من هجوم جوي على مصنع سوداني وجهت أصابع الاتهام فيه إلى إسرائيل إلى الحرب الالكترونية عبر أثير الإنترنت في الخليج وإسقاط طائرة بدون طيار في إسرائيل، يبدو أن وطيس الحرب السرية بين إيران وخصومها يشتد وينتشر. ورغم شهور من التكهنات، يرى أغلب الخبراء والحكومات أن احتمالات شن هجوم عسكري إسرائيلي مباشر على برنامج إيران النووي، بما يزيد احتمالات الحرب في المنطقة، قد تراجعت على الأقل في الوقت الراهن. وبالنسبة للولايات المتحدة والقوى الأوروبية مازال التركيز ينصب على عقوبات على الصادرات النفطية تتزايد أضرارها على الاقتصاد الإيراني يوما بعد يوم. لكن إدارة أوباما وإسرائيل وجهتا موارد للعمليات السرية في حملة يبدو أنها تحفز إيران بشكل متزايد على الرد بالمثل. فالشبهات تحوم حول متسللين إيرانيين فيما لحق بأجهزة الكمبيوتر في منشآت نفطية سعودية من ضرر، كما تم إسقاط طائرة بدون طيار أطلقها حزب الله اللبناني فوق إسرائيل، وكلها أساليب وأدوات كانت في وقت من الأوقات حكرا على الولاياتالمتحدة، لكن الشواهد تؤكد الآن أن جميع الأطراف تستخدمها. بل إن البعض يعتقد أن تزايد الخسائر البشرية في سوريا يمثل في جانب منه إحدى عواقب حرب بالوكالة تجري وقائعها على الأراضي السورية. وتقول حياة ألفي، المحاضرة في الشؤون السياسية للشرق الأوسط بكلية الحرب البحرية الأمريكية: «من نواحي عديدة تذكرنا بالحرب الباردة وخصوصا الصراعات بالوكالة». وتضيف: «لكن على نقيض ما كان يحدث في الحرب الباردة هناك الآن عدد أكبر كثيرا من أساليب الحرب المتباينة. وأغلب هذا يحدث خلف الستار لكن في العالم الحديث نجد صعوبة في إبقائها طي الكتمان لمدة طويلة». المواجهة السرية يعتبر المراقبون أن المواجهة السرية في حد ذاتها ليست بالأمر الجديد. فعلى مدى عشرات السنين كافحت وكالات الاستخبارات الأجنبية لمنع إيران ودول أخرى من الحصول على مواد نووية، فيما عمدت كل من إيران وإسرائيل منذ فترة طويلة إلى وخز الأخر في ساحات حرب بالوكالة، لاسيما في لبنان والأراضي الفلسطينية. ويعتقد على نطاق واسع أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل استخدمتا فيروس الكمبيوتر «ستاكس نت» لاستهداف أجهزة الطرد المركزي النووي الإيرانية. كما يعتقد أغلب الخبراء أن الموساد الإسرائيلي ضالع في عمليات اغتيال لعدد من العلماء النوويين، وأن هذه العمليات أدت إلى هجمات متشابهة بالقنابل على دبلوماسيين إسرائيليين في الهند وجورجيا وتايلاند وعلى سياح إسرائيليين في بلغاريا. إلا أن الشواهد تشير إلى تصاعد وتيرة هذه الحرب. وما تحاول إيران أن تفعله الآن، حسبما يعتقد أغلب المحللين، يمثل في جانب منه المزيد من الرد الانتقامي. لكن ربما تكون هذه أيضا إشارة من حكامها إلى أن الجمهورية الإسلامية لديها في جعبتها مجموعة من الخيارات الجديدة تنطوي على أضرار محتملة إذا تعرضت منشآتها النووية للقصف. وربما كان من أوضح هذه الأمثلة حتى الآن قيام طائرة بدون طيار، يعتقد أن حزب الله أطلقها من لبنان، باختراق المجال الجوي الإسرائيلي. وقد أسقط الجيش الإسرائيلي الطائرة قرب منشأته النووية الرئيسية في ديمونة. ومن المعتقد منذ فترة طويلة أن إيران تخصص موارد لبرنامج لصناعة الطائرات بدون طيار، وربما تكون قد حصلت على معلومات مفيدة بعد سقوط طائرة أمريكية متطورة دون طيار من طراز «سنتينل» على أراضيها العام الماضي. ورغم أن طائرة حزب الله لم تكن مزودة بأسلحة فقد يكون من الصعب منع هجوم بعدة طائرات محملة بالمتفجرات. الهجمات الإلكترونية وقد دب القلق في نفوس البعض في الولاياتالمتحدة بسبب الزيادة الكبيرة هذا العام في الهجمات الإلكترونية التي يعتقد أن منشأها إيران. ورغم أن بعض الهجمات على بنوك أمريكية، التي يعتقد أنها رد على العقوبات الأمريكية ومحاولات فصل إيران عن النظام المالي العالمي، كانت بسيطة نسبيا فإن الهجمات على حلفاء الولاياتالمتحدة في الخليج كانت أكثر تطورا. ويقول الخبراء إن أكثر الهجمات مدعاة للقلق هي تلك التي وقعت على شركة «أرامكو» النفطية السعودية ومنشآت قطرية لتصدير الغاز. وفي الشهر الماضي وصف وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، الهجوم على «أرامكو» بأنه أكثر الهجمات التي تعرضت لها شركة خاصة تطورا حتى الآن، اذ دمر فعليا عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر، لكن الوزير لم يصل إلى حد اتهام طهران مباشرة. ونفى مسؤولون إيرانيون تورط بلادهم في الأمر. لكنهم يقولون إنهم مازالوا يتعرضون لهجمات الكترونية وإن منشآت نفطية إيرانية وشبكات اتصال وشركات للبنية التحتية تعرضت لمشاكل الشهر الماضي. وقال مسؤول مخضرم سابق في المخابرات المركزية الأمريكية الشهر الماضي: «المشكلة أن هذه أشكال سرية من الحرب نادرا ما تناقش علانية هذا إذا نوقشت. ومع ذلك، فإن عواقبها قد تكون هائلة. فماذا نفعل مثلا إذا اتضح أن بوسع الإيرانيين وقف إنتاج النفط السعودي بأكمله». وفي غياب المفاوضات المباشرة، فإن مثل هذه الأفعال يمكن أيضا أن تصبح أداة دبلوماسية. وقال أرييل راتنر، عن مؤسسة ترومان للأمن الوطني: «الهجمات الإلكترونية وطائرة حزب الله تعد تصعيدا من المعسكر الإيراني... لكن جانبا كبيرا مما يجري في هذا الإطار مجرد إشارة من أحد الطرفين للآخر». وربما يفسر ذلك أيضا في جانب منه هجوما يعتقد أنه إسرائيلي على مشارف العاصمة السودانية الخرطوم يوم 23 أكتوبر الماضي، تسبب في حريق كبير بمصنع اليرموك للسلاح. وقال بلال صعب، مدير معهد التحليلات العسكرية للشرق الأدنى والخليج ومقره الإماراتوواشنطن العاصمة: «إسرائيل تستعرض عضلاتها على المستوى العسكري كما أنها تبعث برسالة إلى طهرانوواشنطن، مفادها أنها لن تتردد في استخدام القوة للدفاع عن نفسها». وأضاف: «كان استعراضا للقوة الغرض منه إرسال رسائل سياسية وتحقيق أهداف عسكرية دقيقة ومباشرة». ورفضت إسرائيل التعقيب بعد أن قال مسؤولون سودانيون إن أربع طائرات إسرائيلية شنت الهجوم. ورفض مسؤولون أمريكيون التعقيب لكن وكالات استخبارات تشتبه منذ مدة في أن إيران تهرب أسلحة إلى إريتريا والسودان وعبر مصر إلى حركة حماس في غزة. وبدا أن الزيارة التي قامت بها سفينتان حربيتان إيرانيتان للسودان لمدة أربعة أيام في الأسبوع الماضي عقب الهجوم على مصنع السلاح كانت عرضا عاما غير عادي للتضامن بين البلدين. كما اعتقد البعض أن إسرائيل تزيد من دعمها لجنوب السودان الذي استقل عن السودان العام الماضي. سلاح الطائفية ورغم كل ما سبق فإن المواجهات الأهم بالوكالة تظل في المنطقة نفسها. فإسرائيل تكاد تقف موقف المتفرج في الصراع الدائر في سوريا، ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن أي دعم يقدمونه للمعارضين في سوريا سيأتي بنتائج عكسية. لكن خصوم إيران في الجانب العربي لا يقفون هذا الموقف. فبالنسبة إلى واشنطن يعد تقليص النفوذ الإيراني في سوريا هدفا ثانويا بوضوح لهدف وقف سيل الدماء المتدفق أو على الأقل الحد منه. أما بالنسبة إلى السعودية وقطر، فإن تسليح الثوار وإمكانية إحلال حكومة ذات أغلبية سنية محل حكم العلويين بقيادة بشار الأسد يعد حافزا رئيسيا. ومن المعتقد أن الحرب تعمل على زعزعة استقرار لبنان بينما تتزايد الخسائر البشرية في العراق بسبب أعمال عنف بين جماعات سنية وجماعات شيعية تدعمها طهران. وتعتقد القيادات السنية في دول الخليج كلها تقريبا منذ فترة أن إيران تنفخ في نار الانشقاق لدى المواطنين الشيعة، رغم أن دبلوماسيين غربيين يرون أن هذه الاتهامات مبالغ فيها. وربما تعمد إيران إلى تصعيد محاولاتها زعزعة استقرار جيرانها، خاصة إذا رأت أن خصومها يحاولون أن يفعلوا الشيء نفسه معها. وفي الآونة الأخيرة رفعت واشنطن اسم منظمة مجاهدي «خلق» الإيرانية المعارضة من قوائم الإرهاب، وهو ما يسمح بإمكانية التعاون السري مستقبلا. لكن ربما يؤدي العمل مع هذه المنظمة إلى شن هجمات داخل إيران إلى رد عنيف. وفي العام الماضي، قال مسؤولون أمريكيون إنهم أحبطوا مؤامرة إيرانية لقتل السفير السعودي لدى الولاياتالمتحدة من خلال نسف مطعم في واشنطن. وقال خبراء إن هذه المؤامرة تشير إلى استعداد متزايد لدى إيران للمجازفة، وذلك رغم أن آخرين قالوا إن هذه المؤامرة كلها تبدو مستبعدة. ويقول هنري سميث، محلل الشرق الأوسط لدى «كونترول ريسكس» الاستشارية التي تتخذ لندن مقرا لها: «من السهل للغاية أن تنظر إلى هذه الأحداث وتربطها معها وكأنها قصة مباشرة... لكن الأمور في واقع الأمر أكثر تعقيدا بكثير على الأرجح».