تقوم عصابات أمريكا اللاتينية، وهي في الغالب من كولومبيا وبوليفيا وبلدان أمريكا الوسطى، إضافة إلى البرازيل، بشحن كميات كبيرة من الكوكايين نحو السواحل الإفريقية. وتشير الأرقام التي كشفت عنها شرطة الأنتربول إلى أنه تم ضبط أزيد من ثلاثين طنا من كميات الكوكايين خلال السنوات الأخيرة، أي حتى شهر سبتمبر الماضي، وهذا يكشف أن الكوكايين التي نجحت في المرور ودخول الأسواق هي أكبر بكثير من الكميات المحجوزة. عملية الشحن تتم بعدة طرق، إما عبر يخوت فارهة وزوارق شراعية فاخرة لا تثير شكوك أحد، وهذه في الغالب وسيلة ناجعة من أجل الإفلات من المراقبة، أو تتم عبر بواخر وسفن تجارية تحمل أعلام بلدان معروفة بالملاحة التجارية مثل باناما، أو حتى أعلام بلدان غنية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو البلدان الأسكندنافية. عصابات الكوكايين أصبحت، بحكم تجربتها الطويلة في هذا المجال، تعرف أن نقل الكوكايين مباشرة من سواحل أمريكا الجنوبية إلى السواحل الأوربية عملية تكتنفها الكثير من المخاطر، لأن الاتحاد الأوربي جعل من محاربة مافيا «الغبرة البيضاء» أولوية حقيقية. ومن أجل ذلك تطورت وسائل ترصد هذه العصابات، وزرعت على طول الشواطئ الأطلسية لأوربا أجهزة رادار جد متطورة لرصد أي تحرك مشبوه لسفن يمكن أن تحمل مخدرات أو مواد ممنوعة. لذلك قررت عصابات الكوكايين أن تحول وجهتها، قليلا نحو الجنوب، أي السواحل الإفريقية الغربية التي لا تبعد كثيرا عن أوروبا. وربما كانت السواحل المغربية أفضل مكان يمكن أن ترسو فيه سفن تحمل على متنها كوكايين أمريكا الجنوبية، لأنها قريبة من أوربا، ومن المحتمل جدا أن شحنات كوكايين كانت ترسو باستمرار على الشواطئ المغربية الأطلسية، والدليل على ذلك تلك الكميات الكبيرة من المسحوق الأبيض التي ظهرت قبل عدة سنوات ما بين شواطئ الدارالبيضاء ومدينة الجديدة، والتي اعتقد الناس الذين عثروا عليها في البداية أنها أكياس سكر فحملوها إلى منازلهم، وهناك آخرون فطنوا إلى الثروة التي تحملها فقرروا بيعها. ويعتقد أن تلك الكميات كانت ضمن شحنة كوكايين كانت عصابات أمريكا اللاتينية تريد أن ترسو بها في شاطئ مغربي قبل أن تقرر التخلص منها عبر رميها في البحر عندما داهمتها دورية أمنية في عرض البحر. لكن المشكلة التي ظهرت فيما بعد هي أن الهجرة السرية وضعت الكثير من الشوك في طريق تجار الكوكايين، حيث عمل المغرب، بعد ضغوط متزايدة من بلدان الاتحاد الأوربي، على تشديد الحراسة على شواطئه شمالا وجنوبا، ووصلت هذه الحراسة حتى أقصى الجنوب المغربي، وهو ما جعل من رسو شبكات الكوكايين في الشواطئ المغربية أمرا صعبا. لكن شبكات الكوكايين لم تطل التفكير من أجل العثور على حل، حيث وجدت بسرعة تلك الأماكن الرخوة في شواطئ غرب إفريقيا رغم بعدها عن أوربا. ومصطلح «الشواطئ الرخوة» عادة ما يطلق على تلك المناطق التي لا تتمتع بحماية أمنية كافية. تبدأ الأماكن الرخوة ابتداء من السواحل الموريتانية، وهذا ما يفسر وجود عصابات قوية للمتاجرة في الكوكايين في موريتانيا، من بينها تلك الشبكة التي تم تفكيكها قبل عدة أشهر، والتي يوجد من بين أعضائها ابن رئيس موريتاني سابق، والتي كانت تركز نشاطها بين موريتانيا والمغرب. لقد كان هدف عصابات أمريكا اللاتينية دائما هو استقطاب أكبر عدد ممكن من مواطني البلدان التي تستقر فيها بضاعتهم من أجل خلق تعاون استراتيجي يأخذ فيه كل واحد نصيبه. لذلك فإن أي بلد إفريقي ترسو فيه الكوكايين لا بد أن يوجد فيه العشرات من المتعاونين مع الشبكات الأجنبية، وهؤلاء المتعاونون سرعان ما يتحولون إلى مالكي زمام أنفسهم مع مرور السنوات واكتسابهم خبرة كبيرة في التسويق والبيع والنقل.