حينما دخل الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض، حينما كانت ما تزال عنده أوهام عن حلف أمريكي مع العالم الإسلامي والثالث، أراد أن يجعل بشار الأسد شخصا رئيسيا في هذا الحلف، ولهذا حاول أن يُقرب إليه بشار بكل ثمن تقريبا وأن يرسل إلى دمشق سفيرا أمريكيا. وكان البيت الأبيض مستعدا لتجاهل الأدلة على المشاركة السورية في قتل رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في 2005، وتجاهل وضع حقوق الإنسان الصعب في سوريا، وتجاهل مساعدة دمشق لمنظمات إرهابية كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي أو العلاقة التي لا تنفصم بين سوريا وإيران المتطرفة. ومن الذي ترأس جماعة الضغط لتقوية العلاقات بين الولاياتالمتحدة وسوريا؟ ومن الذي عمل في مجلس النواب بطرق درسها جيدا ذات مرة، ومن الذي نجح في إقناع إدارة أوباما بإعادة السفير الأمريكي إلى دمشق؟ إنه يهودي أمريكي اسمه توم داين، كان بين السنتين 1980 و1993 المدير العام ل»آيباك» لا أكثر ولا أقل، وكان من الأصدقاء الشخصيين لإسحق رابين. «السوريون دافئون جدا، ولهم نفس الأمور المقلقة مثلنا نحن الأمريكيين»، هذا ما قاله داين في فترة المراودة، على صوت هتاف أصحاب الأعمدة الصحفية الأمريكيين الذين يفهمون في شؤون الشرق الأوسط دائما. انهار كل هذا بالطبع مع دخول سوريا حربا أهلية وثبوت طابع النظام السوري القاتل لمن كان ما يزال يحتاج إلى برهان. ولم تُسمع أية كلمة اعتذار من البيت الأبيض أو أي تفسير للسياسة المخطئة. انتقل رقاص إدارة أوباما الآن إلى الجانب الثاني تماما، فقد أصبح الأسد شريرا وينبغي تأييد المتمردين السنيين عليه بصواريخ أرض جو، مثلا، أو بمعدات أخرى. بيد أن هذه أيضا سياسة قبيحة قصيرة الأمد، فهؤلاء المتمردون منقسمون، والجزء الأكبر منهم أصبح يميل إلى منظمات إسلامية مسلحة كالقاعدة، والتطهير العرقي الذي يقومون به والموجه إلى أقليات، كالمسيحيين أو العلويين، صارخ إلى السماء. إن عشرات الآلاف من المسيحيين يُطردون من بيوتهم ببساطة في حمص وحلب، ولا يفتح أحد فاه في العالم لأنهم يُطردون على أيدي «الأخيار» في ظاهر الأمر. أصبحت إدارة أوباما قد خسرت تقريبا كل الحلفاء الذين كانوا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط العربي، ولم تكن سوريا قط حليفة يجب الإسراع بإنقاذها. فلماذا تتعجل التدخل في ما يحدث هناك؟ إن رئيس روسيا بوتين على حق في قوله إن كل تدخل أجنبي يجعل هذه الدولة البائسة تزداد غرقا في بئر عميقة. وماذا سيحدث بعد أن يسقط بشار الأسد «السيئ»؟ هل ستعلو قوة «خيّرة» هناك؟ ليس هذا بالضرورة. ستصبح سوريا أفغانستان جديدة مع عشرات العصابات المسلحة والقوى الطائفية المتعادية وتصبح عبئا ثقيلا على كل جاراتها وتهديدا لا ينقطع بفوضى إقليمية، ولا يوجد أخيار في هذا الأمر. ستُحسن الولاياتالمتحدة على عهد أوباما الصنع إذا كفت عن البحث عن نماذج جديدة للتدخل في صراعات لا تعرف كثيرا عنها، وكل تدخل لها فيها سيُسبب ضررا فقط. إن ما يحدث في سوريا وما سيحدث بعد ذلك في تركيا ولبنان وإيران وغيرها أعمال تُقسم من جديد الشرق الأوسط العربي والمسلم بدل الدول القومية المزيفة التي أُنشئت هناك في المائة سنة الأخيرة. إن هذه الدول لم تلائم التقسيم العرقي أو الديني أو القبلي أو الطائفي، ولهذا ستجري هذه المسارات مع أو بلا تدخل أمريكي أو غربي. تلتزم إسرائيل بسياسة حكيمة هي عدم التدخل، بحيث يمكن التعلم منها. ليست سوريا حليفة للولايات المتحدة أو للغرب ولن تكون كذلك أيضا بعد الأسد بل بالعكس: ستكون عدوا للولايات المتحدة وتراثها وستُحسن إدارة أوباما الصنع إذا خففت حماستها لإغراق نفسها في صراع ليست فيه حتى مصالح واضحة سوى الرياء.