هناك كثيرون ينتظرون أشياء مهمة من عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، لكن بنكيران ينتظر شيئا واحدا لا غير، لأنه في الأيام الأخيرة لا بد أن يكون قد قضى فترة صعبة بسبب الحجارة التي كان يرمي عليه بها حميد شباط من فوق جبل زلاغ بفاس، وكل حجرة بمثقال؛ فبالنسبة إلى رئيس الحكومة لم تعد القولة الشهيرة «فاس والكل في فاس» صحيحة اليوم لأن المدينة لم تعد مدينة العلم بل أصبحت مدينة السياسة، ولذا لا بد من تغييرها لكي تصبح «فاس والكل من فاس»، لأنه أصبح يتوقع في أي وقت أن تأتيه حجرة من هناك، فالمدينة هي مكان الألْفِ وليٍّ ووليٍّ، أحصى بعضهم صاحب «سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس»، ولا بد أن شباط قد أوتي شيئا من بركاتهم. ويقول المجذوب: وها نحن مرة أخرى بعد حكاية التماسيح والشياطين مع حكاية الأولياء الصالحين، ويرد الدغوغي: فلننتظر باقي الحكاية. فقد قدم بعض الاستقلاليين دعوى قضائية بالطعن في انتخاب شباط على رأس حزب الاستقلال في المؤتمر الأخير الذي كاد يصبح مثل مؤتمر يالطا ويقسم الحزب نصفين؛ وإذا نجح هؤلاء فإن بنكيران سيتنفس الصعداء لأن الحجارة التي تهبط من جبل زلاغ ستتوقف ولن يعود هناك أي تلويح بالتعديل الحكومي الذي يخشى بنكيران أن يقلب الطاولة أو يغير من نظامها. ويبدو أن شباط، الذي يسعى إلى إدخال مقربيه إلى الحكومة، ربما سيخرجهم حتى من اللجنة التنفيذية، ما دام أصحاب الدعوى يطعنون في مصداقية انتخاب بعض أعضائها الجدد. لكن شباط يراهن على دعم الأولياء الصالحين، وقد بدأ بالفعل في التهديد باللجوء إلى بركاتهم في مواجهة معارضيه داخل الحزب، فها هو يقول في حواره مع حميد برادة في أسبوعية «جون أفريك» إن علال الفاسي «وقف» عليه في المنام ليلة المؤتمر وطلب منه إنقاذ الحزب والرجوع به إلى هدفه الأصلي الذي أنشئ من أجله، بدلا من ابنه عبد الواحد الذي يريد تحويل الحزب إلى حزب عائلي، وهكذا فإن هذه الرؤيا المنامية حولت شباط إلى «منقذ من الضلال»، والمنقذ لا بد أن يكون وليا. ولكن المجذوب يفسر: هناك نوعان من المنامات، الرؤيا و»بوغطاط»، ويمكن أن يكون ما رآه شباط بوغطاطا. ويكمل الدغوغي: والبوغطاط نوعان، صيفي وشتائي، وهذا من النوع الشتوي، وهو أخطرهما، لأنه كما قال مجنون ليلى «أعيى الطبيب المداويا». وإذا صارت السياسة في المغرب بالرؤى والمنامات فإننا سنصبح مثل أهل الكهف، وسيتحول «الرأي العام» إلى «الرأي النائم»، وسيحتاج السياسيون إلى ابن سيرين لكي يفسر لهم أحلامهم، وفي هذه الحالة سيكون على كل حزب أن يشكل هيئة لتفسير الأحلام يتم انتخابها مباشرة من المؤتمر، على أن يعقد معها رئيس الحزب اجتماعا أسبوعيا يحكي فيه ما رآه: «رأيت في ما يرى النائم أنني أجلس فوق الحزب وأسفل مني أناس كثيرون وأنا أضحك عليهم، أفتوني في رؤياي إن كنتم تعلمون»، وسيكون جواب الهيئة الموقرة: «أما الحزب فهو الدنيا والحظ، وأما الناس فمعناه أنك ستصنع مشروعا ضخما وسيكون لك عملاء كثر». والسياسة في المغرب كلها أحلام، فكثير من الناس كان حلمهم جمع المال والحصول على العقارات وفتح الأرصدة البنكية، وهناك من ذهبوا في أحلامهم بعيدا ورأوا في ما يرى النائمون أنهم يستولون على المال العام. ولأن الأحلام ليس فيها حسيب ولا رقيب، فقد استولى الحالمون على أموال المغاربة بدون حسيب ولا رقيب، لأنها مجرد تحقيق لأحلام قديمة، والأحلام أمر شخصي لا يهم الدولة. ويعترض المجذوب: ولكن بعض الحالمين اكتشفوا أن ما رأوه مجرد بوغطاط، ولذلك كان نصيبهم السجن، بينما كان نصيب الآخرين الاستفادة من أنوار الحرية لأن أحلامهم كانت حقيقية. ويرد الدغوغي: تلك من أسرار مملكة الحكمة. والمشكلة في المغرب ليست في كثرة الأحلام التي تزايدت في الأعوام الأخيرة، بل المشكلة الحقيقية هي الأرق عند بعض الشرائح الاجتماعية التي لا يمكنها أن تحلم لأنها لا تنام أصلا، وتحاول دائما أن تنام لكي ترى أحلاما رومانسية تشاهد فيها بلدا خاليا من الكوابيس وأصحاب بوغطاط، وخصوصا الذين أصيبوا بمرض يسمى «المشي أثناء النوم» الذي يصيب الأطفال بالخصوص، لأن هؤلاء أشد خطرا، ذلك أنهم يحلمون وهم في نفس الوقت يمشون فوق رقاب الناس، وهؤلاء لا تصل إليهم يد القانون لأنهم حتى لو ضبطوا يكونون في حالة حلم، والحلم أمر شخصي لا يوجد قانون يعاقب عليه.