«لا تدعه يبقيك مستيقظا طوال الليل لأن اللغز لن تستطيع حله والأسئلة لن تجد لها أجوبة»، لكن في «أسرار غامضة طبعت التاريخ» نقوم بالإحياء الدرامي الدقيق لتلك الأسرار التي ألهمت الخبراء وأثارت اهتمامهم وأذهلتهم لقرون وعقود وجعلت من شخصياتها أساطير في الذاكرة. سوف نقوم بكشف حقيقة بعض الشخصيات الأسطورية من خلال اكتشاف أدلة ونظريات جديدة. هو من الشخصيات التي لفّ الغموض حياتها.. ظهر بشكل مفاجئ واختفى بشكل مفاجئ، وكانت حياته حلقة من الغموض.. إنه الكونت سان جيرمان. ظهر لأول مرة عام 1710 في مدينة فينيسا الإيطالية، وفقا لأول خبر معروف عنه، وعرف باسم الماركيز دي مونتفيرات. كان له مظهر رجل يبلغ من العمر ما بين 40 و50 سنة، وقد لازمه مظهره هذا طيلة حياته، ثم مات «رسميا» في عام 1784.. ومع ذلك يعتقد الكثيرين أنه لم يمت في الواقع، حيث إن هذه الشخصية الغامضة كانت تعرَف بالنسبة إليهم باسم «سان جيرمان الذي لا يموت». في هذه الحلقة نكتشف معا أسرار الكونت سان جيرمان الغامضة، والذي عرف بارتدائه ملابس مزينة بالأحجار الكريمة والمولَع بالكيمياء والموسيقى، وهو الرجل الذي أتقن الكتابة والقراءة باللغات اليونانية واللاتينية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية والعربية والصينية.. إنه الرجل الذي ما تزال سيرته لغزا إلى يومنا هذا. حياة غامضة لم يكشف سان جيرمان أصله مطلقا، حتى لأولئك الذين وضع فيهم ثقته، لكن أهل باريس الذين لم يحبوا سان جيرمان قالوا عنه إنه كان ابن يهودي برتغالي يدعى آيمار أو ابن يهودي ألزاسي يدعى فولف. ومع ذلك، فإن الاعتقاد العامّ في ذلك الوقت هو أنه كان الابنَ الطبيعي لسيدة تدعى ماري دي نيوبورغ، وهي أرملة الملك تشارلز الثاني، ملك إسبانيا. في حين دراسة حديثة أظهرت أنه ربما كان فعلاً أحد أبناء (غير الشرعيين) للأمير فرانسيس راكوشزي الثاني في ترانسيلفانيا والأميرة بياتريس دوبافيار، حيث إن الأمير قد قدّم أبناؤه لإمبراطور النمسا حتى يتربوا عنده، ولكنْ قيل إن أحدهم قد مات في سن مبكرة، ويعتقد الآن أن هذا الطفل هو الكونت سان جيرمان، وقد يكون في الواقع هو من تربى وسط عائلة في قرية صغيرة في سان جيرمانو في إيطاليا، وربما قد يكون هذا ما يبرر حمله لقب «كونت». كان الكونت سان جيرمان -طيلة حياته- يبدو كرجل في منتصف العمر، ذي بنية قوية وقامة متوسطة وراويا مدهش لقصص عجيبة لا تُصدَّق ولديه بعض المواهب الرائعة. كان باستطاعته تشكيل حليّ رائعة ولديه فهم كامل للموسيقى والفن، وكان قادرا على تزويد الناس بالجرعات التي ادّعى أنها «إكسير الشباب».. لم يرَ أحد قط الكونت سان جيرمان يأكل أو يشرب، فقط كان يعتمد على شرب الماء وخبز «الشوفان»، لكنه كان يستمتع بصحبة النساء، وقد خالط الطبقة الأرستقراطية، ولم يلاحظ أحد تقدمه في العمر قط. وكانت فترة شهرته الكبيرة في باريس، في ما بين عامي 1750 و1760. اختفاء وظهور مفاجئ كان دور سان جيرمان الرئيسي هو التجسس لصالح الملك لويس الخامس عشر. ومع ذلك، فإن صداقته مع الملك خلقت له العديد من الأعداء داخل الحكومة الفرنسية، فاضطر إلى الفرار إلى إنجلترا. ثم عاد للظهور في روسيا تحت اسم الجنرال سولتيكوف ولعب دوراً كبيراً في ثورة عام 1762. عند بداية عهد الملك لويس السادس عشر، ظهر في باريس مع صديقة قديمة له تدعى الكونتيسة أديمار، ووجه تحذيرا إلى الملكة ماري أنطوانيت حول المخاطر التي ستظهر في المملكة الفرنسية. وحاول سان جيرمان مقابلة الملك شخصيا، ولكنْ صدرت أوامر للشرطة من قِبل وزير الملك بالقبض عليه. مرة أخرى، «اختفى» سان جيرمان، بكل بساطة. ويبدو أنه كان يسعى إلى اللجوء إلى قلعة الكونت تشارلز أوف هيس كاسل في دوقية «شليزنغ»، في النمسا. وقيل إنه قد كشف الكثير من أسراره للكونت، ولكنْ بحلول عام 1784 ملّ سان جيرمان الحياة بكل بساطة، ثم قيل إنه «مات».. مع ذلك، ليست هناك أي سجلات رسمية عن وفاته ولم يكن هناك شاهد قبرا يحمل اسمه.. وقد ترك كل أوراقه، التي تهتم معظمها بالماسونية. وعلى عكس الملك لويس الخامس عشر، لم يكشف الكونت تشارلز أي شيء حول تاريخ سان جيرمان الحقيقي. في الواقع ادّعى تشارلز حزنه على موت سان جيرمان، لكن العديد من المعلقين أشاروا إلى أنه لم يكن يبدو عليه الاستياء مطلقا، وهناك ثمة نظرية تفيد أنه قد يكون مُطّلعا على مراحل الوفاة المتدرج، ومن المؤكد أنه قد قام بتسجيل المزيد من التقارير المتصلة بسان جيرمان. في 1786، ظهر سان جيرمان والتقى بإمبراطورة روسيا، وفي عام 1788، ظهر كممثل فرنسي رسمي على الاتفاقية العالمية للماسونية. وقالت الكونتيسة أديمار إنها قد التقت بصديقها القديم سان جيرمان في عام 1789، وفي عام 1815، وكذلك في عام 1821، كما قالت إنه لا يبدو عليه أثر مرور السنين بما تحويه من ذكريات.. وقد قيل إنه ظل يمتلك تأثيرا على الجمعيات السرية، وربما كان أيضا نبراسا لجمعية «اللاهوت الصوفي»، التي أنشئت في العصور الوسطى من قِبَل الألماني كريستيان روزينكروز. مع ذلك، يعتقد بعض الناس، وخاصة أولئك الذين يرتبطون بحركة التصوف، أن سان جيرمان قد يكون أحد «السادة الكبار»، والذين أرسلوا ليظهروا للرجال أخطاء طرقهم، وهم يعتقدون أنه ربما ما يزال يتجول في الأرض، منتظرا الوقت المناسب للظهور مرة أخرى لينتشل الناس من الماء العكر.. كل هذه القصص والحكايات تصور أن الشخص الغامض، المعروف باسم كونت دي سان جيرمان، ما يزال رجلا غامضا ولغزا محيرا حتى الآن.