في سابقة من نوعها فاقت كل التوقعات، خرج أزيد من 2000 قاض، أول أمس السبت، إلى شوارع الرباط احتجاجا على ما أسموه «الحكرة والظلم»، فيما قال نادي القضاة، الذي دعا إلى هذه الوقفة الاحتجاجية، إن نسبة المشاركين فيها وصلت إلى 70 في المائة من مجموع قضاة المملكة. وطالب القضاة في وقفتهم الاحتجاجية أمام محكمة النقض بحي الرياض في الرباط، باستقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، معتبرين أن تبعية سلطة الاتهام لوزارة العدل تعد تدخلا من قبل الجهاز التنفيذي في استقلالية القضاء، وهو ما سيعرقل الوصول إلى قضاء مستقل ونزيه، على حد تعبير القضاة المحتجين. وفي ردها على الوقفة التي نظمها نادي القضاة، أكدت وزارة العدل والحريات أن استقلال القضاء أمر حسمه الدستور فيما نص عليه من الرقي بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ومنع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، وهو ما أوجب على القضاة كلما اعتبروا أن استقلالهم مهدد أن يحيلوا الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وعاقب كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة . وأوضح البلاغ أن «الحكومة واعية تمام الوعي بعدم ملاءمة أجور القضاة وعازمة على الرفع منها خاصة بالنسبة للدرجات الثالثة والثانية والأولى وذلك في إطار تصور شمولي على قاعدة الميثاق الوطني لإصلاح العدالة المرتقب»، موضحا أن «وزير الاقتصاد والمالية في المجلس الوزاري الذي انعقد يوم الخميس الماضي أكد أن مشروع قانون المالية المرتقب سيأخذ بعين الاعتبار الكلفة اللازمة للإصلاح، كما سبق لوزير العدل والحريات أن رهن مركزه الحكومي أمام ممثلي الشعب في البرلمان بتحسين أجور القضاة خلال أمد أقصاه سنتين». واعتبر البلاغ أن موضوع تحسين الوضعية المادية للقضاة أصبح محسوما ولم يكن القضاة في حاجة إلى الوقفة المذكورة للتنبيه إليه مع كل هذه المعطيات. وأوضح البلاغ أن محاربة كل أشكال الفساد وعلى رأسها الرشوة تعتبر من أولويات الحكومة الحالية ومن أجله تم الأمر بفتح العديد من المتابعات أمام القضاء بسبب الرشوة في كافة القطاعات. وبحسب البلاغ نفسه فقد أحيل بعض القضاة على المجلس الأعلى للقضاء لذات السبب، كما دعا الوزير القضاة إلى محاربة الرشوة من خلال ممارساتهم القضائية النزيهة. وأضاف البلاغ «أنه ليس كل من حضر الوقفة الاحتجاجية منسوب للصلاح والنزاهة، كما أنه ليس كل من غاب عن هذه الوقفة منسوب للانحراف والفساد». ودعت الوزارة القضاة إلى «الإسهام في هذه المرحلة بطريقة إيجابية مباشرة أو غير مباشرة بأدائهم المهني الجيد وقضائهم على المتخلف والمتراكم من الملفات التي تثقل كاهل العدالة وتسيء إلى صورتها واقتراحاتهم البناءةوليس من خلال الوقفات ورفع الشعارات خاصة إذا كانت شعارات مستهلكة ومجمع عليها وترفع في كل المناسبات ومن قبل كافة الجهات والفئات». إلى ذلك، رفع القضاة لافتات ساخطة على وضعية القضاء في البلاد، من قبيل «لا للرشوة» و«كفى من الحكرة والتمييز بين القضاة» و«لا للريع القضائي»، معتبرين أن أي تقدم في البلاد لا يمكن أن يتحقق دون وجود سلطة قضائية مستقلة. وطالب القضاة، في وثيقة رسمية، بإخضاع جهاز الشرطة القضائية بكل مكوناته لسلطة النيابة العامة بشكل مباشر وحصري، كما شددوا على ضرورة مراعاة مبدأ الفصل بين السلط في كل جزئياته. ووقع القضاة أمام محكمة النقض على لائحة يطالبون فيها باستقلال السلطة القضائية، فيما أكد ياسين مخلي، رئيس نادي قضاة المغرب، أن هذه الوقفة تاريخية وستليها إجراءات أخرى في المستقبل القريب لتحقيق مطالب النادي، وساند وقفة القضاة الاحتجاجية العديد من المنظمات الحقوقية من مختلف جهات المغرب.