ما كان أحسن كلام بنيامين نتنياهو إذ قال: «إسرائيل تُقدر العملية الديمقراطية في مصر وتحترم نتائجها». «تُقدر وتحترم»، هاتان كلمتان من المعتاد استعمالهما في رسائل الإقالة أو خطب تأبين جوفاء. أيُّ كارثة كانت ستقع لو صدر عن نتنياهو شيء مثل «أنا أهنئ محمد مرسي لأنه انتُخب ليكون رئيس مصر، وأتمنى له ولشعبه النجاح. ستستمر إسرائيل في كونها شريكة لمصر وسيُسعدها أن تساعد حينما يُحتاج إلى ذلك». حظي رؤساء أقل أهمية ورؤساء نظم حكم مريبون بكلام أسخى. لكن كيف تُمكن تهنئة تهديد؟ وتمني النجاح لممثل «الإرهاب الإسلامي»؟. لن تحظى حكومة إسرائيل أصلا ورئيسها بوسام تقدير على التهذيب والأدب. وتشهد على فظاظة إسرائيل قضية «الكرسي المنخفض» الذي أجلست عليه سفير تركيا. وقد يحين الآن دور مصر التي أصبحت إسرائيل تضعها تحت عدسة المجهر للفحص عن سلوك «جمهورية الشر» الجديدة. لكن هناك سبيل أخرى أيضا، فلإسرائيل ومصر الكثير من المصالح المشتركة؛ بعضها استراتيجي مثل تعزيز السور الواقي من التأثير الإيراني في المنطقة؛ وبعضها تكتيكي يرمي إلى تهدئة الحدود بينهما وإخراج المنظمات الإرهابية من خارج سيناء. وفي مصر، سواء كان الحديث عن المجلس العسكري الأعلى أو عن الرئيس الجديد، يتفقون مع إسرائيل على الحاجة إلى جعل سيناء مركزا سياحيا فوارا؛ فالسياحة مصدر من مصادر الدخل الأهم لمصر، وورد في برنامج انتخابات مرسي أنه يطمح إلى عدد 20 مليون سائح كل سنة (قياسا ب12.5 مليون قبل الثورة). ووعد مرسي أيضا بتخصيص أكثر من 3 مليارات دولار لتطوير البنية السياحية التحتية التي يعمل فيها نحو من 4 ملايين مواطن. ولا يهم مرسي، بخلاف خصومه السلفيين، أن يتجول السياح والسائحات بملابس العوم على طول الشواطئ بشرط أن ينفقوا أموالهم في مصر. لا يكفي للإتيان ب20 مليون سائح أن تكون الأهرام محروسة، بل يجب أن تكون سيناء خالية من الإرهاب لأنه حينما يسمع السائح بعمل تفجيري في مصر لا يسارع ليفحص في الخريطة في أي شارع في القاهرة كان ذلك أو بقرب أي مفترق طرق في العريش انفجرت الشحنة الناسفة، بل يتصل لإلغاء تذكرة الطيران. يؤيد مرسي، الذي أصبح اسما جمعيا للإخوان المسلمين والنظام الجديد في مصر، إعادة حقوق الفلسطينيين، لكن بشرط ألا تكون على حساب مصر. والإرهاب في سيناء -حتى لو كان من أجل «الهدف المقدس» وحتى لو كانت تنفذه حماس، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، رغم كون حماس فرعا عن الإخوان المسلمين- يجبي من مصر ثمنا باهظا. لا تُجري إسرائيل وحماس تفاوضا في التطوير الاقتصادي أو في التعاون الاستراتيجي مع مصر، بل يوجد بين إسرائيل وحماس اتفاق آلي، فهم يطلقون النار ويتلقون الرد على ذلك إلى أن تأتي مصر لتسجن الطرفين وتُعيدهما إلى قفصيهما؛ هكذا كانت الحال في فترة حسني مبارك وهكذا كانت في الصدام الأخير. لكن حينما تحكم مصر خاصة حكومة ورئيس من الإخوان المسلمين، فمن المهم على الأقل أن نحاول التوصل إلى تفاهمات مشتركة أجدى وأثبت. لا حاجة إلى أن تعترف حماس بأن إسرائيل دولة يهودية، وليس من الضروري أن يسجل مرسي زوجته في منظمة «نساء هداسا» لإجراء حوار مشترك، بل سيكون كافيا أن يتوصل مرسي ونتنياهو إلى اتفاق على إزالة الحصار عن غزة وفتح المعابر من جديد تحت رقابة مشتركة من حماس وممثلي الاتحاد الأوربي ومصر. ويجدر أن نبادر إلى التوصل إلى اتفاق كهذا قبل أن يستقر رأي حكومة مصر الجديدة، بمبادرة منها، على أن تفتح من جديد المعبر للسلع أيضا وتُنهي بذلك التحول القاسي الذي لا يُجدي على أمن إسرائيل ويحطم مكانتها في العالم. وستصرخ إسرائيل أن مصر لا تحترم الاتفاقات، لكن يجدر أن نتذكر أن مصر لم توقع على اتفاق المعابر وأن إسرائيل ما تزال تستطيع التوصل إلى اتفاق مع مصر. هذه بضعة أمثلة فقط على جملة الفرص التي يُتيحها النظام الجديد في مصر. لكن يجب على طرف ما في الجانب الإسرائيلي أن يبدأ الحديث لا أن يحرك رأسه فقط و«يُقدر ويحترم». عن «هآرتس»