بغض النظر عن رواتب قادة الدول المتقدمة أو الغنية، والتي قد تكون مرتفعة موازاة مع الدخل الفردي المحترم في بلدانهم، فإن أجور كثير من رؤساء الدول، وبينها قادة دول عربية، لا تتناسب مع حجم دولهم الاقتصادية والسكانية، لذلك يعمد هؤلاء إلى ضرب ستار فولاذي على مصادر دخلهم ويرفضون الكشف عن المعلومات المتعلقة برواتبهم بل ويطالبون بزيادتها، رغم العلاوات والتسهيلات التي يتلقونها إلى جانب دخلهم الشهري. وإذا كان هذا حال هؤلاء، فإن رئيس إحدى دول أمريكا الجنوبية اختار أن يكون استثناء، من خلال تبرعه ب90% من راتبه لصالح الأعمال الخيرية، ليستحق بذلك خوسيه موخيكا، رئيس الأوروغواي، لقب «أفقر رئيس في العالم وأكثرهم سخاءً».
أفقر رئيس دولة يعيش خوسيه موخيكا (76 عاماً) رئيس الأوروغواي منذ بداية شهر مارس 2010، تاريخ انتخابه، في بيت ريفي مع زوجته لوسيا توبولانسكي، العضو في مجلس الشيوخ، التي تتبرع هي الأخرى بجزء من راتبها. وفي مقابلة أجرتها صحيفة «إل موندو» مؤخراً، قال موخيكا إن أغلى شيء يملكه هو سيارته «الفولكس فاغن بيتل» التي تقدر قيمتها ب1945 دولارا أمريكيا، وأضاف أنه يتلقى راتباً شهريا قدره 12 ألفا و500 دولار (حوالي عشرة ملايين سنتيم)، ولكنه يحتفظ لنفسه بمبلغ 1250 دولارا (مليون سنتيم) فقط، ويتبرع بالباقي للجمعيات الخيرية. ويقول الرئيس إن المبلغ الذي يتركه لنفسه يكفيه ليعيش حياة كريمة، بل يجب أن يكفيه، خاصة أن العديد من أفراد شعبه يعيشون بأقل من ذلك بكثير. ولا يملك رئيس الأوروغواي حسابات مصرفية ولا ديونا، ويستمتع بوقته برفقة كلبته «مانويلا». وكل ما يتمناه عند انقضاء فترة حكمه هو العيش بسلام في مزرعته، رفقة زوجته. ويشير مؤشر منظمة الشفافية العالمية إلى أن معدل الفساد في الأوروغواي انخفض بشكل كبير خلال ولاية موخيكا، إذ يحتل هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية المرتبة الثانية في قائمة الدول الأقل فساداً في أمريكا اللاتينية. ويقول الرئيس إن «أهم أمر في القيادة المثالية هو أن تبادر بالقيام بالفعل حتى يسهل على الآخرين تطبيقه». «قصر المشردين» يحرص خوسيه موخيكا على البقاء قريبا من مشاعر الناس وإحياء قيم التضامن، فمع اقتراب فصل الشتاء الذي عادة ما يكون باردا للغاية في القارة، عرض موخيكا على المصالح الاجتماعية في حكومته استعمال بعض أجنحة القصر الرئاسي المعروف باسم «كاسا سواريث إي رييس» في العاصمة مونتفيديو لتوفير المأوى للمشردين، في حال عدم كفاية المراكز الموجودة في العاصمة. وجاء قراره بعدما اطلع على جميع مراكز الإيواء ونسبة المشردين، وتبين له أن بعض المشردين سيبقون دون مأوى. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتخذ فيها موخيكا هذا القرار، فقد سبق له في 24 ماي الماضي أن احتضن في قصره امرأة وأبناءها المشردين، حتى وجدت لهم المصالح الاجتماعية مأوى. ويعتبر القصر الرئاسي مبنى فخما بكل المقاييس، لكن منذ وصول اليسار إلى الحكم مع الرئيس السابق تاباري باسكس بدأ يتخلى عن هذا القصر، واكتفى بإقامة عادية باستثناء عقد بعض اللقاءات الرسمية مع قادة الدول الأجنبية. ولما وصل خوسيه موخيكا إلى الرئاسة اتبع نهج سلفه بل وعمل على مزيد من التقشف. ولا يحرص موخيكا، الذي كان في الماضي منتميا إلى حركات اليسار المسلح، على التباهي بأعماله الإنسانية أو استغلالها في الدعاية له، بل يقوم بهذه الأشياء بهدوء تام وهو قليل الظهور في وسائل الإعلام، لكنه يوصف بالرئيس العملي الذي يصنف في خانة أكثر القادة قربا من شعوبهم. رؤساء آخرون! في مقابل رئيس الأوروغواي الذي يرفض أن يعيش فوق المستوى الذي يعيش فيه مواطنوه، تتفاوت رواتب رؤساء بقية دول العالم حسب الظروف الاقتصادية وانتشار مقاييس الشفافية وقوة أجهزة الرقابة في البلد، فبينما يحصل الرئيس الكيني على أكثر من 429 ألف دولار سنويا، لا يتجاوز راتب الرئيس الصيني حدود العشرة آلاف و500 دولار سنويا. أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما فيتقاضى مرتبا سنويا يقدر بمليون و728 ألف دولار ومرتب شهري يناهز حوالي 144 ألف دولار. في حين يتقاضى رئيس وزراء سنغافورة، لي هسين لونج، راتبا أساسيا قدره 2.18 مليون دولار في العام، وهو أعلى راتب لرئيس دولة أو رئيس وزراء على مستوى العالم، وفي الفلبين يبلغ راتب الرئيس 24 ألف دولار ورواتب الوزراء 9600 دولار. بينما في تركيا يبلغ راتب رئيس الجمهورية عبد الله غول 13 ألف دولار، و7 آلاف لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أما راتب الرئيس الصيني لا يزيد راتبه على 27 ألف يوان أي حوالي 3262 دولاراً. وفي فرنسا يبلغ راتب الرئيس الجديد فرنسوا هولاند 19000 ألف أورو شهرياً، بعد خفض 30% من راتب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، أما ماريو مونتي رئيس وزراء إيطاليا فيتقاضى حوالي 19 ألف أورو شهرياً، فيما تتقاضى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل راتبا شهريا يبلغ 23000 يورو، أما الرئيس الروسي فيتقاضى 115 ألف دولار في السنة بواقع 9583 دولاراً في الشهر، ويتقاضى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، حسب نسخة من بيان راتبه عرضها على الفايسبوك، 15 ألف شيكل إسرائيلي أي حوالي 4200 دولار أمريكي، بينما يتقاضى الرئيس الإندونيسي راتب ضعيفا مقارنة بالرواتب السابقة، حيث لا يزيد أجره على 1900 دولار. أما بالنسبة إلى الدول العربية، وبسبب شح المعطيات والتكتم المضروب على رواتب الزعماء، فإن أعلى راتب معلن هو الذي كان يتقاضاه الرئيس الموريتاني سيدى محمد ولد شيخ عبد الله ، والذي يقرب من سبعة ملايين أوقية، أي حوالي 30 ألف دولار شهريا، حسب ما سبق أن أعلنته الحكومة الموريتانية، يليه في المرتبة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة براتب شهري قيمته 26 مليون سنتيم أي ما يعادل 5346.400 دولار تقريباً، طبقاً لمعلومات كانت قد تداولتها مصادر صحفية جزائرية. ولكن المفاجأة ضمتها المعلومات التي تسربت عن راتب رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي وصل إلى 3 ملايين دولار شهريا، وهو ما يعادل راتب 6 آلاف موظف عراقي، لكن مكتبه رد على هذا الاتهام بأنه يتقاضى 8 آلاف دولار شهرياً.