وزير الصحة والحماية الاجتماعية يوضح بشأن إلغاء صفقات عمومية    حفل زفاف يتحول إلى جريمة قتل بالقنيطرة    المغرب- موريتانيا: تقارب نحو المستقبل    القضية الوطنية: ثلاثة متطلبات على جدول أعمال 2025    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    البرد يقتل رضيعا ثامنا في غزة    رسميا | الكاف تعلن موعد قرعة كأس إفريقيا للاعبين المحليين    رفع نزاعه إلى الفيفا لعدم احترام بنود فسخ العقد البوسني سفيكو يؤكد أن إدارة الرجاء لم توفر له ظروف العمل وإقالته أضرت بسعته    ماكرون: شراكة استراتيجية مع الملك محمد السادس لتشكيل مستقبل مشترك    أوكايمدن تكتسي البياض وتنعش السياحة الجبلية في الأطلس الكبير    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    فتح عملية التسجيل الإلكتروني لموسم حج1447ه/2026م    الإعلان عن برامج النسخة الثانية من المسابقة الوطنية SLAMDUNK    مطالب برد الاعتبار الى مؤسسة إعدادية المنار بالجديدة ومحيطها الخارجي    مصدر حكومي يؤكد الانطلاق في صياغة مشروع قانون مدونة الأسرة    المغرب يشارك في كأس العالم للطهاة بمدينة ليون الفرنسية    حريق تطوان المفاجئ يلتهم 100 هكتار    الصومعة الحجرية في فجيج .. هندسة فريدة للتراث العريق    صدور العدد 25 من مجلة "محاكمة"    أزمة الرجاء تتفاقم .. هجوم لاذع من كورفا سود على الإدارة والمنخرطين    تأجيل محاكمة رئيس تنسيقية ضحايا زلزال الحوز وسط مطالب بإنهاء معاناة المتضررين    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    بعد أن ارتفعت أسعار اللحوم البيضاء إلى أثمنة قياسية    السلطات الفرنسية تعتقل مؤثرا جزائريا حرض على أعمال عنف ضد ناشطين    المغرب وجهة لتصوير أفلام عالمية.. مخرج بريطاني يختار المملكة لتصوير فيلم سينمائي جديد    مختص يقارب مدى نجاعة استراتجية الحكومة لمواجهة الجفاف الهيكلي    مقتل 3 إسرائيليين في عملية إطلاق نار شمال الضفة الغربية    الاتحاد العربي للرماية ينظم في 2025 ثلاث بطولات بكل من الكويت ومصر و المغرب    المغرب التطواني يبحث عن مدرب جديد    "الحاج الطاهر".. عمل كوميدي جديد يطل على المغاربة في رمضان    تحذير أممي من اتساع رقعة الأراضي القاحلة بسبب الجفاف    الحكومة تطلب تأجيل مناقشة مضامين تعديلات مدونة الأسرة في لجنة العدل بمجلس النواب    ساركوزي أمام المحكمة في قضية القذافي    الدولار يتراجع وسط ترقب البيانات الاقتصادية الأمريكية    كأس الكونفدرالية الإفريقية: نهضة بركان يبلغ ربع النهائي بفوزه على مضيفه الملعب المالي (1-0)    بعد تتويجه رفقة سان جيرمان.. الجامعة المغربية تهنئ حكيمي    الاكتواء بأسعار الدواجن النارية..يدفع المستهلك المغربي للمطالبة بالتدخل الحكومي    أسعار النفط ترتفع إلى أعلى مستوياتها منذ أكتوبر    تقرير يتوقع استقالة رئيس وزراء كندا    ما حقيقة "فيروس الصين الجديد" الذي يثير مخاوف العالم؟    رثاء رحيل محمد السكتاوي    مصالح ‬المغرب ‬تتعزز ‬في ‬مجلس ‬الأمن ‬الدولي    جون أفريك تكشف أسباب التفوق الدبلوماسي المغربي في الساحل    الجمهورية ‬الوهمية ‬الدولة ‬النشاز ‬التي ‬أطبقت ‬عليها ‬العزلة ‬القاتلة    سعيد الناصري يقوم بتجميد شركة الوداد من قلب سجن عكاشة    الصين: البنك المركزي يحدد أولوياته لسنة 2025    وضعية القطارات المتهالكة التي تربط الجديدة والبيضاء تخلق الجدل    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أبرز المتوجين بجوائز "غولدن غلوب" الثانية والثمانين    شركة "ميتا" تعتزم إطلاق أدوات ذكاء اصطناعي جديدة على (فيسبوك) و(إنستغرام)    آية دغنوج تطرح "خليك ماحلّك" باللهجة لبنانية    السعودية .. ضبط 19 ألفا و541 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    الصين تطمئن بشأن السفر بعد أنباء عن تفشي فيروس خطير في البلاد    أسباب اصفرار الأسنان وكيفية الوقاية منها    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توضيحات حول التجربة الحكومية للعدالة والتنمية
نشر في المساء يوم 16 - 08 - 2012

تدفع تجربة حزب العدالة والتنمية، وهو يقود الحكومة الائتلافية في أشهرها الأولى، إلى إبداء مجموعة من التوضيحات قد تفسر جزءا من الانتقادات الموجهة إلى هذه التجربة الجديدة؛ وهي توضيحات تروم التذكير ببعض الوقائع التي قد تشكل عوائق بنيوية تتناقض مع مجمل الشعارات التي كان يرفعها الحزب إبان ممارسته للمعارضة، من جهة، وتحول دون انخراطه في ثقافة تدبير الشأن العام، من جهة أخرى.
يتعلق التوضيح الأول بكيفية الانتقال من العمل الدعوي إلى العمل السياسي؛ فعندما نحاول رصد «بروفيلات» الوزراء الذين تعاقبوا على المغرب قبل تشكيل الحكومة المنبثقة عن اقتراع 25 نونبر 2011، نلاحظ أننا كنا أمام وزراء صامتين أو يفترض فيهم أن يكونوا وزراء صامتين.. فأغلب الوزراء كانوا لا يجيدون التواصل، وكانوا أحيانا يعيشون في أبراج عاجية أو في مكاتب مغلقة، وبالتالي كانوا يعتبرون أن من بين الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الوزير التزامُه الصمت، حيث كان هناك توظيف مبالغ فيه لواجب التحفظ المهني. نحن الآن أمام «بروفيلات» جديدة في ما يتعلق بوزراء العدالة والتنمية، حيث إن أغلبهم كانوا «مناضلين» عبر ممارسة «الدعوة» التي لا تميز بين الوعظ السياسي والوعظ الديني؛ وهؤلاء الذين باشروا العمل السياسي من داخل الحركة الإسلامية، في المغرب وفي غيره، كانت لهم عمليا صلات وثيقة بالمجتمع، وكانوا يشاركون في الندوات بكثافة، وظلوا دائما محتفظين بصلات وثيقة بوسائل الإعلام، خاصة المكتوبة، وبالتالي فقد وجد من استوزر منهم صعوبة في التزام الصمت، فهم يعتبرون أنه لا ينبغي للوزير أن يكون مختبئا في مكتب بعيدا عن الناس، خصوصا وأن الانتقادات الموجهة إلى الحكومات السابقة كانت بسبب غياب التواصل مع الرأي العام، فنحن الآن أمام وزراء اعتادوا عمليا التواصل مع وسائل الإعلام والرأي العام، وبالتالي فإنهم يعتقدون أن الصورة الجديدة التي ينبغي أن ترسم للوزير أو المسؤول السياسي تتمثل أساسا في التواصل مع الرأي العام، هذا بالإضافة إلى المقتضيات الدستورية التي تشدد على حق المغاربة في المعلومة، إضافة إلى أن حزب العدالة والتنمية خاض حملته الانتخابية على أساس محاربة الفساد والاستبداد، وبالتالي فمن الضروري أن يعمل الوزراء الجدد على الأقل على تمكين المغاربة من الاطلاع على بعض المعطيات المتعلقة بما يجري، خاصة وأن رئيس الحكومة وعد منذ البداية بإخبار المغاربة بكل ما يحدث، إلا إذا حتمت الظروف خلاف ذلك.
يرتبط التوضيح الثاني بتداخلات العلاقة بين الأحزاب السياسية والحركات الدعوية، فهناك إشكال كبير يتجلى في ممارسة حزب سياسي للمعارضة وهو يقود أغلبية حكومية، بحيث يجد نفسه غير قادر على الذهاب بعيدا في التعبير عن مواقفه التي يؤمن بها، إما لأنه غير حاصل على أغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، وبالتالي فهو أحيانا يضطر إلى تبرير تراجعاته بكونه مضطرا إلى اللجوء إلى تحالفات من أجل تشكيل أغلبيته الحكومية. وبالرجوع إلى حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، فإنه يجد نفسه على ارتباط بحركة دعوية كحركة التوحيد والإصلاح تعتقد أن الحزب لم يف بما وعد به. وبشكل عام، فإن الأحزاب السياسية عندما تكون في المعارضة تستخدم خطابا شعبويا وتطرح برامج في غاية الطوباوية؛ وهذه وظيفة الأحزاب المعارضة لأنها تعتبر ذلك الوسيلة الوحيدة للتعبئة؛ لكن عندما تنتقل هذه الأحزاب إلى موقع المشاركة في الحكومة تتخلص من تلك الطوباوية لتسقط في الإيديولوجية..
ينبغي التذكير بأن الحركات الدعوية تتعامل مع الأشياء من منطلق أخلاقي على خلاف الأحزاب السياسية التي تتعاطى مع القضايا من منطلق براغماتي، حيث إن الحزب الذي يوجد في الحكومة تصبح لديه القدرة على تبرير الشيء ونقيضه، لكن عندما يكون حزب سياسي مرتبطا بحركة دعوية تتضاعف إشكالاته. وهذا ما ينطبق على الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، فهي تدرك أن قوتها تكمن في الخطابين الهوياتي والأخلاقي، وبالتالي فهي تجد صعوبة في التخلص منهما، خاصة وأن الخطابين الأخلاقي والهوياتي لا يمكن أن يفضيا إلا إلى السقوط في النزعة الشعبوية، لذلك يتهم حزب العدالة والتنمية بالشعبوية، كما يتهم بكونه لم يتحرر من ثقافة المعارضة.
يكمن التوضيح الثالث في وضوح المواقف من الخيار الديمقراطي، فرئيس الحكومة يوجد في موقف لا يحسد عليه، باعتبار مواقفه الملتبسة أولا من حركة 20 فبراير، حيث كان ضد نزول شبيبة وأعضاء الحزب للتظاهر، وكان يؤكد باستمرار أن حركة 20 فبراير تهدد المؤسسة الملكية واستقرار البلاد، ولكن بعد خطاب الملك في 9 مارس 2011، تغيرت لغته نسبيا; وباعتبار مواقفه الملتبسة ثانيا من صياغة مشروع الدستور الجديد، حيث كان يهدد بالنزول إلى الشارع إذا ما تم التنصيص على حرية المعتقد، كما كان دائما يتخذ مواقف رافضة للملكية البرلمانية، وأعلن مرارا أنه يفضل نظام الإمامة عليها، وحتى عندما تم تقديم مذكرة الحزب بشأن التعديل الدستوري، أصر بنكيران وفرض رأيه على أن يتم الحديث عن ملكية ديمقراطية بدل ملكية برلمانية.
يتجلى التوضيح الرابع في كيفية تدبير تحالفات الأغلبية، فرئيس الحكومة المكلف وجد نفسه في مواجهة العديد من الإكراهات، تمثلت أساسا في البرنامج الحكومي الذي تمت صياغته بشكل بعيد كل البعد عما تضمنته البرامج الانتخابية للأحزاب الأربعة المشكلة للحكومة، أو على الأقل بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، كما لوحظ أن مشروع قانون المالية الذي تمت المصادقة عليه غير متطابق حتى مع ما جاء في التصريح الحكومي. يجد الإنسان كثيرا من الحرج ليفهم كيف لحزب العدالة والتنمية الذي خاض معركة المعارضة انطلاقا من انتقاده لمجموعة من السياسات التي انتهجتها الحكومات السابقة -وخاصة حكومة عباس الفاسي التي كانت تتكون من حزب الاستقلال بالأساس ومن الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، وقدم برنامجا انتخابيا يعتبره نقيضا للبرامج الانتخابية لتلك الأحزاب التي كان يعتبرها المسؤولة عن تردي الأوضاع بالمغرب- أن يتحالف معها، بل الأكثر من ذلك أن يبرر هذا التحالفَ بأن برامجها الانتخابية لا تختلف عن برنامجه الانتخابي وأنها (أي الأحزاب التي تحالف معها) متقاربة في تصوراتها.
يتمثل التوضيح الخامس في القدرة على تنزيل الدستور والوفاء بالالتزامات، فقد سجل ارتفاع في نسبة عدم احترام حرية التظاهر... كما تطرح علامات استفهام كبرى حول شعار محاربة الفساد، فرئيس الحكومة يؤكد أنه أتى لمحاربة الفساد، غير أنه لا أحد يعرف نوع هذا الفساد الذي سيحاربه، بل الأدهى من ذلك أن بنكيران بدأ يكتشف مع مرور الوقت أنه لا يمكن الذهاب بعيدا في ما يتصوره، لأنه يصطدم بما أسماه هو نفسه بالقلاع المحصنة التي تحول دون التغيير. ولعل عدم القدرة على تنزيل الدستور وعلى الوفاء بالالتزامات جعل رئيس الحكومة يختبئ وراء الملك؛ وهنا نتذكر ما قاله الملك في افتتاح الدورة البرلمانية في 14 أكتوبر 2011 عندما دعا الحكومة إلى صياغة برنامجها والإشراف على تنفيذه. وخطاب الملك كان يفيد معنى محددا، وهو أن الحكومة التي ستفرزها صناديق الاقتراع لا ينبغي أن تستمر في الاختباء وراء الملك.
يتجسد التوضيح السادس في انسجام مكونات الأغلبية الحكومية، فالسؤال الذي كان قد طرح منذ البداية انصب على التحدي الحقيقي الذي يواجه حكومة بنكيران، والذي لم يكن شيئا آخر غير مدى القدرة على «صهر» مكونات الحكومة الائتلافية، لكن بعد مرور أكثر من نصف سنة يكتشف الرأي العام غياب هذا الانسجام، حيث اضطر رئيس الحكومة إلى عقد أكثر من لقاء بين رؤساء الأغلبية، فالوعد بخلق الانسجام شيء والقدرة على خلقه شيء آخر، خاصة عندما لا نمتلك آليات خلق هذا الانسجام. وفي اللحظة التي كان ينتظر فيها أن يحدث فرز واضح بين الأغلبية والمعارضة في ظل التجربة الحكومية الجديدة فوجئنا بأن المعارضة توجد داخل الأغلبية الحكومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.