تترصد «المساء»، من خلال هذا التحقيق، أذرع شبكة أخطبوطية متخصصة في مجال الدعارة والاتجار في البشر، نتلمس خيوطها من الدارالبيضاءوآسفي وسلا ونتتبعها إلى دبي وعجمان ورأس الخيمة ومجموعة من المدن الإماراتية، التي تحولت إلى وكر لأنشطة سماسرة الليالي الحمراء.. عبر شهادات لثلاثة شبان عاشوا شهرين من العذاب والألم بعيدا عن أحضان أسرة تخفف عنهم نوائب الزمن، وبعيدا عن وطن يصون حقوقهم، بدون كرامة ودون جوازات سفر، محتجَزين في شقق وأوكار الذل والمهانة، يرسمون لوحة أخرى من لوحات المعاناة التي يكابدها المغاربة في الداخل والخارج. إنهم أمين ومهدي وزكرياء، الذين أدار لهم القدَر ظهره وسقطوا في براثن شبكة لا ترحم، وأصبحوا عنوانا لظاهرة أحرجت المغاربة، مواطنين ومسؤولين، طارحة معها العديد من علامات الاستفهام حول من له مصلحة في استمرار وضع تستفيد منه جهات معينة ويدفع ثمنه شباب وشابات رمى بهم أمل البحث عن حياة كريمة في ديار المهجر إلى أحضان «زبائن» يبحثون عن متعة عابرة بسعر باهظ عنوانه الشرف والكرامة والرجولة.. تتناسل الأفكار والصور في مخيلة «أمين». يمر شريط الذكريات السيئة سريعا أمام عينيه، اللتين توشحتا بالسواد، بعدما كانتا إلى الأمس القريب تنضحان أملا وحيوية. يتذكر هذا الشاب، الذي لا يتجاوز عمره الرابعة والعشرين، يوما تحولت فيه حياته إلى جحيم، يوما سقط فيه في أيدي أناس لا شفقة ولا رحمة في قلوبهم، استغلوا آماله وأحلامه في حياة كريمة يمكن أن تجود بها أبراج وجسور وسحر الإمارات العربية ليُوقِعوه في براثن شبكة لدعارة الرجال كاد أن يتحول فيها إلى سلعة رائجة تُسوَّق على أسرّة النوم.. بداية الكابوس..
قبل حوالي أربعة أشهر من الآن، كانت حياة أمين ومهدي وزكرياء مختلفة جدا، فكل منهم يرسم معالم مستقبله بريشة خاصة، وكل منهم انخرط في مسار معين، سطّر فيه نمط عيشه وروتينَه اليوميّ، لكن ما لم يكن يدور في خلد هؤلاء الشبان أنّ القدَر سيجمع بينهم وأن فكرة السفر إلى الخارج ستوحّد بينهم وستُحوّل حلمهم بحياة أفضل إلى كابوس ما يزال، إلى الآن، يقضّ مضاجعهم. «كنت أتوق إلى السفر إلى الخارج، ففرص العمل هناك متوفرة والحياة أفضل.. كان الجميع في العائلة يؤمنون بأنني لن أستسلم حتى أسافر وأبنيّ حياة جديدة هناك»، يقول أمين، الذي قرر رفاقه في هذه التجربة المأساوية أن يجعلوه ناطقا رسميا باسم قضيتهم، مضيفا: «اتصلتْ بي إحدى قريباتي في مدينة آسفي وقالت لي إن سيدة تقطن بمنطقة أناسي في الدارالبيضاء مستعدة لمساعدتي على السفر إلى الإمارات مقابل مبلغ معين، مؤكدة أن العملية مضمونة وأن السمسارة المدعوة نعيمة ساعدت العديدين على السفر إلى الخليج.. اقتنعتُ بالفكرة وطلبت اللقاء بها عاجلا، فالفرصة لا تُعوَّض». كان اللقاء الأول مع الوسيطة نعيمة مشوبا بالحيطة والحذر من الطرفين، فهي لم ترغب في استقبال أمين في منزلها في منطقة «أناسي»، بل تمسكت بأن يكون اللقاء في إحدى المقاهي، أما أمين فقد أعدّ، من جهته، العدة لتسجيل الحديث الذي يدور بينهما عبر هاتفه المحمول، لكنْ سرعان ما تهاوى حذره أمام الطمع في الحصول على تأشيرة السفر إلى الإمارات، بعدما سمع من نعيمة تفاصيل الامتيازات التي سيحصل عليها هناك، فالعمل متوفر في أحسن الظروف والأجر سيتعدى 10 آلاف درهم، والسكن والمأكل والمشرب متوفرة على حساب المشغّل. «رغم أنني قمت بتسجيل لقائي الأول مع الوسيطة نعيمة، إلا أنني لم أشكّ للحظة أن الأمور جدية، فالسيدة كانت تتكلم بنوع من الثقة وكانت تجري اتصالات مباشرة مع عدد من الأشخاص الذين يساعدونها، وقد وعدتني بأن تكون التأشيرة جاهزة في ظرف أسبوع مقابل أداء مبلغ يقدر ب30 ألف درهم، يتضمن مصاريف الوثائق وتذكرة السفر إلى دبي عبر الطائرة، ذهابا وإيابا»، يقول أمين، مستطردا: «كان المبلغ يبدو مناسبا، كما أن الوسيطة أكدت لي أنني سأسافر رفقة شابّيْن آخرين هما خالد وفؤاد، وهو الأمر الذي زاد من اطمئناني، خاصة بعد أن التقينا وبدأنا نُعدّ العدة للسفر جميعا».
مفاجأة في المطار.. مرت أيام الأسبوع سريعا، وبدأ الشبان الثلاثة يتصلون بالوسيطة نعيمة من أجل الحصول على التأشيرات والسفر إلى الإمارات، غير أن الأعذار صارت تتوالى، وبدأت نعيمة تتحجج بأمور واهية، تتستر بها عن فشلها في الوفاء بوعدها لأمين وفؤاد وخالد، لكنْ بعد مرور 15 يوما، وحينما كان اليأس قد تجذر في نفوس الشبان الثلاثة، تحقق الأمل أخيرا واتصلت بهم نعيمة لتخبرهم أن التأشيرات جاهزة وأن عليهم الاستعداد للسفر بعد يومين، غير أنها اشترطت عليهم عدم الحصول على أي وثيقة إلا عند اللقاء بها في المطار. في صباح اليوم المخصص للسفر، حلّت أسر الشبان الثلاثة بالمطار من أجل توديع فلذات أكبادها، أما بالنسبة إلى أمين وفؤاد وخالد، فقد كان الأمر أشبهَ بالحلم، فأخيرا سيتمكن الثلاثة من السفر إلى «جنة» الإمارات، وأخيرا سيكون الثلاثة قادرِين على قطع أولى خطواتهم في طريق مستقبل زاهر، لكنْ هيهيات، فالساعات والأيام المقبلة كانت تخفي كثيرا من الإثارة. جاءت نعيمة، كما كان متفقا على ذلك، إلى المطار صحبة خالد، وقبل موعد السفر بساعتين، سلمت الشبان الثلاثة جوازات السفر وتذاكر الطائرة، غير أن المفاجأة كانت كبيرة، فالتأشيرات التي حصل عليها أمين وفؤاد وخالد كانت للسياحة ولمدة قصيرة، وهو الأمر الذي خلق صدمة لدى أمين ودفعه إلى استفسار نعيمة عن ذلك، غير أنها برّرت الأمر بأنه مؤقت وأن هناك وسيطا هنديا سيلتقي بالشبان الثلاثة في مطار دبي من أجل منحهم تأشيرات الإقامة والعمل.. كان هذا الجواب مطمئنا واستعاد الشبان الثلاثة أنفاسهم وأحلامهم، وركبوا الطائرة في اتجاه الإمارات العربية، وهم يرسمون في مخيلاتهم تفاصيل حياة جديدة لم يكونوا يدركون أنها ستكون كابوسا.. الوصول إلى.. الفخ «المرجو من السادة الركاب ربط الأحزمة والامتناع عن التدخين.. الطائرة ستنزل بعد قليل في مطار دبي، شكرا»، تردّدَ هذا النداء بالعربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وقد فهمه الشبان الثلاثة بكل هذه اللغات لأنه شكّل، ببساطة، منعطفا تاريخيا في حياتهم، فها هم يضعون أقدامهم في مطار إمارة دبي الساحرة، وها هي موجة من الهواء الساخن تلفح وجوههم، بينما كانت عيون الثلاثة مسحورة بتفاصيل المطار الضخم، الذي يشكل آية من آيات المعمار في الإمارات. «أمين.. مهدي.. زكرياء.. واشْ نْتوما من طرف نعيمة؟».. فاجأت العبارة الشبان الثلاثة وهم يخرجون من مطار دبي، فقد خرجت بلهجة مغربية دارجة قحّة من شفاه الشاب الذي ناداهم، في الوقت الذي كانوا ينتظرون استقبالهم من طرف وسيط هندي.. غير أن المفاجأة ما لبثت أن ذابت، بعدما عانقهم الشاب واحدا بعد الآخر، مؤكدا لهم أنه الوسيط الذي سينقلهم إلى منطقة عجمان، حيث توجد الشقة التي سيقيمون فيها، وأنه من جنسية مغربية. قطع الشبان الثلاثة المسافة الفاصلة بين مدينتي دبي وعجمان في ساعات، وعندما وصلوا إلى الشقة التي من المفترَض أن يقطنوا بها كانت المفاجأة كبيرة، فالحي الذي توجد به هذه الشقة عشوائيّ ويشبه، إلى حد ما، دور الصفيح في المغرب.. في تلك اللحظة، بدأت الصورة التي رسمها الشبان الثلاثة لمستقبلهم في الإمارات تنهار شيئا فشيئا، خاصة عندما صعدوا إلى الشقة ووجدوا هناك 16 مهاجرا، من بينهم فلسطيني وبنغاليان، فيما الباقي مغاربة. «كانت الصدمة كبيرة جدا، فعندما دخلنا إلى الشقة وجدناها أقربَ إلى زنزانة في سجن عكاشة.. حوالي 16 شخصا مكدَّسين داخل مساحة ضيّقة غير مؤثثة... وأسرّة مصطفة بعضها فوق بعض في مشهد لا يوجد إلا في السجون، وحرارة قاتلة لا يستطيع مكيّف الهواء القديم تخفيف حدتها»، يقول أمين، والدموع تغالبه، وهو يتذكر معاناته التي ما زالت ندوبها جلية في نفسيته. ويتابع أمين: «ما إنْ دخلنا إلى الشقة ووضعنا حقائبنا، حتى اقترب منا شخص في الخمسين من عمره.. سلم علينا وأكد لنا أنه مغربيّ من مدينة فاس وأسرّ إلينا بمعلومات أتت على ما تبقى من أحلامنا وآمالنا التي عقدناها على هذه الرحلة»، مستطردا: «قال لنا إن كل الوعود التي أعطتنا إياها نعيمة كاذبة، وإننا سقطنا في فخّ شبكة للدعارة، يديرها مغاربة وإماراتيون، وإن ما سيواجهنا خلال الأيام المقبلة لا يعلمه إلا الله». شبكة للدعارة يديرها سلاويّ وإماراتي اسودّت الدنيا في عيون أمين ومهدي وزكرياء، فقد كانت الصدمة قوية جدا، والوسيط الذي نقلهم من دبي إلى عجمان لم يكن سوى «صابر»، المغربي، ذي الأصل السلاوي، الذي يعتبر العقل المدبر للشبكة والرابط بين أذرعها في المغرب والخليج ودول أخرى، رفقة زوجته المغربية وشقيقه. «أحيانا، كنت أضرب وجهي حتى أتأكد أنني لست نائما وأن ما أعيشه مجرد كابوس»، يقول أمين، مضيفا: «رغم أن صابر لم يكن يقترب منا في الأيام الأولى من احتجازنا في الشقة، فإننا لم نكن قادرين على النوم وأصبح همّنا الوحيد هو البحث عن مَهرَب من هذه الشبكة، لكن الأمور لم تكن بالسهولة التي كنا نظن، فقد حاول أشخاص غيرنا ذلك وكان مصيرهم التعذيب، بشتى صنوفه».. ويستطرد أمين قائلا: «بعد ثلاثة أيام من احتجازنا سمح لنا صابر بالخروج، بعد أن سحب منا جوازات سفرنا، ووعدنا بتشغيلنا في وظيفة محترمة ومغرية من حيث المقابل المادي، لكنْ بشرط الانصياع لأوامره وعدم الاستماع إلى ما يقوله باقي الشباب المحتجَزين معنا في مقر الشبكة، الذي اكتشفنا أنه يضمّ طابقا آخر، مخصصا للفتيات اللواتي يعملن في الدعارة».. وحسب رواية أمين ومهدي وزكرياء، فإن أسلوب الشبكة في الضغط على الفتيان والفتيات من أجل امتهان الدعارة ذكيّ جدا، ففي الأيام الأولى يحاولون إقناع الضحية بأنهم سيبحثون له عن عمل، وبالفعل يقترح عليه صابر، بعد استشارة المسؤول الإماراتي عن الشبكة، الاشتغال عند ميكانيكيّ، أو كرجل حراسة له تجربة في حمل السلاح، أو في عدة مهن أخرى تكون صعبة للغاية أو لا يستطيع الضحية تحمّلها.. وبعد ذلك، يسرقون كل أمواله التي يحتفظ بها في حقائبه، وعندما يشتد عليه الوضع يبدؤون في إغرائه بالاشتغال في الدعارة، وهي المهنة المريحة التي تدرّ أموالا كثيرة، والتي تعفيه من تحمل مزيد من المعاناة والقهر.
المهنة.. «ديك» أو «مؤنس للشواذ» أو وسيط
«بعد أيام من المعاناة، نفذت نقودي، ولم أعد أجد ما آكله، وفي ذلك الوقت، أصبح صابر يلازمني أكثر فأكثر، حيث اقترح عليّ العمل كوسيط في مجال الدعارة بشكل راقٍ جدا يقوم على ارتداء أحسن الملابس وارتياد المقاهي والفنادق الفخمة في كل من عجمان ودبي ورأس الخيمة من أجل اقتناص «المواطنين» الراغبين في قضاء ليالٍ حمراء مع مغربيات»، يقول أمين. وتابع هذا الشاب، الذي لم يكن لقمة سائغة بالنسبة للشبكة: «عرض عليّ صابر صورا لأجمل الفتيات المغربيات العاملات في الشبكة، وطلب مني تقديمها للزبناء، لكنني رفضت ذلك وقلت له إنني لن أشتغل في هذه المهنة نهائيا، وهو ما جعل معاملته معي تتغير نحو الأسوأ». في المقابل، خضع بعض زملاء أمين لضغوط صابر واضطروا، تحت وطأة الفقر والحاجة، إلى الاشتغال كوسطاء يسهرون على اقتناص «المواطنين» ويسهّلون لهم الأجواء لقضاء الليالي الحمراء، عبر توفير غرف النوم والمأكل والمشرب والخمر والموسيقي، وهو الدور الذي كان صابر وزوجته وشقيقه يقومون به كذلك. ولا يقتصر استخدام الشبكة لضحاياها على الوساطة في الدعارة، بل هناك من يجبرونه على العمل مؤنسا للشواذ جنسيا، حيث يتصل الزبون «المواطن» بالشبكة من أجل الحصول على شاب وسيم يقوم بدور «الزوج»، فيما يقوم الزبون بدور «الزوجة»، وهي مهنة يؤكد أمين أنها مربحة للغاية، خاصة إذا أعجب الزبون بالشاب الضحية.. وحسب تصريحات أمين ومهدي وزكرياء، فإن هناك مهنة أخرى أكثرَ غرابة تسمى «الديك»، وتتمثل في استخدام ضحايا الشبكة، خاصة الوسيمين منهم، في الاستجابة لطلبات بعض «المواطنين»، غير القادرين على الإنجاب، في ممارسة الجنس مع زوجاتهم للحصول على أولاد!.. كما أن هناك بعض المهاجرين من دولة خليجية معروفة يقصدون الشبكة من أجل «تحسين النوع» عبر طلب الشباب لممارسة الجنس مع زوجاتهم من أجل الحصول على أولاد وسيمين.. الموت حرا أو النفي إلى إيران.. أمام رفض أمين عروض صابر، لم يجد هذا الأخير بدّا من تصنيفه في خانة المتمردين على الشبكة، وبالتالي، فلا بد لذلك من عقاب، حيث أكد أمين أن صابر وزوجته قاما، عدة مرات، بقطع الكهرباء عن الشقة التي يُحتجَز فيها الضحايا المتمردون، وهو ما يعني أن هؤلاء سيجدون أنفسهم في مواجهة ليلة سوداء وملتهبة، فالحرارة تتجاوز في المنطقة 54 درجة مئوية أحيانا، وفي غياب التكييف، يصبح هذا الوضع غيرَ محتمل إطلاقا. «صرنا نتصبب عرقا، ونزعنا جميع ملابسنا، لكنْ دون جدوى... كان أحد رفاقنا يصاب بالإغماء في مرات عديدة ولم نكن نجد سوى الماء من أجل إيقاظه»، يقول أمين، مضيفا: «الوضع شبيه بجهنّم، والمهرَب الوحيد منه هو الامتثال لصابر ورغباته الشاذة». وهناك أسلوب آخر تتبعه الشبكة مع الضحايا الذي يرفضون الانصياع لأوامر صابر رغم التعذيب، وهو «النفي»، حيث يؤكد أمين أن الشبكة تلجأ، أمام عجزها عن إقناع الضحية بالانضمام إليها، إلى اتباع أسلوب آخر، من خلال إغرائه بعمل محترَم، لكنْ شريطة تجديد التأشيرة عبر السفر إلى إيران والعودة في نفس اليوم، لكنْ بمجرد أن تطأ أقدام الضحية الأراضي الإيرانية يكتشف أن التأشيرة مزورة وأنه لن يكون بإمكانه العودة إلى الإمارات، ليبقى محتجزا هناك، وهي عملية تم تنفيذها مع العشرات من الشباب المغاربة.. ليلة هروب الثلاثة.. بعد مرور شهر ونصف تقريبا، لم يعد من مفر أمام أمين ومهدي وزكرياء سوى الهرب، وقد عقد الثلاثة عزمهم على ذلك، رغم أن روايات المحتجَزين معهم تؤكد أن أحدا لم ينجح في الهروب بسبب نفوذ الشبكة وتورط بعض رجال الأمن في عجمان ودبي في التستر على أنشطتها، حيث إن صابر كان يقوم بدور الإطفائي لأي محاولة من الأمن لاختراق الشبكة، من خلال إغراء رجال الشرطة الإمارتيين بفتيات مغربيات. استغلّ أمين فرصة عدم وجود صابر في وكر الشبكة وتوجه إلى أقرب مركز للشرطة، هناك طلب استقبال المسؤول عن المركز من أجل أمر خطير وعاجل، غير أن رجال الشركة هناك لم يهتموا لأمره، بعد أن فهموا من لهجته أن الأمر يتعلق بعنصر في الشبكة التي يرأسها صابر. غير أن الصدفة كان لها دور كبير، فما إن همّ أمين بالخروج من المركز حتى خرج أحد المسؤولين عنه واستفسره، بلهجة مغربية، عن فحوى شكواه، إذ ذاك تهللت أسارير أمين، فقد اكتشف، بعد حديث قصير، أن هذا المسؤول ليس سوى شرطيّ مغربي من مدينة آسفي. وقد تعهد بمساعدة أمين وأصدقائه، كما قدّم لهم مبلغا ماليا في انتظار أن يسهّل لهم اللقاء مع السفير المغربي في رأس الخيمة. كان الجميع يعولون بشكل كبير على لقاء السفير، وبعد حوالي 3 أيام، كان لهم ما أرادوا، غير أن المفاجأة كانت قوية عندما أخبرهم أحد المسؤولين في السفارة أن عددا كبيرا من المغاربة هناك يعانون الشيء نفسه وأن السفارة لا تستطيع ترحيل كل مغربي على نفقتها، كما أنها لا تستطيع أداء ثمن المخالفات الباهظة التي تحتسب على كل شخص تنتهي صلاحية تأشيرته. ليعود الجميع إلى عجمان بخفّي حنين، لكن المسؤول المغربي عن مركز الشرطة في المنطقة اقترح على أمين وأصدقائه أن يمنحهم قرضا لاقتناء تذاكر الطائرة وأن يجبر صابر على إعادة جوازات السفر إليهم، وهو ما كان، ليستطيع الثلاثة الهرب من جحيم أخطر شبكة للدعارة في الإمارات. شكايات دون جدوى.. بعد عودتهم إلى المغرب، لم يستسغ أمين وأصدقاؤه نسيان تجربتهم في الإمارات والاستسلام لقدَرهم، بل تحرّك الثلاثة، رفقة عائلاتهم، من أجل تقديم شكايات ضد أفراد الشبكة في المغرب، خاصة ضد نعيمة ومساعِدتها فاطمة، اللتين لجأتا إلى تهديد أفراد عائلة أمين إنْ هي قامت بالتبليغ عنهما.. حيث قدمت العائلات شكايات إلى وكيل الملك في آسفي، ثم بعد ذلك إلى وكيل الملك في المحكمة الابتدائية في الدارالبيضاء، والذي أحال الشكاية على دائرة الشرطة في منطقة أناسي، لكنْ إلى اليوم لم يُفتح أي تحقيق ولم تتمَّ متابعة المتورطين في الشبكة.