لا تقولوا لم نعلم. استقر رأي دولة إسرائيل قبل عشر سنين على أن السلاح الذري في يد إيران تهديد وجودي. وألقت دولة إسرائيل على الموساد مهمة إفشال التهديد الوجودي. فقام الموساد بعمل مدهش وكسب زمنا ثمينا، لكنه لم يفِ بالمهمة في نهاية الأمر التي كانت من البداية غير ممكنة. وإيران اليوم تملك صواريخ بعيدة المدى وقدرة تقنية عالية ويورانيوما مخصبا يكفي لتركيب خمس قنابل ذرية. وستكون إيران في غضون زمن غير طويل على مبعدة غير كبيرة من القدرة على التحول إلى قوة ذرية، فقد انتهت عشر سنين من إفشال غير عسكري للقدرة الذرية الإيرانية إلى فشل. لا تقولوا لم نعلم. قبل بضع سنين التزم المجتمع الدولي بأن يوقف البرنامج الذري الإيراني بوسائل سياسية اقتصادية. وأجرت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين حوارا سياسيا طويلا معوجا مع إيران. وبادرت الولاياتالمتحدة وأوربا إلى عقوبات دولية واستعملتا عقوبات من طرف واحد على إيران. وأثمرت هذه الإجراءات إنجازات فتم الإضرار بالاقتصاد الإيراني وانهارت العملة الإيرانية ودُفع البرنامج الذري الإيراني إلى صعوبات ما. لكن الإيرانيين كانوا، في نهاية الأمر، أكثر حنكة من أولئك الذين أرادوا التضييق على خطواتهم، فاجتازوا سلسلة من الخطوط الحمراء ودخلوا مجال الأمد الأقصى الذري. وانتهت سنين من الإفشال السياسي الاقتصادي للمشروع الذري الإيراني إلى فشل. لا تقولوا لم نعلم. إن تثبيط الفشل غير العسكري وتثبيط الفشل السياسي الاقتصادي أحدثا وضعا سياسيا شديد الخطر، فقد نفدت الأرانب في القبعة ونفد الرمل في الساعة الرملة. وأصبح يبدو في صيف 2012 أنه لم تعد توجد خيارات سهلة في مواجهة القنبلة الذرية الإيرانية؛ فقد جُربت الخيارات السهلة وفشلت وأفضت بنا إلى الفشل. وتمكن دائما معجزة اللحظة الأخيرة، فربما يحدث انهيار اقتصادي أو انهيار سياسي في إيران وربما يرى علي خامنئي النور فجأة. لكن من الصحيح إلى الآن أنه ليس أمام إسرائيل سوى ثلاثة إمكانات، وهي التسليم بحصول إيران على القدرة الذرية؛ أو مهاجمة إيران؛ أو الإيمان بالتخليص الأمريكي. لكن هناك مشكلة هي أن التسليم لحصول إيران على القدرة الذرية هو تسليم لما تُعرّفه دولة إسرائيل بكونه تهديدا وجوديا. ومن المشكوك فيه كثيرا أن نستطيع أن نحيا حياة معقولة في هذا البلد الصعب تحت مظلة تهديد شيعي. لكن مهاجمة إيران قد تكون كارثة. وحتى إذا نجحت ولم تشعل حربا إقليمية فظيعة فإنها ستُديم المواجهة بيننا وبين الجمهورية الإسلامية. أما الإيمان بالتخليص الأمريكي فهو الآن رجاء ليست له أي قاعدة من الحقائق؛ فإخفاق الأمريكيين في باكستان وفي كوريا الشمالية وفي إيران نفسها لا يشهد بأنهم سيمدون أيديهم وقت الحاجة إلى النار ليخرجوا منها حبات الكستناء الذرية. تغلب على إسرائيل اليوم بلادة الحس، فالكلام الذي لا ينتهي عن المشروع الذري الإيراني سبب إرهاقا نفسيا ونوعا ما من عدم الاكتراث. وفي حين تحصر القيادة الإسرائيلية عنايتها في إيران بصورة مطلقة لا يفهم الجمهور الإسرائيلي ولا يستوعب التحدي الإيراني تماما. وما يزال تهديد نتناز يبدو غامضا ويصعب على الإسرائيليين بصورة تقليدية أن يواجهوا تهديدات غامضة. ولذلك لا يجري هنا نقاش جدي يحلل تحليلا عميقا البدائل الثلاثة الصعبة. ولا يوجد هنا نادٍ وطني واسع يختار بصورة مناسبة من بين البدائل الثلاثة. ويؤمن رئيس الوزراء ووزير الدفاع بإمكانية عملية واحدة؛ ويؤمن الرئيس بإمكانية عملية ثانية؛ وما تزال المؤسسة الأمنية تأمل أن تتحقق الإمكانية الثالثة، وهي أن تقوم أمريكا بالعمل. لا تقولوا لم نعلم. إن الواقع هو واقع قاس ويوجب على إسرائيل أن تتخذ قرارا قاسيا. ومع عدم وجود معلومات وافية لا يستطيع كاتب هذه السطور وقُراء هذه السطور أن يعلموا ما هو القرار الصحيح. لكن يجب علينا جميعا، باعتبارنا مواطنين أسيادا لدولة ذات سيادة موجودة في مفترق مصيري، يجب علينا أن نُديم النظر إلى ما يقف أمامنا، فبعد أن فشلنا مرتين في مواجهة إيران لا يجوز لنا أن نفشل في الثالثة. عن «هآرتس»