تقدمت القناة الثانية بطعن لدى المحكمة الإدارية يهم قرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والقاضي بإلزام القناة الثانية بنشر حق الرد من قبل جريدة «المساء» على خبر نشر في 20 غشت، وقالت عنه الهيئة العليا «إنه خبر من شأنه التشهير بجريدة «المساء» ورسم صورة سلبية عن مؤسسيها، وبالتالي التأثير على المشاهد في تحليله للخبر والتعامل معه، الشيء الذي يخل بموضوعية الخبر». وترجع وقائع هذا القرار إلى خبر نشرته القناة الثانية مأخوذا عن قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء، قدمت فيه المخرج السينمائي محمد العسلي كمؤسس لجريدة «المساء» بعد استدعائه من قبل الشرطة القضائية للاستماع إليه في ملف السوريين المتهمين بتبييض الأموال والهجرة السرية. وعلاوة على أن الوكالة والقناة الثانية خرقتا سرية التحقيق وحولتا العسلي من شاهد إلى متهم، عملت القناة الثانية والوكالة الرسمية على تقديم محمد العسلي كمؤسس لجريدة «المساء»، والحال أنه مساهم إلى جانب آخرين في الشركة التي تشرف على إنتاج وتسويق جريدة «المساء»، وأن مؤسس هذه الجريدة هو مديرها رشيد نيني، كما هو منصوص عليه في وصل الإيداع المسلم من قبل المحكمة... لماذا رفضت القناة الثانية تطبيق قرار صادر عن الهيئة العليا للسمعي البصري، ولجأت إلى الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية؟ هناك أكثر من مبرر قدمه دفاع القناة الثانية سنحاول مناقشته قانونيا، أما الاعتبارات السياسية الكامنة وراءها فسنتركها لمناسبة أخرى. أولا: تطعن القناة الثانية في قانونية قرار الهيئة العليا، بناء على أن التعددية في الآراء ومراعاة اختلاف الأطراف، كما ينص على ذلك دفتر التحملات، لا ينسحب على الأخبار بل يخص البرامج والروبورتاجات. فالأمر، حسب دفاع القناة، «لا يتعلق ببرنامج أعدته القناة كان محوره استدعاء العسلي من طرف الشرطة القضائية حتى ينبغي الحفاظ على الطابع التعددي لتيارات التعبير»، هنا يتضح التأويل غير القانوني وغير المهني لمبررات القناة. كيف يطلب من القنوات التلفزية والإذاعات أن تراعي التعدد واختلاف الرأي المفضي إلى الموضوعية في البرامج، ولا يُطلب منها نفس الشيء في الأخبار، علما بأن هذه الأخيرة هي المعنية أكثر بالدقة والموضوعية وتعدد الآراء لأنها تُقدم في قالب «إخباري» إلى المشاهد، وبالتالي فهي الأكثر تأثيرا فيه بالمقارنة مع البرامج الأخرى؟ ثم كيف يجهل دفاع القناة الثانية أن الأعراف المهنية في كل التلفزات والإذاعات والصحف تتشدد أكثر مع «الأجناس الخبرية» مقارنة بالأجناس الأخرى. ثانيا: تحتج القناة الثانية على أحقيتها في بث خبر بعيد عن الموضوعية بكون مصدر هذا الخبر هو وكالة المغرب العربي للأنباء، صاحبة القصاصة الأصلية التي أخذت عنها القناة الثانية الخبر، باعتبار هذه الوكالة «المصدر الرسمي للأخبار في المغرب»، وباعتبار أن الظهير المؤسس للوكالة سنة 1977 يحدد أهدافها في «البحث في المغرب وخارجه عن عناصر الخبر الكامل والموضوعي»، و«أن التعامل مع أخبار هذه الوكالة يتم وفق روح ظهير تأسيسها... وأنه لو كان الخبر يمس الشرف لما عمدت إلى نشره وكالة رسمية يترأس مجلسها الإداري وزير الاتصال»... هذه بالمجمل هي مبررات القناة الثانية لنشر الخبر، وأن القاعدة المعمول بها، سواء في دفتر التحملات الذي يلزم القناة أو في الأعراف المهنية، هي أن الذي ينشر أو يبث الخبر هو المسؤول الأول عنه بغض النظر عن قوة أو ضعف المصدر. ثم إن كون الظهير المؤسس للوكالة ينص على شرط الموضوعية في عملها، فهذا لا يعني أنها ستلتزم بهذا الظهير وأن عملها معصوم من الخطأ، لأن ظهير 78 ينص على ذلك. أما كون تهمة المس بالشرف بعيدة عن الوكالة نظرا لأن مجلسها الإداري يترأسه وزير الاتصال، فهذا مما لا يستقيم مع المنطق، لأن وزير الاتصال هو نفسه «غير معصوم من الخطأ»، ومن جهة أخرى لأنه جزء من الجهاز التنفيذي، ومن ثم فهو طرف. فهذه حجة ضد القناة الثانية وليست حجة في صالحها. فمادامت وكالة الأنباء مؤسسة رسمية ويترأس مجلسها الإداري وزير في حكومة، فعلى القناة الثانية أن تحتاط أكثر من الأخبار التي تبثها هذه الوكالة. إن الاختباء وراء الظهير ووراء رسمية الوكالة ووراء الوزير كلها اعتبارات سياسية وليست قانونية، فالجريدة والتلفزة والراديو مسؤولة عما تبث من الأخبار، بغض النظر عن مصادر تلك الأخبار، أكانت رسمية أو غير رسمية، صادرة عن وزير أو معارض. فإذا تحولت وكالة خباشي إلى «صحيح البخاري» فلا حاجة للهيئة ولا حاجة إلى أخلاق المهنة، وسيصبح النقل عن الوكالة يعفي من كل مسؤولية قانونية... ثالثا: يقول دفاع القناة الثانية إن محمد العسلي شخصية عمومية وإنه معروف لدى الرأي العام بكونه منتجا سينمائيا ومؤسس جريدة «المساء»، والسؤال هنا عن مصدر هذه المعلومة التي تقول «إن محمد العسلي معروف لدى الرأي العام بكونه مؤسسا لجريدة «المساء»؟» هل أنجزت القناة الثانية استطلاعا للرأي وعرفت، من خلال نتائجه، أن الرأي العام على علم بكون محمد العسلي مؤسسا لجريدة «المساء»؟ ثم ألم تجد القناة الثانية ووكالة المغرب العربي للأنباء أية مناسبة غير مناسبة استدعاء العسلي للشهادة أمام الشرطة القضائية لتُذكّر الجمهور بأنه مؤسس لجريدة «المساء»؟ إن مجمل هذه المبررات يكشف ليس فقط «التخبط» الذي سقطت فيه القناة، بل كذلك ضعف الحس القانوني والمهني لدى المؤتمَن على إدارة جزء من القطب الإعلامي العمومي.