعن علاقات ود وصلح ومجاملات مناسباتية لا تتجاوز مستوى الخطاب؛ ومن جهة أخرى، عن تشنجات وصراعات قوامها التراشق بالتهم تأخذ طابع حرب باردة برداء دبلوماسي أو دعائي. وتنبري أيضا تجلياتها في ندرة المبادلات التجارية والاقتصادية وإغلاق الحدود البرية بين البلدين، كما تنعكس على الصعيد الإفريقي وفي العلاقة بالاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية. إذا كانت العلاقات الدولية تطبعها صراعات خاصة بين بلدان الجوار التي تتطاحن على مشاكل الحدود، فالمغرب والجزائر لم تخرجا عن هذه القاعدة؛ فالموقع الاستراتيجي للمغرب يجعله عرضة للأطماع ومحسودا على الهبة الطبيعية التي ينعم بها والتي تجعل منه بوابة لأوربا. وإضافة إلى تأثير العامل الجغرافي، هناك عامل الاستقرار والأمن الداخلي الذي يجعل منه قبلة للمستثمرين وللسياح. استقرار تضمنه طبيعة نظام الحكم السياسي للمغرب كملكية دستورية لها شرعية تاريخية تتفاعل وتتجاوب مع نبض الشارع. وقد ذكّر الملك محمد السادس في خطابه إلى الأمة، بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء، بالموقف الواضح الذي عبر عنه مؤخرا الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يشدد على أنه من مهام الأممالمتحدة، بالموازاة مع مواصلة المسار التفاوضي، التشجيع على تطوير العلاقات المغربية الجزائرية التي ما فتئ المغرب يدعو إلى تطبيعها، بما فيها فتح الحدود، وذلك في تجاوب مع عدد من الدول والمنظمات الدولية. كما عبر في خطاب سابق، بنفس المناسبة، عن رفضه للاستغلال المقيت لما تنعم به المملكة من حريات، في محاولة للنيل من وحدتها الترابية، مضيفا قوله «إننا لن نسمح لأي كان بعرقلة المسيرة الديمقراطية لبلادنا». المغرب لازال لم يطرح ملف ترسيم الحدود النهائية مع بلد المليون ونصف المليون شهيد رغم أنه موضوع خلاف وارد، لكن يتم تأجيله (انظر اتفاقية يونيو 1972 بين الجزائر والمغرب)، وهو مافتئ يطرح مقترح فتح الحدود لأنه يرى في قضية الحدود أساسا لتسهيل التبادل والتعاون المشترك وليس سببا لفتح فوهة النزاع. ويطرح أيضا مقترح حكم ذاتي للأقاليم الصحراوية مع التمسك بمبدأ السيادة. لكن الجارة الجزائر تواجه برفض سيزيفي كل هذه المقترحات، داعمة بذلك الأطروحة الانفصالية بشكل أو بآخر وتاركة المغرب (المتضرر الأول من استمرار هذا النزاع) وكذا وحدة المغرب العربي كمطلب إقليمي (المتضرر الثاني) معلقة والانفراج مؤجلا منذ أزيد من 35 عاما. الأبعاد الدولية للصراع تتمثل في كون فرنساوإسبانيا هما أيضا مستفيدتين من الوضع الراهن للقضية العالقة. بقدر ما بقي المغرب مشغولا بالأقاليم الصحراوية بقدر ما يبقى منشغلا عن قضية استكمال وحدته الترابية ومطالبة إسبانيا بسبتة ومليلية المحتلتين وبجزيرة ليلى (تورة) والتي أظهرت الجزائر موقفها اللامبالي إزاء الأحداث التي عرفتها وغياب دعمها الواضح للحق المغربي فيها، وفرنسا التي لم تنس دعم المغرب لظهر المقاومة الجزائرية، خاصة في عهد الأمير عبد القادر، وهو الدعم الذي أفرز معركة إسلي سنة 1845 التي كان من نتائجها اجبار المغرب على توقيع معاهدة مغنية، التي تضمنت أهم بنودها رسم الحدود بين الدولتين المغاربيتين. وقد تم خلال الترسيم تحديد منطقة الشمال الشرقي للمغرب، لكن الحدود الجنوبية بقيت دون ترسيم مع انتقاص من التراب المغربي ليظل الاصطدام بين البلدين قائما على شكل «مسمار جحا» يخدم مصالح فرنسا في المنطقة المتنازع عليها. وهذا الطاكتيك للعبة النفوذ الاستراتيجي تلعبه أيضا في المنطقة كل من الولاياتالمتحدة وروسيا اللتين توظفان الصراع لبيع أسلحتهما في وقت أصبحت فيه البلدان العربية في مقدمة زبائن السلاح الروسي. القراءة العسكرية لا ترى في شراء أسلحة بوادر حرب رمال جديدة، بل مجرد استعراض لموازين القوى وبحث عن التموقع في منطقة شمال إفريقيا لأخذ منصب الريادة والتحكم في قيادتها في وقت تتطلع فيه ليبيا إلى القيام بنفس الدور، وقد برز ذلك في عقدها لقمة القارة الإفريقية رغم أن القذافي، قبل أن ينقلب عليه أهل الدار، أسهب في إحدى مداخلاته الماراطونية والكارطونية في الحديث عن مشكل تقسيم السودان، ولم يشر قط في خطابه الافتتاحي المطول إلى مشكل الصحراء الذي يعطي فيه وجهة ظهرت ملامحها الداعمة لأطروحة الانفصال بعد إزاحته البربرية عن كرسي الزعامة. والأكيد أن المغرب يضبط منظومة أمنه القومي ويبقي قنوات الحوار مفتوحة، فضبط النفس هو إدراك أن برنامج التسلح أو الدعم الذي تسلكه بعض الدول هو لعب بالنار لا ينفع سوى الدول المصدرة للأسلحة التي يخدمها أن تكون المنطقة بؤرة للصراع. الشعبان المغربي والجزائري اللذان تربطهما قواسم مشتركة لا توجد بينهما قطيعة. في انتظار أن تلوح في الأفق السياسي رغبة متبادلة من الطرفين في تقارب وجهات النظر مع تحريك دور الوساطة، فالمنطقة تخسر مكاسب استراتيجية وتهدد بجعلها منفذا لخلايا إرهابية تزعزع استقرارها. رغم تداخل التاريخي بالسياسي، فإن المشكل لا يخلو من خسائر اقتصادية تجعل من قضية الصحراء والنزاع الحدودي بين المغرب والجزائر ملفا شائكا يعرف بصورة متكررة بزوغ مشاكل جانبية في وقت أصبحنا نعيش فيه وطنية تقايض بالامتيازات وبالابتزاز والريع في وسط حراك إقليمي وتصدير لعنف تحركه أياد تلبس قفازات لا تخفي لونها الحقيقي.