للتذكير، إذا كانت قضية الصحراء قد تعقدت أكثر نتيجة السياسات والتصورات الضيقة التي تبنتها الحكومات المغربية السابقة، بالإضافة إلى إصرار الجزائر على عدم الاعتراف بكونها طرفا أساسيا في النزاع، فقد آمن بها الملك أكثر واعتبرها مشكلة داخلية، علما بأن موقف المملكة من البوليساريو في عهده لم يتغير؛ وتبعا لذلك، فقد أعطى الملك القضية ما تستحقه من اهتمام في مجالات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ثم تعامل مع القلاقل في الصحراء بشكل جديد من الاسترضاء اللطيف، أملا في الوصول إلى تسوية تعود بالنفع على سكان الصحراء وتحفظ للمملكة وحدتها الترابية. وبهذه الطريقة، تحكم في الإشكالية وأحاطها بالكثير من الضمانات، الأمر الذي سهل استدراج الجزائر للمطالبة بالتقسيم، مما قوى موقف المغرب وزاد من مصداقية مفهومه لتقرير المصير على المستوى الدولي، وأقبر بالتالي حلم الجزائر في إقامة «جمهورية صحراوية» في الجنوب. ولأن القضية تندرج ضمن المسائل الداخلية، فقد تمكن الملك -عبر اتفاقية للتبادل الحر مع أمريكا واتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوربي- من الحصول على اعتراف دولي وواقعي في الميدان بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية من قبل برلمانات الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي. وإلى جانب هذه الاعترافات التي نسفت القاعدة التي أسست عليها الجزائر «جمهوريتها الصحراوية»، فقد عزز الإجماع الوطني حول الصحراء مواقف المغرب ووفر للمملكة إمكانيات شرعية لمقاومة الخصوم، لأن هناك اعترافا بحقيقة واقعية وهي أن مصلحة سكان الأقاليم الجنوبية تكمن في البقاء تحت السيادة المغربية وليس العكس، وهي الحقيقة التي أكدها الخبير الإسباني «برنابي لوبيث غارسيا» الذي قال: «إنه بالإمكان أن يتم حل قضية الصحراء عبر بناء مغرب ديمقراطي قائم على الجهوية والتعدد وأن مصلحة الصحراويين تكمن في البقاء تحت السيادة المغربية». وعليه، إذا كان النظام الجزائري منذ سبعينيات القرن الماضي يواصل تجنيد إمكانياته قصد إجهاض خيارات المملكة بهدف التخلص من إشكالية الحدود، ثم الوصول إلى المحيط الأطلسي، الأمر الذي لن يسمح للمغرب ولا لإسبانيا بتفعيله، فقد حاول -لتحقيق طموحاته الترابية- خلق «دويلة صحراوية» في الجنوب مركزا على ثلاثة ادعاءات: 1 - إن سكان الصحراء يشكلون أمة؛ 2 - إنه لا علاقة «للأمة الصحراوية» بالدولة المغربية؛ 3 - إن هذه الأمة تعيش مجزأة، بعضها في تندوف، وأغلبها يعاني التهميش في ظل الحكومة المغربية. وبالنظر إلى وجهات نظر الخبراء والمهتمين، فإن الادعاء الأول يعتبر ضعيفا فيما لا يقوى الثاني على الصمود أمام الحقائق التاريخية، علما بأن تفسير مفهوم «الأمة» لأغراض السلم والأمن الدوليين، يقتضي تحليل الماضي والمصالحة معه اعتمادا على الجهوية كإحدى أهم قواعد النظام العالمي الجديد، لكن مسألة تهميش السكان تحتاج إلى نقاش، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح التساؤلات التالية: كيف واصل الملك محمد السادس مواجهة الجزائر والبوليساريو في مختلف الفضاءات الدولية؟ وكيف عارض التسويات الجهوية المقترحة بشأن الأقاليم الجنوبية؟ وما هو البديل الذي اقترحه لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء؟ وما هي الميكانيزمات التي أحدثها للمشاركة في بلورة مشروع الحكم الذاتي؟ وكيف استطاع أن يقنع المجتمع الدولي بمغربية الصحراء؟ وكيف يمكن تقييم انتكاسة الدبلوماسية الجزائرية بسبب تأييد المجتمع الدولي للمبادرة الملكية بخصوص الحكم الذاتي في الصحراء؟ وأخيرا، ماهي القيمة المضافة في تعيين أول إسلامي على رأس وزارة الخارجية والتعاون؟ وهل سينجح الطبيب النفساني المغربي (سعد الدين العثماني) في إيجاد وصفة أدوية لعلاج اختلالات حكام الجزائر المؤيدين للطرح الانفصالي؟ تقتضي الإجابة عن هذه الأسئلة والإحاطة بها التمييز بين الجهود الدبلوماسية الملكية والحصيلة الفعلية لهذه الجهود وآثارها في المجتمع الدولي وعلى الأممالمتحدة، وهو ما سنحلله بشكل تركيبي في المقالات القادمة انطلاقا من الاستراتيجية الملكية لتفنيد ودحض طروحات الجزائر وتأهيل الجهوية في المغرب عبر حكم ذاتي في الصحراء، وفيها سنتناول التسويات الجهوية الأممية بعد فشل الخيارات الجزائرية، كما سنحلل الخطط التي وضعها الملك على المستوى الخارجي لفضح الأهداف الجزائرية وإقناع المجتمع الدولي بتصوره الجديد للجهوية عبر المبادرة التي اقترحها كبديل لتسوية هذا النزاع المفتعل حول الصحراء؟ باحث مختص في شؤون وقضايا الصحراء