محمد خان، المخرج والمنتج السينمائي مصري المولد (من أب باكستاني وأم مصرية) لم تشفع له في الحصول على جنسية البلد الذي لم يعرف وطنا بديلا له صفة رائد السينما الواقعية، التي جعلته ينقل صورة أعماق مصر للعالم كما هي، فصاحب «زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا» و»في شقة مصر الجديدة» يعتبر الشارع أهم مدرسة ينهل منها للسينمائي، حيث يدرّسه فيها المواطن البسيط. في هذا الحوار يتحدث محمد خان ل«المساء» عن السينما المصرية بعد الثورة، وعن انتظاراتها من المخاض السياسي العسير الذي تعيشه البلاد. - هل كشفت الثورة المصرية عن تمثلات الفساد في السينما المصرية؟ وهل استطاعت عمل نقلة نوعية على مستوى المضامين؟ أعتقد أن هناك مبالغة كبيرة في الحديث عن إنجازات الثورة، فالإنجاز الفعلي الذي تحقق الآن هو سقوط النظام، بل هذا النظام نفسه لا زال لم ينته تماما، لكن الحديث عن كشف الفساد في المجال السينمائي أو غيره من المجالات فأرى أنه يحتاج إلى بعض الوقت، علما أننا كنا نعلم دائما بوجود فساد حتى قبل أن تقوم الثورة. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن المضامين، فيجب أن ننتظر لنرى هل سيكون هناك تغيير بعد أن تنقشع السحب. - نجوم كثر عارضوا الثورة في مصر أضحوا الآن يعيشون نوعا من العزلة، وتكاثرت الدعوات المطالبة بمقاطعة أعمالهم. ما تأثير ذلك على السينما المصرية؟ لا أتصور أن هذه الحالة عامة، كما يريد البعض أن يظهرها، فأنا ألاحظ أن هذا الأمر حدث فعليا مع ممثل واحد فقط، هو طلعت زكريا، والدعوات التي أُطلقت لمقاطعة أعمال السينمائيين الذين ساندوا النظام لم يكن لها تأثير كبير، لدرجة أن بعض الممثلين الذين تمت المطالبة بمقاطعتهم هم من يضمون للأعمال السينمائية الآن مداخيل كبيرة، للأسف الشديد. - وماذا عن رحيل النجوم المصريين صوب أقطار عربية أخرى؟ ما تأثير ذلك على الساحة السينمائية المصرية؟ معاناة السينما المصرية لم تنطلق عقب الثورة، بل هي ممتدة منذ عشرات السنين، وهجرة الممثلين التي تتزايد الآن بسبب الأوضاع الداخلية لن تكون المشكلة الأولى أو الأخيرة. أما عن تأثيرها فأتصور أنها ستساهم في زيادة التركيز على أسماء بعينها لتكون هي الضامن لتحقيق المداخيل الكبيرة، وهذا ما سيرفع أسهمها، وطبعا ذلك سيؤدي إلى قتل المنتجين الصغار، ذوي الإمكانات المحدودة، ونحن نعلم الدور الذي يلعبه المنتج الصغير في صناعة أفلام طموحة. - لكن هجرة النجوم نحو أقطار أخرى ليست دائما موضع ترحيب، إذ إن بعض النقاد اتهموا عددا من الممثلين المصريين بتصدير الرداءة، ونحن في المغرب عايشنا مؤخرا نموذجا لذلك. أنا أرفض أن توصف السينما المصرية بالمُصَدِّرَةِ للرداءة، ولا أتصور أن مثل هذا الكلام يعمم على جميع الممثلين المصريين، بل هو استثناء، لأن السينما المصرية معروفة بتاريخها الحافل وأعمالها الخالدة. - هل ستسهم التحولات التي تعرفها مصر، والتي تنعكس على القطاع السينمائي، في إحالة عدد من النجوم التقليديين على التقاعد وفسح المجال أكثر لبروز وجوه شابة، تستجيب لتطلعات جيل الثورة؟ من ناحية أولى، فإن السيرورة الطبيعية للسينما المصرية تفرض أفول أسماء معروفة وظهور أخرى شابة، فمثلا مخرجو وممثلو جيلي لم يعودوا يتمتعون بنفس الإقبال، لكن من ناحية ثانية، فإن التركيز على الأسماء السينمائية الشابة له سبب آخر، هو أن الشباب باتوا الأكثر إقبالا على الأعمال السينمائية، وهؤلاء يحتاجون، خاصة في الظرفية الحالية، إلى سينمائيين شباب يفهمون ما يريدون. - بصفتك عارفا بخبايا الصناعة السينمائية بمصر، هل تتوقع استمرار نفس الأذرع المتحكمة في لوبي الإنتاج بعد الثورة وبعد أن تستقر الأوضاع السياسية؟ ما يجب أن نركز عليه حاليا هو التغييرات السياسية والمسار الانتخابي، الذي أفرز مرشحين مرفوضين، لدى السينمائيين على الأقل، أما الحديث عن تغيير في المتحكمين في مجال الإنتاج، فأعتقد أنه سابق لأوانه، وسيأتي الحديث عنه بعد استقرار الأوضاع واتضاح الرؤية. - لو بقينا مرتبطين بعلاقة السينما بالسياسة، فقد كنا نلاحظ منذ سنوات أن السينما المصرية والعربية عموما كانت تبتعد عن طرح المواضيع السياسية، وإلا فإنها كانت تتماهى مع الأنظمة القائمة. هل تتوقع أن يختلف الأمر بعد الربيع العربي؟ السينمائيون المصريون كانوا يبتعدون عن المواضيع السياسية بسبب وجود رقابة صارمة على مثل هذه المواضيع، فقد كنا نعاني الأمرين من أجل تمرير رسالة سياسية. أما الآن بعد الربيع العربي فلا يزال الأمر غامضا. في اعتقادي أننا نسير في ممر مظلم قد يقودنا إلى رقابة أشد مما كان عليه الوضع سابقا، لذا فالنضال لا بد أن يركز الآن على مدنية الدولة ورفض الدولة الدينية، لأن ذلك ما سيضمن حرية الإبداع. - هذا الكلام يقودنا إلى الحديث عن جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية، ففي ظل بقاء خياري شفيق ومرسي، هل تفضلون- أنتم السينمائيين- نسخة جديدة من النظام القديم أم رئيسا إسلاميا لم يجرب بعد، لكن يقال عن مواقفه من السينما الكثير؟ أتوقع أن عددا كبيرا من المصريين لن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، أو أنهم سيتعمدون إبطال أصواتهم، وشخصيا لا أرى أن أيا من الخيارين سيخدم حرية الإبداع، فأحمد شفيق يمثل فلول النظام السابق، وقد يدعي الوقوف إلى جانب حرية الأعمال الفنية، لكنه بالتأكيد سيعيد صياغة النظام السابق المحاصر للحرية الإبداعية. أما مرشح الإخوان محمد مرسي فسيضع قيودا أكثر على العمل الإبداعي والفني، لذا فإن الاثنين مرفوضان. - لكن هذا الكلام يبدو حكما مسبقا على مرشح الإخوان، الذي تعهد بضمان حرية التعبير والإبداع، كما أن جماعة الإخوان المسلمين لم تجرب بعد في الحكم؟ تجربتنا مع ما يقوله قياديو الإخوان تجعلنا نحكم على وعودهم بأنها تتغير على الدوام، حتى لا أقول عنها إنها كاذبة، فلطالما رأيناهم ينفذون عكس ما يعدون به، وعدم الوفاء بالوعود هذا جعلهم يفقدون ثقة الشعب فيهم، أما عن عدم تجربتهم فقد منحوا فرصة في مجلس الشعب... ما يحدث الآن هو أن الإخوان، رغم افتقارهم للتجربة السياسية، «عايزين يكوشو على كل حاجة وبس». - لكنهم يقولون إن السلطة الفعلية ليست في أيديهم. إن كنت تقصد المجلس العسكري، فأنا أتفق معك في أنه يحاول السيطرة على السلطة، لكن الإخوان المسلمين هم من اختاروا السعي وراء المسؤولية، ثم إنني أشكك حتى في نزاهة وصولهم إلى البرلمان، وأرفض من يردد عبارة «الشعب اختار»، لأن الإخوان اعتمدوا على الرشوة لتحقيق مبتغاهم، عبر منح مواد غذائية لشعب استغلوا فقره وضعف وعيه السياسي بسبب الأمية المتفشية فيه. - هل هذا يعني أن أحمد شفيق هو البديل؟ إطلاقا، لا يمكن لشفيق أن يكون البديل المناسب، فتاريخه معروف... إنه شخصية مكروهة، وكان رئيسا للوزراء في أسوأ ظرفية، وفي عهده حدثت موقعة الجمل، كما أن وصوله إلى الدور الثاني مشكوك فيه، فأنا لا أستبعد ما تردد عن أن الجيش دفع عسكريين وأفرادا من الشرطة للتصويت عليه. إن هذا الشخص الذي عمل طوال حياته السياسية إلى جانب النظام السابق لا يمكن أن يتحول الآن إلى ملاك. - سؤالنا الأخير حول الأسماء الفنية والثقافية التي ظلت سنوات تنادي بالكرامة والحرية ورفض الاستبداد، في عز تسلط الأنظمة العربية، والتي تغيرت مواقفها بشكل مفاجئ بعد الثورات لتعلن دعمها المطلق للأنظمة. بم نفسر ذلك؟ إنه الخوف والجبن، ليس لذلك أي تفسير آخر، وكما نقول في مصر «القماشة الكويسة تبان ساعة الغسيل»، هؤلاء كانت مواقفهم في حاجة إلى محك لتبين مدى مصداقيتها، وقد ظهروا الآن على حقيقتهم.