منح تأجيل الانتخابات الجماعية إلى منتصف السنة المقبلة سنة إضافية لأعضاء مجلس المستشارين، بعدما سبق أن تقدم عدد من أعضاء الغرفة الثانية أثناء المصادقة على دستور فاتح يوليوز بملتمس إلى وزير الداخلية قصد السماح بانتداب 90 مستشارا برلمانيا إلى غاية سنة 2018، بعد فوزهم في انتخابات تجديد الثلث بمجلس المستشارين نهاية سنة 2009، بينما تم رفض طلبهم، وتمت المصادقة داخل مجلس النواب على إقرار مرسوم قانون يقضي بحل الجماعات الترابية ومجالس العمالات والأقاليم والجهات ومجلس المستشارين، وجعل العضوية قانونية مؤقتا داخل هذه الأجهزة في انتظار تحديد موعد الاستحقاقات المقبلة. تمديد سنة أخرى لأعضاء مجلس المستشارين في ممارسة مهامهم سيطرح عددا من الإشكالات حول مصداقية العمل البرلماني داخل الغرفة الثانية، وهو ما يتناقض بين عمل مجلس النواب في إطار دستور جديد، وبين عمل مجلس المستشارين المنبثق عن دستور 1996. ويؤكد محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أنه «من الناحية القانونية تصعب ممارسة المستشارين البرلمانيين لمهامهم من خلال التمديد سنة أخرى لعضويتهم داخل الغرفة الثانية». وأضاف أنه لا يستحسن أن تؤجل الحكومة الانتخابات الجماعية إلى السنة المقبلة، لأن الإشكال الذي يطرح، حسب كلام الغالي، هو مصداقية عمل المستشارين البرلمانيين، على الرغم من أن هذا التمديد يعتبر «مشروعا» من الناحية القانونية. ويبدو أن الانتخابات الجماعية ستفرز أعضاء مجلس جديد للمستشارين، منبثقة عن الانتخابات الجماعية التي ستجرى السنة المقبلة، وستليها انتخابات للمأجورين وأعضاء الغرفة المهنية، حيث ستعطي هذه الانتخابات غرفة ثانية بصلاحيات ضعيفة بالمقارنة مع دستور 1996، بعدما أصبحت الكلمة الفصل لمجلس النواب، وفقا لفصول الدستور الجديد. ويرى أستاذ العلوم السياسية أنه على الرغم من أهمية الانتخابات الجماعية التي ستؤسس للجهوية في البلاد وفق الدستور الجديد، فإن مسألة تمديد سنة إضافية للمستشارين البرلمانيين تبقى مسألة وقت في انتظار حل الغرفة الثانية قبل الانتخابات. وأوضح أن الانتخابات الجماعية والمهنية وممثلي المأجورين ستفرز غرفة ثانية بصلاحيات «مقزمة» بعدما أصبحت الغرفة الثانية تتوفر فقط على مراقبة تقنية من خلال الأسئلة الكتابية والشفوية، بينما لا تتوفر على القدرة إسقاط الحكومة. ويظهر أن رفض ملتمس المستشارين بتمديد ولايتهم إلى غاية 2018 يشكل جوابا حقيقيا من الدولة بالنسبة إلى تفعيل الدستور الجديد، رغم المحاولات التي أبداها المستشارون الفائزون في انتخابات تجديد الثلث في 2009 في التمديد لهم، ودفعت بقيادات حزبية إلى الدفاع عن هذا الموقف من خلف الستار. ويعتبر الغالي أن جميع المؤسسات تبقى «فاقدة للمسؤولية» مباشرة بعد إقرار أي دستور جديد في البلاد. وأضاف أن مذكرة المستشارين للتمديد في ولايتهم تعتبر متناقضة مع الدستور الجديد لأن هؤلاء تم انتخابهم خلال دستور 1996، ومشاريع القوانين التي من المفترض مناقشتها داخل مجلس المستشارين ترتبط بوضعية جديدة بعد هبوب رياح الربيع العربي على المغرب، ومساهمة العديد من الأحزاب والفعاليات الحقوقية والجمعوية في صياغة الدستور. ويبدو أن الرهان الذي تنكب عليه الحكومة الحالية هو التفعيل الأساسي للجهوية، الذي نص عليه الدستور، من خلال الانتخابات التي ستجرى بالنسبة لمجالس الجهات. ويقول الغالي إن الانتخابات الجماعية ستفرز مجلسا للمستشارين دون صلاحيات بعدما ألغى الدستور الجديد اللجنة المختلطة، التي كانت تبت في عدد من القوانين في حال رفضها من قبل مجلس النواب بموجب دستور 1996، وهو ما سيتماشى، يقول المتحدث ذاته، مع طبيعة مجلس النواب، الذي ينتخب بطريقة مباشرة من قبل المواطنين، بينما ينتخب مجلس المستشارين بطريقة غير مباشرة من قبل أعضاء الجماعات المحلية والغرف المهنية وممثلي المأجورين، وكان لزاما أن يتم الحد من اختصاصات الغرفة الثانية. ويضيف الغالي أن الرهان المطروح في السنوات المقبلة هو اختبار الجهات في مدى قدرتها على تدبير الشأن المحلي وفقا للتقسيم الجهوي الجديد. وكان المجلس الدستوري رفض استقالة عدد من المستشارين البرلمانيين قبيل الانتخابات التشريعية ل25 من شهر نونبر الماضي، بعدما تقدموا باستقالاتهم قصد الترشح لانتخابات مجلس النواب.لكن الإشكال الذي ستواجهه حكومة بنكيران في الانتخابات الخاصة بمجلس المستشارين هو استعمال المال الفاسد، بعدما أثبتت الانتخابات التي تجرى بطريقة غير مباشرة شراء أصوات أعضاء الجماعات المحلية وممثلي الغرف المهنية، وأثبتت انتخابات تجديد الثلث سنة 2003 فسادا واضحا، حينما تجسست وزارة الداخلية على مكالمات المرشحين، واستدعى فؤاد عالي الهمة الوزير، المنتدب سابقا في الداخلية، مباشرة عددا من ممثلي الأحزاب السياسية للاطلاع على تفاصيل مكالمات هاتفية بين المرشحين وأعضاء الغرف والجماعات، حيث تم منع سبعة مستشارين فائزين من الدخول إلى قاعة البرلمان أثناء افتتاح الدورة التشريعية، وهو ما ردت عليه قيادة العدالة والتنمية بأن السبب الرئيسي في عدم حصول حزب العدالة والتنمية على أي مقعد داخل الغرفة الثانية هو أن جميع الأعضاء ممن يحق فيهم التصويت يلجؤون إلى بيع أنفسهم إلى المرشحين.