تعب رجال و نساء التعليم، سواء العاملون في الوسط القروي أو إخوتهم العاملون في الوسط الحضري، وسهروا الليالي وحرّكوا الهواتف وكثفوا الاتصالات وفتحوا صفحات للنقاش على المواقع الاجتماعية والمنتديات التربوية، منذ أن أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرتها الأخيرة حول البرنامج الزمني الجديد، الذي مدّد العطلة الأسبوعية إلى يومي السبت والأحد بدل يوم الأحد فقط سابقا.. وتاه رجال ونساء التعليم وسط الحسابات من أجل إيجاد صيغة تُمكّنهم من تطبيق هذا التوقيت الجديد وتعميمه، فكانت الحسابات أعقد بالنسبة إلى العاملين في الوسط القروي خاصة، والذين باتوا يُمنّون النفس بالاستفادة من عطلة السبت والأحد، التي قد تخفف عنهم عناء التنقل اليومي من مقرات سكناهم إلى مقرات عملهم، واستعان مدرسو ومدرسات الابتدائي العاملون في العالم القروي بالآلات الحاسبة، لتقسيم ساعات العمل الثلاثين على الخمسة أيام المتبقية من العمل، مع الاحتفاظ بإمكانية التنقل اليومي، لكن الحسبة كانت دائما تكون خارج التوقعات وغير قابلة للتطبيق. كما أن الهم الوحيد لزملائهم العاملين في الوسط الحضري كان هو الكيفية التي سيتم بها توفير قاعة درس خاصة بكل أستاذ، كي يتمكنوا من تنزيل التوقيت الجديد المقترح، وهي معادلات و حسابات كانت دائما تصطدم بواقع يصعب معه التنزيل السهل لمقتضيات المذكرة الجديدة للتوقيت، إلا في حال صدور مذكرة توضيحية أخرى أو الاستعانة بتخريجات هيئات المفتشين، التي بإمكانها تكييف ساعات العمل المعمول بها مع ظروف البنية التحتية في أغلب مؤسسات التعليم، سواء في الوسط الحضري أو القروي، وكذا مشكل التنقل اليومي، الذي بات مشكلا قائما بذاته في العالم القروي لا يمكن التغاضي عنه بهذه السهولة.. فأغلب رجال و نساء التعليم العاملون في العالم القروي -في كل جهات المملكة- يتنقلون بشكل يومي إلى مقرات عملهم، إلا القلة القليلة التي يتعذر عليها ذلك وتختار -مكرهة- الاستقرار قرب مقرات العمل . وقد كانت المذكرة الوزارية صريحة وواضحة بخصوص العمل في الوسط الحضري، إذ حدّدته في الأيام الممتدة من الاثنين إلى الجمعة، وفصّلت ساعاته ودقائقه، شريطة توفر المؤسسات التعليمية على حجرة دراسية لكل أستاذ، وهذا أمر فيه نظر.. لكنها تركت عتمة في جزئها الأخير، الذي خصّت به الوسط القروي والجماعات القروية، ورمت بالكرة في مرمى شائك، بالظروف المناخية والجغرافية والمسافات الفاصلة بين المدرسة والمناطق السكنية وتوفر الحجرات الكافية. وكلفت مدير المؤسسة التعليمية ببلورة التوقيت الأنسب والأنجع بعد مناقشة الصيغة -أو الصيغ- مع مجلس التدبير، في انتظار مصادقة المفتشين التربويين، قبل أن تصادق عليها في نهاية المطاف النيابات التعليمية وتقرّها بشكل رسمي. واشترطت المذكرة مراعاة الساعات الواجب تدريسها لكل فوج، وهو الشرط الذي طرح العديد من التساؤلات، لأن إمكانية تطبيقه شبه مستحيلة، الأمر الذي ترك المجال مفتوحا للنقاش حول الكيفية التي سيتم بها تنزيل مقتضيات هذه المذكرة في العالم القروي، الذي استبشر العاملون فيه خيرا بعطلة السبت واعتبروها التفاتة طيّبة من الوزير محمد الوفا إلى هذه الفئة المقهورة.. لكن استحالة تقسيم ساعات العمل الثلاثين، التي تضمّ ساعتين مخصصتين للتربية البدنية على الأيام الخمسة المتبقية، بخّرت آمالهم، لكنهم لم يستسيغوا، في المقابل، استمرارهم في التنقل للعمل يوم السبت، في الوقت الذي سيركن بعض زملاؤهم العاملين في الوسط الحضري إلى الراحة خلال هذا اليوم.. بل ذهب عدد منهم إلى أن الوقت قد حان لتحريك ملف الساعات التضامنية وتحيين هذا المطلب، الذي ملّ الجميع من تكراره في البيانات والبلاغات النقابية في كل مناسبة. وفي الوقت الذي نأت الوزارة بنفسها عن الدخول في مغامرة اقتراح صيّغ توقيت تتماشى وما ضمّته المذكرة الجديدة، رد مفتشو التعليم الابتدائي على بنودها وصيغة تنزيلها، حيث أكد عبد الرزاق بنشريج، المقرر الوطني لنقابة مفتشي التعليم والكاتب الوطني لجمعية مفتشي التعليم الابتدائي، في تصريح ل»المساء» أن هناك تناقضات في متن المذكرة، تمثلت في مطالبة المفتشين بالحرص الكامل والشديد على مراقبة مدى توفر مقترحات مجلس التدبير على اكتمال حصة التمدرس المحددة في ثلاثين ساعة في الأسبوع وتوزيع الغلاف الزمني وفق الإيقاعات الذهنية للمتعلمين... مقابل عدم توفر شروط احترام الإيقاعات الذهنية للمتعلمين في حال فرض إيقاع تعلم من ست ساعات في اليوم، في الوقت الذي لم يطبق في المغرب نموذج يتجاوز الخمس ساعات في اليوم.. وأضاف بنشريج أن استعمالات الزمن كانت تؤشر عليها هيأة التفتيش لتصبح رسمية، متسائلا عن سبب إضافة شرط إقرارها من طرف النيابة، إضافة إلى كون الساعتين الفاصلتين بين حصص الصباح وحصص ما بعد الزوال تعتبر فترة غيرَ كافية للذهاب إلى المنازل وتناول الغذاء والعودة إلى المدارس، الأمر الذي قال إنه سيؤثر على مواظبة التلاميذ والأساتذة. أما الفقرة المتعلقة بالوسط الحضري في المذكرة فيتضح منها، وفق المتحدث نفسه، أن هذا التوقيت غيرُ قابل للتطبيق إلا في حال توفر المؤسسات على عدد حجرات بعدد المستويات أو يفوقها، وهو شرط قال بنشريج إنه «لن يتحقق إلا بنسبة لن تبلغ 3 في المائة، إن استثنينا المؤسسات الخصوصية أو تم الاقتصار على نصف حصة لكل مستوى». وقال نفس المتحدث إن الفقرة المتعلقة بالتوقيت في الوسط الحضري لم تترك هامشا للاجتهاد والبحث عن حلول ممكنة. كما أكد أن المذكرة ستتسبب في الكثير من التوترات والتشنجات بين الأساتذة والمديرين وبين الأساتذة أنفسهم. وقال بنشريج إنه كان على الوزارة تكليف فريق من أطر التعليم الابتدائي يضم مفتشين ومديرين وأساتذة ممارسين حاليا في الميدان بمهمة إيجاد الصيّغ الممكنة لاستعمال الزمان، نظرا إلى صلتهم الوثيقة بمستجدات الساحة التعليمية، سواء منها التربوية أو الإدارية أو البنية التحتية، أو على الأقل إصدار نفس المذكرة في شهر يونيو 2012، على أبعد تقدير، حتى يتمكن المعنيون من دراستها والتعليق عليها وإصدار التعديلات الممكنة في بداية شهر شتنبر الجاري، تماشيا مع مقرر تنظيم السنة الدراسية، الذي كان قد أشار إلى كون المذكرات المتفرعة عن مقرر تنظيم السنة الدراسية ستصدر قبل 30 ماي 2012، أو اقتصار المراسلة الخاصة بتدبير الزمن الدراسي الجديد على ما جاء في الفقرة الخاصة بالوسط القروي وتعميمها على الوسط الحضري، لترك المبادرة لمجلس التدبير ومسؤولية المفتشين في مراقبة كل النقط الواردة في المراسلة الحالية .