إذا كانت هناك قضية من القضايا التي أثارت وما تزال تثير كثيرا من الجدل في المجتمعات، الإنسانية بشكل عام، والعربية الإسلامية بشكل خاص، فهي قضية الاستبداد السياسي. وفي هذا الإطار، يأتي الكتاب الجديد «مفهوم الاستبداد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر» للكاتبة اليمنية هناء البيضاني، ابنة الدكتور عبد الرحمن البيضاني، نائب رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق، وفيه تحدد جذور الاستبداد قائلة إن «الاستبداد السياسي نتيجة استبداد عام يبدأ من سلطة الأب ويصل إلى الحاكم، ويشمل استبداد الرجل ضد المرأة والاستبداد في التربية والتعليم والاستبداد الديني والثقافي».. هنا تقرير عن الكتاب. ترى باحثة يمنية أن معظم الأنظمة السياسية في العالمين العربي والإسلامي مستبدة وأن الاستبداد الديني تزامن مع الاستبداد السياسي، الذي تحمله مسؤولية «وهن الأمة»، ولكنها لا تتحدث عن «المواطنين»، بل تطلق عليهم مصطلح «الرعية». وتقول هناء البيضاني إن مصطلح «الاستبداد» ارتبط بالنظام الإمبراطوري البيزنطي عام 27 قبل الميلاد، إذ كان الأباطرة يطلقون لقب «المستبد» كشرف يمنحه الإمبراطور ابنه أو زوج ابنته عند تعيينه حاكما لإحدى المقاطعات. وتفسر البيضاني غياب نظرية عامة لمصادر مفهوم الاستبداد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر قائلة إن «هناك إرادة من جهات عديدة، إسلامية أو عربية، في إدخال بعض مصادر الفكر السياسي الإسلامي، بصفة عامة، ضمن المحظورات أو الممنوعات من التداول.» وتقول في كتابها «مفهوم الاستبداد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر.. دراسة مقارنة» إن «الاستبداد السياسي نتيجة استبداد عام يبدأ من سلطة الأب ويصل إلى الحاكم، ويشمل استبداد الرجل ضد المرأة والاستبداد في التربية والتعليم والاستبداد الديني والثقافي، إضافة إلى التركيز على ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية وتجاهل قضية الديمقراطية.» وهذه الدراسة في الأصل رسالة دكتوراة قدمتها الباحثة -وهي ابنة الدكتور عبد الرحمن البيضاني، نائب رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق- إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، قبل أن تعدها في كتاب يبلغ 550 صفحة كبيرة القطع ويصدر غدا الأربعاء عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة. ويضم الكتاب قراءات في الفكر السياسي الشيعي من خلال كتابات الإمام النائيني (توفي عام 1936) والرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي، وقراءات في الفكر السياسي السني في ضوء كتابات المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي (1854-1902) والشيخ المصري محمد الغزالي (1917-1996). ويتزامن صدور الكتاب مع صحوة شعبية في العالم العربي أدت فيها الاحتجاجات الحاشدة، المراهنة على التغيير، إلى خلع رؤوس الأنظمة الحاكمة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وتتواصل الاحتجاجات في سوريا، رغم ألوف القتلى والمفقودين. وقال مفتي مصر، علي جمعة، في مقدمة الكتاب، «إن الفكر السياسي في التراث الإسلامي عني بقضايا تخص بروتوكولات دار السلطنة، أما في ما يخص شؤون المواطنة وحقوق الرعية ونصيحة الحكام وأحكام المعارضة السياسية فلا نعثر عليها إلا نادرا في تراثنا السياسي.» وتقول هناء البيضاني إن «الاستبداد الديني المفجع في العالمين العربي والإسلامي لا يمكن إنكاره، فهو ليس جديدا بل يضرب بجذوره في عمق التزامن مع بداية الاستبداد السياسي»، إذ تعرضت فرق إسلامية لقمع شديد منذ العصر الأموي». وتتابع قائلة إن «كل فرقة كانت ترى أنها أفضل الفرق وأهداها في اتباع القرآن والسنة وتطبيق شرع الله... وكان لأهل السنة رؤيتهم الخاصة في عدم جواز الخروج على الحاكم، حتى ولو كان جائرا، وأن الدراسات الخاصة بأدب النصيحة استهدفت محاولة علاج استبداد الحاكم حتى انهارت الدولة العباسية». وترصد الكاتبة «تطور الاستبداد الديني» عن طريق الجماعات الإسلامية المتشددة، قائلة إن «أعضاءها لم يفهموا الدين فهما صحيحا، فضلوا الطريق»، وأدى هذا التشدد إلى ظهور «الحركات الإرهابية، وخصوصا بعد أحداث 11 شتنبر 2011، التي دلت على أنها تريد فرض معتقداتها بالقوة، دون منطق أو داع.» وتقسم المؤلفة جماعات المتشددين إلى قسمين، «يتبنى الأول التطرف السلمي»، ويُشَبّهون المجتمع الإسلامي بمجتمع الجاهلية قبل هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة، ويرون أن الوقت لم يحن بعدُ للتحرك نحو بناء ما يسمونه الدولة الإسلامية. وتقول إن «القسم الثاني من المتشددين يطبق الاستبداد الديني باستخدام القوة والقهر، وهي مرحلة يرى أصحابها أنها تشبه مرحلة الإسلام في المدينة وما تلاها... وهم يرون أنهم المسلمون الوحيدون الذين يعتنقون الإسلام الصحيح.» وتوضح البيضاني أن «الكواكبي كان أول من استخدم مصطلح «الاستبداد الديني» وما يرتبط به مثل «فقهاء الاستبداد»، وأنه ربط بين الاستبداد الديني والممارسة السياسية وأن النائيني ربط بين رجال الدين ورفضهم مشروع الدستور والتصدي له، أما خاتمي فارتبط اسمه بالإصلاح السياسي». وتقول إن خاتمي، رغم توليه رئاسة الجمهورية، فإنه لم يستطع أن يحقق مشروعه الإصلاحي، إذ واجهته عقبات، إما نتيجة تدخل الفقيه مباشرة أو تدخل مجلس صيانة الدستور».