كشف التقرير الصادر هذا الأسبوع عن المنظمة غير الحكوميةGlobal footprint Network أن البشرية قد استهلكت في ظرف 234 يوما كل الموارد الطبيعية المخصصة لهذا العام، واستطرد مشيرا إلى أننا قد بلغنا اليوم ما يطلق عليه الخبراء «يوم التجاوز»؛ معنى ذلك أننا سنعيش على السلف إلى غاية نهاية السنة. ومنذ عام 2003، يقوم خبراء المنظمة بتقييم الموارد الطبيعية عبر العالم والانكباب على كيفيات تدبيرها حسب البلدان والقارات. وإحدى الخلاصات التي خرج بها التقرير هي أن الكرة الأرضية أصبحت غير كافية لتغطية الحاجيات الأساسية للبشرية وأن العجز البيئوي تفاقم بشكل اطرادي منذ 50 عاما. وقد تزامن إصدار هذا التقرير مع أزمة الحبوب التي ضربت في الصميم محاصيل أمريكا وروسيا والتي بدأت انعكاساتها تظهر بالمكشوف على أسعار القمح بزيادة ناهزت 25 في المائة، ليصل ثمن الطن الواحد إلى 255 أوروها.. وقد أصاب لهيبُ الأسعار، مضاعفا بلهيب الحرارة، السوقَ المغربية. علاوة على ذلك، تراجعت المخزونات وتقلصت الاحتياطات إلى درجة أن المغرب ليس بإمكانه تأمين سوى حاجيات ثلاثة أشهر. وسبق لمصادر مهنية أن توقعت ارتفاع واردات المغرب من القمح اللين إلى مستويات صاروخية. وللحفاظ على توازنه الغذائي، يحتاج المغرب إلى استيراد ما لا يقل عن 4 ملايين طن من القمح اللين إلى غاية نهاية 2013. غير أن عجز المحاصيل في الدول المنتجة الكبرى، خاصة روسيا والولايات المتحدة، وما نتج عنه من رفض لعروض طلبات المغرب وارتفاع للأسعار، سيؤثر سلبا على التوجهات والحسابات التي أعدتها الحكومة المغربية للسنة الاقتصادية لنهاية هذا العام والعام القادم. وإن أضفنا إلى هذا التشخيص الأحوال الجوية الصعبة التي قلصت محصول المغرب من الحبوب من 8.4 ملايين طن في 2011 إلى 5.1 ملايين طن هذا العام، وغياب سياسة فلاحية واضحة المعالم لحكومة بنكيران، يكون «كوكتيل» انفجار الشارع جاهزا؛ فالناس الذين يموتون من الجوع مستعدون للموت من أجل الخبز. في عز الثورة التونسية، التقطت عدسة مصور رجلا نحيفا أمسك ب«كوميرة» ليجعل منها مسدسا رشاشا وجهه في اتجاه قوات الأمن الواقفة على الطرف المقابل من شارع بورقيبة. طافت هذه الصورة بدلالتها الساخرة والمعبرة على مانشيتات الصحافة العالمية وعلى المواقع والمدونات والشبكات الاجتماعية.. ثار الشارع العربي من أجل الخبز وأيضا من أجل الكرامة والعدالة. بعد أزيد من عام على اندلاع هذه الثورات التي خرجت من أباريقها السحرية أشباح من أحجام وأشكال مخيفة، على خلفية الأزمة الغذائية العالمية، هل سيعرف الشارع العربي من جديد اندلاع «ثورة الخبز» أو «ثورة الجياع»؟ والسوابق معروفة لشعوب تستهلك مليار رغيف في العام، وقد تجد نفسها اليوم مفتقدة الرغيف؛ فقد عرفت الأردن، وبالتحديد مدينة «معان»، عامي 1989 و1996 مظاهرات صاخبة سجلت قتلى وجرحى؛ كما عاشت الجزائر عام 1988 أحداثا دامية انتهت بمقتل نحو 500 شخص؛ أما مصر فقد كانت مسرحا لما عرف ب«انتفاضة الفقر» عام 1977 أيام أنور السادات التي أطلقت عليها تسمية «انتفاضة الحرامية»؛ وعرفت تونس في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة عام 1984 انتفاضة الخبز، وقس على ذلك في كل من اليمن وسوريا والمغرب... إلخ. الخلاصة أن «كوكتيل» المتفجرات جاهز في قلب أكثر من دولة عرفت مخاضات الربيع العربي أو انعكاساته، فالخبز، الذي هو أحد المكونات الأساسية لثقافة هذه الشعوب، لا دين له ولا إيديولوجيا، فالخبزة بلا حدود؛ و«الخبز وأتاي» في بلدنا يعد من الأساسيات، أما الكماليات فهي من نصيب «لمرفحين». المأساة هي أن هذه الشعوب قد تسقط من جديد في مطب «السياسة الخبزية» التي سيجت بسببها الأنظمة الاستبدادية بالأمس المطالب الحقوقية للمواطنين. هل سيعيد التاريخ نفسه تحت وطأة الأزمة الغذائية وسيادة الإسلاميين ليتحول معها هؤلاء من «أصحاب الخبزة» بالأمس إلى «أنصار الدبزة» اليوم؟