يقول الدكتور محمد فخر الدين، المنسق السابق للبحث التربوي في أكاديمية مراكش والأستاذ المكون في المركز التربوي لمهن التربية والتكوين في المدينة ذاتها، إنه كانت هناك عدة محاولات لإصلاح منظومة التربية والتعليم وجعلها تواكب المستجدات، وأهمها التوصل إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي جاء بعدة خطوات إيجابية، لكن تنزيله على أرض الواقع اعترضته عدة عوائق وصعوبات. - تتبعت، دون شك، مشاريع تنزيل المخطط الاستعجالي، ما هو تقويك لما أنجز فيه؟ لقد كانت هناك عدة محاولات لإصلاح منظومة التربية والتعليم وجعلها تواكب المستجدات، وأهمها التوصل إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي جاء بعدة خطوات إيجابية، لكنّ تنزيله على أرض الواقع اعترضته عدة عوائق وصعوبات، منها ما هو ذاتي وما هو موضوعي، حيث لم نتوصل إلى تحقيق عدد من الأهداف والغايات الواردة في الميثاق، حيث لا منتديات الإصلاح ولا المخطط الاستعجالي، رغم بعض نجاحات الأخير، حققا المطلوب.. في هذا الإطار، تم تبنّي مقاربة الكفايات وأجرأتها في إطار بيداغوجيا الادماج. وقد كانت خطوة مراجعة هذه المقاربة ضرورة. لقد شغلت الناس، مُربّين وأولياء تلاميذ، وربما أبعدتنا، نوعا ما، عن الإشكالات الحقيقية، المتمثلة في الحاجة إلى بيداغوجيا متطابقة، فبعد أن استوردنا بيداغوجيا الأهداف، تخلينا عنها دون تقويم.. وبنفس الطريقة، تم تبني بيداغوجيا جديدة دون تشخيص مدى الحاجة إليها وما هو صالح منها للتنزيل في الواقع وما هو غير صالح.. لذلك فإن تقويم هذه المقاربة شيء مهم جدا، خاصة بعد المشاكل التي أثارتها على مستوى التطبيق. لقد جاءت بيداغوجا الكفايات كانتقاد للمنحى السلوكي والتجزئي في إدراك المعارف. وقد كانت بيداغوجيا الإدماج اختيارا إجرائيا لها، لكن غياب تشخيص دقيق للنجاعة البيداغوجية جعل هذه المشاريع ذات طابع تجريبي، دون أن تصل إلى تحليل النتائج، مما جعل البيداغوجيا، وعوض أن تحل الأزمة، تخلق أزمة أخرى، خاصة إذا لم تُراعِ شروط التحقق، فتكفي، مثلا ظاهرة، الاكتظاظ داخل الفصول والتي يعاني من تبعاتها عدد من الأساتذة لتحد من نجاعة المقاربة، دون أن ننسى مشكل التكوين واستنساخ التجربة على علاتها، وكأنها منزلة على الواقع التعليمي، وعدم الانسجام بين المقاربة والمنهاج وجعل كل المواد قابلة لنفس المقاربة دون تمييز، حسب خاصات كل مادة... وعدم استيعاب عدد من المفاهيم من طرف المكونين أنفسهم أو تضارب الفهم في بناء الوضعيات، بشكل عام، وعدم تسخير آليات البحث التربوي في تشخيص نجاعة بيداغوجيا الإدماج، فإن بعض مما جاءت به هذه البيداغوجيا -وفي غياب دراسات في هذا المجال- كان متوفرا في تعليمنا القديم، بل تم تجميعه من مقاربات مختلفة تركز على المتعلم.. - قامت الوزارة بتجميع مراكز تكوين المدرّسين في مراكز جهوية موحدة.. كيف ترى هذه الخطوة؟ لا بد، أولا، من الإشادة بهذه الخطوة، التي ستكون، في النهاية، في صالح التكوين، خاصة إذا تحققت الشروط المناسبة، ابتداء من توفير الفضاءات الملائمة للتكوين، من مدرّجات وقاعات وداخليات ومختبرات.. والاهتمام بالمكونين وبجميع العاملين، من إداريين وتربويين، في هذه المراكز كفيل بإنجاح التكوين والتكوين المستمر والمساهمة في مختلف المهام المسندة لهذه المراكز.. وكذلك تمتيع هذه المراكز بالاستقلالية في تنظيم وتسيير شؤون التكوين وإرساء آليات للتنسيق مع الأكاديميات والجامعة.. لقد راكمت أطر مراكز التكوين، باختلاف فئاتهم، مجموعة من الخبرات التكوينية لكنها، إلى حد الآن، لا تتوفر، للأسف، على صفة «مكوّن»، رغم قضائها سنوات في التكوين والتأطير والبحث.. وهذه الصفة ستمكّن هذه المراكز من موارد بشرية مستقرة وذات مؤهلات عالية في مجال التكوين. كما تتوفر هذه المراكز على عدد من المكوّنين الذين اشتغلوا لسنوات في التكوين والحاصلين على دكتوراه الدولة والدكتوراه، الذين سيكون للالتفات إلى وضعيتهم، أسوة بزملائهم في الجامعة مفعول إيجابي على التكوين.. فرغم قلتهم وكونهم يشتغلون في هذه المراكز منذ سنوات، فإنه يُطلَب منهم الخضوع لمباراة من أجل ولوج هذه المراكز، وكأنهم لا ينتسبون إليها أصلا.. كما أن الاهتمام بكافة المتدخلين في التكوين وفتح أفاق التكوين والتكوين المستمر أمامهم وتزويد المراكز بكفاءات متميزة جديدة من مختلف الفئات في مجال البحث والتكوين والإدارة وإدراج مادة منهجية البحث التربوي ضمن المواد المبرمجة لا يمكن إلا أن يشكل دفعة مهمة لتحقيق جودة التكوين.. - كيف تنظر إلى المسار المسطر للتكوين في هذه المراكز؟ ينبغي أن يكون تكوين المُدرّس وفق نظرة مستقبلية، بتجاوز عدد من العقبات التي تعيق التكوين الجيّد وإعداد المدرس للمهنة وجعله يتعامل مع المتعلمين بالحب والاحترام اللازمين.. والتحلي بالكثير من المهنية لتحقيق الأهداف من التربية والتكوين.. ينبغي أن يكون المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مشتلا لتكوين مُدرّسي المستقبل طبق مواصفات خاصة، أساسها تحبيب المهنة إلى المُكوّنين وتدريبهم على تدبير التعلمات والمشاركة في الحياة المدرسية وتفعيلها.. فالمطلوب من المُكوَّنين ليس أن يكونوا نُسخاً لما سبقهم ولا تقليدا لمكونيهم، بل أن تكون لهم شخصيتهم المرنة المستقلة، القادرة على مواكبة المستجدات التربوية وتزويد التلاميذ بالكفايات اللازمة وتهييئهم للتفاعل مع الوضعيات التعليمية المختلفة.. المطلوب هو ذلك المدرّس المُلمّ بمهنته والمحبِّ لها، الفاعل في واقعه القادر على تفعيل مختلف القرارات والبرامج على أرض الواقع.. والجواب عن السؤال: أي مدرس نريد وما هي مواصفاته ومؤهلاته العلمية يجيبنا عن أي تكوين سنقدمه إلى المدرسين؟.. تجاوز التكوين عقلية التلقين إلى عقلية التكوين، والابتعاد من عقدة الخوف من المكون والنقطة إلى التعاقد والاحترام والضبط الذاتي والحرية في طرح الأسئلة والتجاوب مع المكونين.. وحتى في انتقاد بعض جوانب التكوين التي يمكن أن تتجاوزها الظروف والمستجدات.. فالتكوين غير التلقين، فإذا كان التلقين يعتمد الإملاء ويفترض أن المكون هو مالك للحقيقة ويطالب بالرجع والاستظهار في مرحلة التقويم، فإن التكوين يعتمد على المشاركة الفعالة، والتقويم ينصب على مدى تحقق الكفايات.. - ما هي المواصفات التي تراها ضرورية في مدرس المستقبل لقبوله في هذه المراكز؟ تمثل شخصية المدرّس العمود الفقري في ممارسته مهنته ونجاحه فيها، في ميوله نحو المهنة وحبه لها وتفضيله لها على غيرها من المهن وحبه المتعلمين وقدرته على العطاء واستعداده التلقائي لممارستها.. وهي كلها أمور أكثر أهمية من المعرفة التي يتمتع عليها.. لا بد أن ينصرف التكوين إلى الاهتمام أساسا بشخصية المدرّس وفتح آفاقه المعرفية والعلمية والشخصية والمهنية، حتى يتمكن من الانخراط الفعلي والتلقائي في ممارسة المهنة، ومستقبلا، بشكل ايجابي في أي نوع من أنواع الإصلاح بطواعية ودون مقاومة تذكر.. وأن يقوم التكوين بتزويده بالمهارات والكفايات التواصلية والمنهجية لكي يكون إيجابيا في تعلمه وفي تجاوبه المستقبلية مع التلاميذ.. إن اختيار المدرسين ينبغي أن يرتكز على حب المهنة والاستعداد لممارساتها في ظروف متغيرة ليست دائما ملائمة.. ولا تخفى هنا أهمية الميولات والاستعداد النفسي في تحقيق النجاح في ممارسة مهن التربية والتكوين.. كما على هذا المدرّس أن يدرك طبيعة الواقع الذي سيمارس فيه مهمته وأن تكون النظريات التربوية التي يتلقاها قريبة من واقعه التعليمي، حتى تتم الاستفادة منها بشكل ملموس في ممارسته المستقبلية للمهنة، فالنظريات التربوية المُستورَدة التي تردَّد كحتمية تاريخية، رغم أهميتها العلمية والمعرفية، لن تكون ذاتَ جدوى إذا لم يتمَّ تطويعها لتكون منسجمة مع الواقع التعليمي ومتجاوبة مع المنهاج والبرامج ومع حاجيات المتعلمين.. - ما رأيك في وضعية البحث التربوي داخل منظومة التربية والتكوين؟ رغم المجهودات، المشكورة، التي يبذلها عدد من الأطراف، خاصة في ما يسمى البحث التدخلي، فإن البحث التربوي ما يزال متعثرا ويحتاج إلى دعم أكبر.. فرغم هذه الجهود في مأسسة البحث التربوي وفي النهوض به، نجد أن دوره ما يزال محدودا في النهوض بالتربية والتكوين.. فالبحث ينبغي أن يلعب دورا أساسيا إذا أردنا تحقيق الإصلاح لمنظومتنا التربوية والتعليمية بطريقة سليمة، فهو وحده القادر على تشخيص الوضعية التربوية وتحديد العوائق الذاتية والموضوعية التي تعترض سبيل منظومة التربية والتعليم وإنجاز دراسات ميدانية موضوعية لا تصف غير الوقائع في كل هذه المجالات وتُمكّن من جمع المعطيات واقتراح الحلول العملية، البعيدة عن كونها حبرا على ورق وعن الواقع في التطبيق أو متنافية معه.. والكف عن إسقاط التجارب الأجنبية على نظامنا التربوي والتعليمي، والاعتماد على الخبرات المحلية في إصلاح شأن التربية والتعليم بطرح سؤال بسيط: كيف نريد؟ وما هي مواصفات المتخرجين من منظومتنا التربوية؟.. وبالابتعاد عن التنظير إلى معالجة الواقع المعاش والقضايا المطروحة.